مقالات مختارة

خطة للضم الآن وللتهجير لاحقا!

محمد ياغي
1300x600
1300x600

اليوم، وصل الفلسطينيون إلى مرحلة عليهم فيها أن يتعاملوا مع ما كان يُعد لهم منذ زمن طويل، وهو ضم مناطق (ج) لإسرائيل تحت مسمى خطة السلام والازدهار، أو ما يعرف باسم صفقة القرن التي أُعلِن عنها الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض.


الرئيس ترامب، الذي لا يقرأ ما يقدمه إليه مستشاروه كما يقول الإعلام الأمريكي، لا تهمه فلسطين ولا إسرائيل ولا العالم العربي كله. كل ما يريده أن تتم إعادة انتخابه، لذلك لا يمانع بتقديم فلسطين لإسرائيل لتقوم بهضمها بعد أن ابتلعتها شيئا فشيئا منذ اتفاقية كامب ديفيد العام 1978.

 

وهو لا يمانع بتقديم العالم العربي كله لإسرائيل إن كان ذلك يساهم في إعادة انتخابه بضمان أصوات قاعدته الانتخابية من المتدينين (الأنجليكيين) المؤيدين لإسرائيل، الذي ينتمي إليهم نائبه مايك بينس، ووزير خارجيته مايك بومبيو. 

 

نتنياهو الذي يقف على حافة السجن لفساده، وجد ضالته بالذي يقدم له كل ما يريد لتقديم نفسه للناخب الإسرائيلي على أنه أحد أعظم قادتهم، الذي جلب لهم مباركة أمريكا على ضم القدس والأغوار والمستوطنات والأماكن الدينية التي تدعي إسرائيل يهوديتها في الضفة، والذي أخرج ملف اللاجئين من الصراع دون أن يقدم مقابل كل ذلك أكثر من الاستعداد لقبول التفاوض على مصير ما تبقى للفلسطينيين من أرضهم.

 

المطروح على الفلسطينيين باختصار ليس مشروعا للمفاوضات، وإنما بعض المال المؤجل إن قبلوا بالصمت على ضم إسرائيل لأراضيهم. لا يوجد اليوم ما يختلف عليه الفلسطينيون، فلا أحد يريد التفاوض معهم لأنه لا يوجد أصلا ما يتم التفاوض عليه.

 

البعض العربي الذي يبشر بأن القبول بالتفاوض أفضل من الرفض، عليه أن يخبر الفلسطينيين على ماذا سيتفاوضون؟

 

الكثافة الفلسطينية موجودة في 40% من مساحة الضفة، وهذه لا تريدها اليوم إسرائيل.

 

إسرائيل وفق المطروح ستضم 40% من مساحة الضفة فورا ومن دون انتظار المفاوضات، وهي تشمل القدس (المضمومة فعلا) والمستوطنات كتلا كانت أم عشوائية، وغور الأردن وكل ما يسمى بأماكن دينية يعتبرها اليهود رموزا لهويتهم. وما تبقى هو 20% فقط!

 

وحتى هذه الـ 20% التي بقيت لن يتم التفاوض عليها إن لم يقبل الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، وبالتخلي عن حقوق اللاجئين، وبالتسليم بأن القدس لإسرائيل، وبنزع سلاح الحركات الفلسطينية المقاومة في غزة؟

 

ثم حتى لو تم التفاوض بعد تنفيذ كل الشروط المستحيلة، فإن أكثر ما سيحصل عليه الفلسطينيون هو 10% من الأرض التي بقيت للتفاوض!

 

هذه الخطة لم توضع للتفاوض مع الفلسطينيين، ولكن لتشريع عملية الضم والاستيلاء على أرضهم الآن قبل عملية تهجيرهم لاحقا.

 

وأقول التهجير لأن هذا ما يعد لهم بعد حصرهم في معازل غير قابلة للحياة داخل دولة إسرائيل. هنا التهجير طوعي وقسري:

 

طوعي لمن يمتلك الفرصة على الهروب من هذا الوضع المستحيل المليء بحواجز الاحتلال وإهاناته، وقسري لأن حصر ملايين الفلسطينيين في معازل داخل دولة إسرائيل، هو وضع لن تسمح إسرائيل نفسها باستمراره، لما يشكله من خطر أمني عليها، ولأنه بطبيعته وضع غير قابل للحياة والاستمرار بسبب النمو السكاني وحاجة من يعيشون فيه لوضع أفضل، ولأن إسرائيل لا تريد فلسطينيين فيها.

 

إن ما يتم صناعته من قبل إسرائيل وأمريكا هو أشبه بدولة داخل دولة، وهو ما لا تقبله أي دولة في العالم. لماذا تقبل به إسرائيل إذا وتعرضه على الفلسطينيين عن طريق أمريكا؟

 

تعرضه إسرائيل لأنها تعلم أنه حل مؤقت يتيح لها ضم القسم الأكبر من أرض الضفة لها بمباركة أمريكية، وعندما تتوفر الظروف الملائمة وهم سيعملون على توفيرها، فإن الحال النهائي يكون بالتهجير وإنهاء الوضع الشاذ: وضع الدولة المزيفة داخل الدولة الحقيقية.

 

الناس لا تغادر أراضيها وبيوتها طوعا، بل تجبر على مغادرتها في الحروب تحت قصف الطائرات والمدافع. هكذا حدث العام 1948 والعام 1967 وهكذا حدث مع جميع الذين تركوا أراضيهم في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وفي كل مكان كان فيه حرب ودمار. 

 

السؤال الذي يحتار الفلسطينيون بشأنه دائما هو: ما العمل؟

 

على الفلسطينيين أن يدركوا أن أنصاف الحلول لا تسقط مشاريع كبرى بحجم مشروع ترامب ونتنياهو.
المشاكل الكبرى تحتاج لقرارات كبرى. وأكثر الحلول قابلية للتنفيذ هي أبسطها.

 

قلت سابقا وأكرر بأن الحل هو في تحويل السلطة إلى بلدية كبيرة تهتم فقط بالتعليم والصحة والحياة اليومية للفلسطينيين، وتحويل كل مؤسساتها السياسية الى منظمة التحرير بعد ضم جميع الفصائل الفلسطينية لها، وحل أجهزتها الأمنية والإبقاء فقط على الشرطة المدنية التي تطارد السارقين والمجرمين.

 

على إسرائيل أن تعود مكرهة لاحتلالها المباشر للضفة الغربية، حتى تكون مناطق (ج) والقدس مثل مناطق ألف وباء وإتش 1 وإتش 2 ومن هنالك تكون البداية:

 

إما التحرر والاستقلال وبناء الدولة الوطنية على حدود العام 1967 بما فيها القدس العربية المحتلة، وإما الدولة الواحدة التي لا يوجد فيها تمييز عنصري، والتي تُطبق فيها قوانين موحدة على جميع قاطنيها.

 

(الأيام)

0
التعليقات (0)