مقالات مختارة

إلى أين تتجه الصين؟

محمد المنشاوي
1300x600
1300x600

كشفت مشادة غير مألوفة بين دبلوماسيين صينيين حكوميين عن خلاف في بيكين حول كيفية إدارة الأزمة المستمرة مع واشنطن.


وعبر كوي تيانكاي، سفير الصين في واشنطن، عن معارضته للنظريات الصينية التي تدعى أن فيروس كورونا اخترعه مختبر عسكري أمريكي، وذلك بالرغم من أن زاو ليجيان المتحدث باسم الخارجية الصينية قد كرر هذه الفكرة عدة مرات أخيرا عبر تطبيق تويتر، من ناحيته أطلق الرئيس دونالد ترامب على كورونا اسم «الفيروس الصيني»، وألقي باللوم على الصين بسبب تسترها ومحاولة خداع العالم بخصوص فيروس كورونا خلال أسابيع انتشاره الأولى.


وتُحمِّل الكثير من الدوائر الأمريكية الصين مسئولية انتشار فيروس كورونا حول العالم برفضها مشاركة العالم ما لديها من معلومات في فترة مبكرة بعد انتشار الوباء داخل أراضيها، والسماح لملايين الأشخاص من كل دول العالم بالسفر إلى ومن مدينة ووهان الموبوءة.


ويلقي الكثير من الأمريكيين باللوم على الصين لتسترها على حقيقة انتقال الفيروس بين الأشخاص خلال الأسابيع الخمسة الأولى من انتشار الوباء، ويحملها البعض المسئولية عما شهده العالم ويشهده من اضطراب وفقدان عشرات الآلاف من الأبرياء بالموت، إضافة لإصابة مئات الآلاف حتى وقتنا هذا.


***
ودفعت تطورات أزمة انتشار فيروس كورونا، والتي لا يماثلها أي أزمات في التاريخ المعاصر من حيث طبيعتها وامتداداتها وتأثيراتها الممتدة غير المعروفة، إلى إلقاء الضوء على عمق التناقضات التي تجمع بين الدولة الأقوى في عالم اليوم من ناحية، ومن ناحية أخرى الدولة التي تسعى لإزاحتها وأن تحل مكانها.


ولا شك أنه من المبكر الحكم على شكل العالم عقب انتهاء أزمة كورونا التي يوجد يقين واحد حولها وحول تبعاتها وتأثيراتها، ألا وهو «غياب أي يقين».


وأكدت تطورات الأزمة مخاوف واشنطن من أن الصين تقترب وتصمم على مزاحمتها على سلم الريادة العالمي تكنولوجيا واقتصاديا وربما عسكريا، نجحت الصين ذات الـ 1.2 مليار نسمة، والتي تعرف تنوعات عرقية واثنية لا تحصى، أن تخلق كيانا مستقرا سياسيا، يحقق نموا اقتصاديا لم يقل عن 7% خلال العقد الأخير، ما دفع بها لتصبح أكبر مستورد لمصادر الطاقة والمواد الخام لحاجتها الكبيرة في القطاعات الصناعية الإنتاجية والاستهلاكية.

 

وطبقا لبيانات حكومية أمريكية، فقد أنفقت الصين 279 مليار دولار على الأبحاث والتطوير في العام الماضي بزيادة 14% عن العام السابق له، ولا يسبق الصين إلا الولايات المتحدة في هذا المجال، أما بالنسبة للمجالات الأخرى التي تقيس تقدم الدول حاليا وفي المستقبل القريب فنحن نشهد منافسة غير مسبوقة في سرعتها وطبيعتها بينهما في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، أو تصميم روبوتات تقوم بالكثير من المهام الإنسانية وغير الإنسانية، ولا يمر يوم واحد بدون حدوث تطور في هذه المجالات، ولا يمر يوم دون أن تعرض صحف أمريكية أخبارا عن صناعات وابتكارات الصين في هذه المجالات الحيوية.


كما دشنت الصين رسميا مبادرة «الحزام والطريق» لإحياء طريق الحرير التاريخي بصورة معاصرة تنفق خلالها بكين تريليونات الدولارات في استثمارات في البنى التحتية في عدة دول على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، إضافة لطريق آخر بحري يصلها بأوروبا مرورا بقناة السويس، ولا يقصد بالبنية التحتية ما يعرف عنها تقليديا من طرق وكباري وأنفاق وشبكات كهرباء ومياه فقط، بل يمتد ليشمل طريقا رقميا يضمن التأسيس لطرق رقمية سريعة Super Digital Highways.


***
قبل نهاية عام 2019، أزاحت الاستخبارات العسكرية الأمريكية للمرة الأولى الستار عن تقرير يتناول بالتفصيل القدرات العسكرية والاستخباراتية للصين وسعيها الدائم لتطويرها، وتصدر الوكالة تقييمها لقدرات الصين بصورة شديدة السرية؛ حيث لم يسمح بنشر محتوى تقاريرها السابقة التي كان يطلع عليها عدد محدود فقط من كبار المسئولين، ويتحدث التقرير تحت عنوان «قوة الصين العسكرية..

 

تحديث القوات للقتال وتحقيق النصر»، عن الصعود العسكري الصيني من خلال رصد عدة ظواهر من أهمها الزيادة الكبيرة التي تشهدها الميزانية العسكرية للصين مقارنة بالأعوام السابقة، فقد تخطت ميزانية الصين العسكرية 170 مليار دولار عام 2019 بعدما بلغت فقط 77 مليارا عام 2007، السلوك العدائي المتصاعد للصين في بحر الصين الجنوبي، واستيلاؤها على عدد من الجزر التي هي محل خلاف مع بعض جيرانها مثل فيتنام والفلبين.


وفي سابقة مهمة، فصل التقرير هيكل أجهزة الاستخبارات الصينية، وذكر أفرع قواتها المسلحة، وخرائط انتشار قواعدها العسكرية داخل البلاد، وتتكون المخابرات الصينية من جهاز المخابرات المدنية، مخابرات العمل السياسي، المخابرات العسكرية، الأمن الداخلي، وحدات الإشاعات والتضليل، وأخيرا الاستخبارات الإلكترونية.


كما حظيت طبيعة وتركيبة الأكاديميات العسكرية الصينية وهيكل الأذرع العسكرية الرئيسية والقوات شبه العسكرية بمساحة واسعة من التقرير.


وتحدث التقرير كذلك عن العقيدة العسكرية للصين؛ حيث ذكر أنها لم تترجم بعد لمحاولة الانتشار العالمي بصورة مماثلة للولايات المتحدة. وتستهدف الصين في الوقت الراهن ثلاثة أهداف تتعلق بحماية حدودها البرية والبحرية الطويلة، كما تمثل حماية طرق الملاحة التجارية أحد أهم أهدافها، خاصة مع استمرار اعتمادها الكبير على التجارة عبر المحيطات لتوفير موارد الطاقة التي لا ينمو الاقتصاد الصيني دونها.


***
لن تعتبر المنافسة الأمريكية الصينية مباراة صفرية، بل هي أكثر تعقيدا؛ حيث يجمعهما تعاملات تجارية تفوق قيمتها سبعمائة مليار دولار سنويا (ملياري دولار يوميا)، وتستضيف الجامعات الأمريكية ما يزيد على 350 ألف طالب صيني، ويستمتع بالسياحة في الدولتين ملايين الأمريكيين والصينيين، ويقلل كل ذلك من وقوع مواجهة شاملة تقليدية بين الدولتين، ورغم أنه من المبكر الجزم بشكل العالم عقب أزمة كورونا المستمرة، وترجم البعض التعامل الصيني الصارم مقابل الارتباك الأمريكي في التعامل مع أزمة كورونا كبداية تحول الدفة بعيدا عن أمريكا والتوجه للصين، وسيساهم المنتصر في الحرب ضد كورونا في كتابة التاريخ وتحديد شكل المستقبل، وإن انتصرت الصين فنحن أمام عالم أكثر انغلاقا، وأقل حرية، وبلا شك أكثر فقرا.


عن صحيفة "الشروق" المصرية

0
التعليقات (0)