كتاب عربي 21

كورونا والثورة المضادة ومشروع إيران

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

جاء كورونا إلى العالم، فيما منطقتنا تئن تحت وطأة النزيف الذي صنعته الثورة المضادة وإيران؛ عبر حريق مدمّر لم يستفد منه أحد كما استفاد أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، والقوى الإمبريالية؛ القديمة منها مثل أمريكا والغرب، والصاعدة الجديدة، وأهمها الصين وروسيا.


وكان مثيرا أنه لم يأت وحده؛ فمعه وتبعا لتداعياته، كان انهيار أسعار النفط، في وقت يعلم الجميع أن عنوان اقتصاد الطرفين (الثورة المضادة وإيران) هو النفط، فيما كانت إيران في وضع أسوأ تبعا للعقوبات الأمريكية، بما فيها القيود على تصدير النفط.


هكذا أصبح الطرفان بحالة نزيف في منتهى البشاعة؛ ليس بسبب تدهور أسعار النفط، والكلفة الاقتصادية لكورونا، بل أيضا لأن النزيف السابق لم يتوقف؛ إن كان في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بالنسبة لإيران، أم كان في عموم المنطقة بالنسبة للثورة المضادة، (بجانب انهيار أسعار النفط وكلفة كورونا). وفي الأولى يحضر نزيف اليمن الرهيب، بجانب ما دُفع ويدفع من أجل مطاردة أشباح الربيع العربي، كما يحدث في ليبيا على صعيد عسكري، وكما يحدث في أماكن شتى على صعيد سياسي، فضلا عن شراسة القمع في أكثر من دولة من أجل لجم أشواق الناس في الحرية والتحرر.


وكان دخول تركيا على الخط كعنوان مهم للاستهداف سببا آخر لرفع الكلفة، وإن كان مكلفا لتركيا أيضا، لكننا نتحدث عن المحورين الأكثر أهمية في نزيف المنطقة، رغم حضور تركيا كدولة (هي محور أيضا) نزفت وتنزف بسبب هذه المعركة، بخاصة في سوريا، وعلى صعيد داخلي تبعا لذلك أيضا، فضلا عن تداعيات كورونا التي أصابتها بقوة.


في منطق الحروب ذات الأبعاد الطائفية والمذهبية، يقول التاريخ إن الانتصار فيها صعب إلى حد كبير، وهي غالبا ما تنتهي حين يتعب الجميع، ويذهبون نحو تسويات مقبولة، لكن المصيبة أن هذه المعادلة قد صارت حقيقة، فالتعب قد نال الجميع بالفعل، ما يعني أن عليهم أن يذهبوا نحو تسوية إقليمية توقف المأساة، فلماذا لم يحدث ذلك؟


بالنسبة لمحافظي إيران، يمكن القول إن إعلان التعب، أو حتى الاعتراف الضمني به، سيعني عمليا الاعتراف بفشل سياسة ثلاثة عقود كاملة؛ تم خلالها استنزاف ثروات الشعب الإيراني في مطاردة مشروع ثبت ويثبت الآن أنه ضرب من الوهم، لأن المنطقة بقواها الرسمية، فضلا عن الشعبية (وهي غالبية الأمة) لن تستسلم لمشروع كهذا، حتى لو استخدم شعار المقاومة وفلسطين. وحين يتم الاعتراف بفشل كهذا، فإن استمرار من صنعوا المأساة في السلطة سيغدو برسم التساؤل (فشلهم المدوي في مواجهة كورونا إضافة جديدة، وإن كان تابعا لاستنزاف مقدرات الدولة في مغامرات الخارج).


أما بالنسبة للثورة المضادة، فإن الأمر لا يقل صعوبة، فرموزها وإن لم يعانوا خطرا مباشرا على صعيد وجودهم في السلطة، فإن هواجسهم حيال ذلك، لا زالت تريهم "الحبة قبّة"، كما يقول المثل، وهم لذلك يصعّدون القمع في الداخل، ويدعمون الدكتاتوريات في الخارج، كما يواصلون مطاردة أشباح الربيع العربي، وتبعا له ما يسمى "الإسلام السياسي".


ومع أن تسوية إقليمية مع إيران وتركيا لن تقيّد أيديهم، إلا أنها تفترض قدرا من تحسين شروط الأوضاع الداخلية، مع وقف العيش مع متلازمة الربيع العربي خارج دولهم، لا سيما أن قدرتهم على الصرف في المواجهات العبثية ستغدو محدودة بعد نزيف كورونا وأسعار النفط.


هل هذا إعلان يأس من وقف النزيف؟


ربما كان الأمر كذلك، وربما هو إعلان يأس من توقفه قريبا؛ قبل أن تظهر حقيقة البؤس الذي خلّفه كورونا وانهيار أسعار النفط على اقتصاديات الطرفين، وتبعا لذلك على واقع الشعوب داخليا، بخاصة تراجع الدولة الريعية في الحالة الأولى (الثورة المضادة)، والمزيد من البؤس، وبالتالي الانتفاضات الشعبية في إيران.

2
التعليقات (2)
عبد الحميد الجزائري.
السبت، 11-04-2020 03:32 م
بوركت استاذ ياسر
إبراهيم محمدي من إيران
السبت، 11-04-2020 12:17 م
کيف يمکن خروج القوي الإمبريالية (أمريکا و الکيان الصهيوني) من المنطقة؟ بلغة المفاوضات أم بلغة السلاح؟ نعم استخدام لغة السلاح ينتج الدم و لکن خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة... کما قال الإمام الحسين عليه السلام. إيران إختار لغة السلاح و لکن بالسياسات المدروسة خلافا لجبهة النصرة و تنظيم القاعدة و داعش الذين اختاروا لغة السلاح و لکن استخدموها بالغباء . نعم استفاد الإمبريالية من منطق هولاء و لکن إيران أظهر أنه سيحقق النجاح بخروج ولايات المتحدة من منطقتنا و تدمير الکيان الصهيوني بشکل مدروس حقيقة. و لکن في الطرف الآخر المخلفين من الجهاد أعني منتمين إلي جماعة الإخوان المسلمين و ترکيا و قطر و کل من دخل في فخ المفاوضات مع القوات الإمبريالية ...