كتاب عربي 21

الفقراء قبل "كورونا".. ومعه وبعده

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

نهتم بالفقراء قبل كورونا، ومعه، وبعده، لأن ذلك هو التعبير الأكثر بلاغة عن الحسّ الإنساني، إذ نتحدث عن الغالبية في هذا العالم الذي تسيّدته الرأسمالية المتوحّشة أو العولمة المتوحّشة خلال العقود الأخيرة، والتي كانت تزيد الأثرياء ثراء، والفقراء فقرا.

في تقريرها الذي أصدرته في يناير 2020، أي قبل اندلاع أزمة كورونا، قدمت منظمة "أوكسفام" الشهيرة معلومات صادمة عن أوضاع الفقراء في العالم، مقابل أوضاع الأثرياء.

كشف التقرير أن أصحاب المليارات في العالم، البالغ عددهم (2153 شخصا)، يملكون ثروة تفوق ما يملكه 4.6 مليار إنسان، أي 60% من سكان العالم.

ومما كشفه أيضا أن "ثروة أغنى 22 رجلا في العالم توازي ما تملكه جميع النساء في قارة إفريقيا".

وقال إنه "بحلول عام 2025، سيبلغ عدد الذين يعيشون في مناطق تفتقر إلى الماء 2.4 مليار شخص، وسيتوجّب على النساء والفتيات السير مسافات طويلة من أجل جلب الماء".

كل ذلك كان قبل كورونا الذي زاد المشهد سوداوية عما كان عليه، لكن الإشارة إلى واقع الفقراء خلال الأزمة، وقبل وصولها النهاية، يبدو ضروريا.

ذلك أن إجراءات الحجر المنزلي التي عمدت إليها الكثير من الدول ما لبثت أن فرضت أعباء مرعبة على فئات الفقراء، بخاصة تلك التي تحصّل رزقها يوما بيوم، وحرمها الحجر المنزلي من دخولها، وباتت نهب البؤس المضاعف.

في هذا السياق؛ قالت دراسة للأمم المتحدة إن 81% من القوى العاملة في العالم، والتي تقدّر بنحو 3.3 مليارات شخص، قد أُغلقت أماكن عملها، بشكل كامل أو جزئي، بسبب تفشي المرض.

وفي حين عمدت الدول الغنية إلى تعويض تلك الفئات؛ لم تجد الدول الفقيرة والنامية ما تفعله لهم، اللهم إلا بعض المعونات ذات الطابع الشعبي، وقليل من الرسمي، والتي لم تكن حلا عمليا لأوضاع هذه الفئة.

 

وإذا طالت الأزمة لأشهر، فإن وضعهم سيكون أسوأ بكثير، وقد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية في أوساطهم.

نأتي هنا إلى ما تقوله الأرقام والتنبؤات بشأن أوضاع الفقراء بعد كورونا.

في هذا السياق؛ حذرت "أوكسفام" في تقرير لها، مطلع نيسان/أبريل الجاري من أن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد قد تلقي نحو نصف مليار شخص حول العالم دون خط الفقر (هذا غير الرقم السابق بالطبع 1.2 مليار). وقال إنه بحلول الوقت الذي ينقشع فيه غبار وباء كورونا عن العالم، قد يكون نصف سكان الأرض، البالغ عددهم 7.8 مليارات نسمة، يعيشون تحت خط الفقر.

 

بحلول الوقت الذي ينقشع فيه غبار وباء كورونا عن العالم، قد يكون نصف سكان الأرض، البالغ عددهم 7.8 مليارات نسمة، يعيشون تحت خط الفقر


وقال التقرير إن "الأزمة الاقتصادية ستكون أعمق من الأزمة المالية العالمية عام 2008"، وأن حالة الفقر العالمية ستزداد سوءا لأول مرة منذ عام 1990، وأنها قد تعيد بعض الدول إلى حالة فقر لم تشهدها منذ ثلاثة عقود، وستتسبب بتقليص دخل بعض الأفراد بمقدار 20%.

والنتيجة؛ بحسب التقرير، أن من يعانون فقرا مدقعا، ولا يتجاوز دخلهم مبلغ 1.9 دولار أو أقل في اليوم الواحد، سيزيد عددهم بشكل صارخ بانضمام نحو 434 مليون شخص إليهم، وليصل الرقم إلى 1.2 مليار شخص حول العالم.


أما الفئة التالية التي تعيش على 5 دولارات ونصف في اليوم، فسيقفز عدد أفرادها إلى نحو أربعة مليارات شخص حول العالم، بانضمام 548 مليون نسمة إليهم؛ بعد الأزمة.

أما منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فقالت إن أزمة كورونا تهدد معيشة نحو 1.25 مليار عامل، محذّرة من "أسوأ أزمة عالمية" منذ الحرب العالمية الثانية.

صندوق النقد الدولي؛ توقع بدوره "تسجيل معدلات نمو سالبة لدخل الفرد في أكثر من 170 بلدا خلال هذا العام".

هذه هي المؤشرات المتاحة، وليس فيها ما يبشّر الفقراء بشيء إيجابي. صحيح أنه لا يبشّر الأثرياء أيضا، لكن ماذا يعني أن تهبط ثروة أحدهم من 20 مليار إلى 10؟! ماذا كان سيفعل بكل تلك المليارات أصلا على صعيد حاجاته الشخصية، مهما بلغ من الترف؟! ولماذا تكون هناك ثروات بهذا الحجم أصلا، ولماذا لا تتعامل معها القوانين بمنطق مختلف حتى تحاصرها لصالح الفقراء؟

 

مؤسس "تويتر"؛ جاك دورسي، أعلن تبرعه بمليار دولار (خُمس ثروته) لجهود مكافحة كورونا، وهناك نماذج أخرى في الغرب، لكنها لا تغير في حقيقة أن ظاهرة المليارات تستحق معاملة مختلفة، لأن حاجة للإنسان بها وهمية.

سيقول البعض إن ذلك حجر على الإبداع، لكن الحقيقة أن هذه المليارات ليست كلها نتاج الإبداع، فهناك الكثير منها نتاج الفساد والاحتكارات وسطوة السلطة السياسية، مع أن كونها نتاج الإبداع لا يعني أن تترك من دون معاملة مختلفة، تأخذ منها لصالح الفقراء.

 

سيقول البعض إن ذلك حجر على الإبداع، لكن الحقيقة أن هذه المليارات ليست كلها نتاج الإبداع، فهناك الكثير منها نتاج الفساد


وسط هذا الجحيم من الفقر، وفي ظل هذا التفاوت الطبقي الرهيب، فإن الانفجارات الاجتماعية وثورات الجياع لا بد أن تأتي ذات يوم، ولن يمنعها سوى إعادة النظر في منظومة المال برمتها "كي لا يكون دولة بين الأغنياء"، وفق التعبير القرآني، فيما تئن الغالبية تحت وطأة الفقر والجوع، في زمن لم يعد بوسع الفقراء أن يعيشوا فقرهم بصمت، لأن الهاتف الذي بيده (وهو ليس علامة ثراء)، صار يطلعه على كل ما في الدنيا، وهذا بالضبط هو السر الذي يقف وراء ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، حيث يركب الفقراء قوارب الموت، بحثا عن حياة أفضل في دول الغرب.

بقي القول إن الدعوة إلى سياسات جديدة حيال الأغنياء، ولصالح الفقراء، ليست حكرا علينا، فهذا الرئيس التنفيذي لمنظمة "أوكسفام" في الهند، يقول: "لا يمكن حلّ مشكلة الهوّة بين الأغنياء والفقراء من دون اعتماد سياسات تناهض انعدام المساواة".


ويضيف: "ينتهي المطاف باقتصاداتنا المنهكة في جيوب أصحاب المليارات والأعمال التجارية الكبيرة على حساب الرجال والنساء العاديين، ولا عجب في أن الناس قد بدأوا يتساءلون عما إذا كان وجود أصحاب المليارات أمرا مقبولا بعد اليوم".

0
التعليقات (0)