مقالات مختارة

لماذا يكره بعض العرب عروبتهم؟

محمد ياغي
1300x600
1300x600

سألت صديقة من السودان قبل أشهر عن سبب قيام حكومة السودان برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان بالتطبيع مع إسرائيل، فأجابتني بأن الهدف استغلال علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة لرفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. ثم أضافت فكرتين متناقضتين:

الأولى، هي قولها إن «ذلك مؤقت وسينتهي مع رحيل البرهان بعد سنتين واستلام قادة مدنيين للحكومة وهم ضد التطبيع مع إسرائيل ما دامت تحتل الأراضي الفلسطينية».

والثانية، هي قولها إن «السودان موجود على لائحة الإرهاب؛ لأن الغرب يتعامل مع السودان على أنه بلد عربي علما أننا ننتمي لأفريقيا ولسنا عربا!».

بعد معاهدة كامب ديفيد العام 1978 ظهرت أصوات في مصر تقول «إننا خسرنا اقتصادنا وعشرات الآلاف من شبابنا في الحروب من أجل فلسطين، رغم أننا لسنا عربا ولكن فراعنة!».

النظام الطائفي اللبناني كانت حصيلة مقاربة في أربعينيات القرن الماضي بين أطراف كانت تقول إن لبنان ينتمي لأوروبا وأطراف أخرى تقول إنه ينتمي للعالم العربي.

بالنتيجة كان النظام بشكله الحالي لمنعه من الذهاب بعيدا باتجاه أوروبا بالقوة الدستورية التي يمتلكها رئيس وزراء مسلم أو من الاقتراب أكثر من العالم العربي بالقوة الدستورية التي يمتلكها رئيس جمهورية مسيحي.

بعد أحداث 11 أيلول الإجرامية في نيويورك، الكثير من العرب في أوروبا وأمريكا كانوا يفضلون إخفاء انتمائهم للعالم العربي. الحوار الآتي مُتَخَيل، لكني سمعت شيئا قريبا منه:
ما هي جنسيتك؟ يسأل مواطن غربي.

أنا فلسطيني. يجيب الشخص الذي تم سؤاله.

أنت عربي إذا؟ يعلق المواطن الغربي.

لا أعتقد، يقول الفلسطيني. الفلسطينيون هم كنعانيون فينيقيون وليسوا عربا!

ومن سخرية القدر أيضا أننا نستمع من حين لآخر من جاهلين عرب بأن الإسهامات العظيمة للحضارة الإنسانية تاريخيا هي من قبل أشخاص «مسلمين» وليسوا «عربا». يقولون لنا مثلا إن ابن سينا والفارابي لم يكونا عربيين، ولكنهم هنا يتناسون حقيقتين:

الأولى، أنه ما كان للحضارة الإسلامية أن تكون لولا أن حمل لواءها نخبة العرب الذين خرجوا من الجزيرة العربية لنشر الإسلام.

والثانية، أنهم يخفون حقيقية أن العشرات من العلماء في تلك الفترة مثل جابر بن حيان، وابن الهيثم، وابن رشد، وابن البيطار، والإدريسي، والخوارزمي (بحسب عدة مراجع) كانوا عربا مسلمين.

ومن مظاهر كراهية بعض العرب لأنفسهم ما قرأته بأن بعض مسلسلات تلفزيون رمضان تدعو للتطبيع مع إسرائيل وتتبنى الرؤية الإسرائيلية بأن العرب هم من قاموا بطرد اليهود من بلدانهم وبالتالي يحق لهؤلاء التعويض المادي والمعنوي مثل الفلسطينيين تماما أو على الأقل مبادلة حقوقهم بحقوق الفلسطينيين وإغلاق مطالبات الفلسطينيين بحق العودة والتعويض!

هؤلاء يزيفون التاريخ الحديث ويتناسون دور الوكالة اليهودية في ترحيل المواطنين اليهود العرب من بلدانهم، وهو دور وصل إلى حد زرع متفجرات في أحيائهم من أجل إخافتهم من جيرانهم العرب وإجبارهم على الرحيل إلى إسرائيل.

لهؤلاء الذين يكرهون أنفسهم وعروبتهم نقول:

الهوية (وبالتالي الانتماء للأمة أو للوطن الكبير الذي يتجاوز القطرية) في جوهرها هي شعور نفسي. نحن نتفاعل مع أحداث تجري في مصر والسعودية وفلسطين وتونس والسودان كأنها تجري لدينا ولا نتفاعل مع أحداث تجري في المكسيك وفرنسا ونيجيريا بنفس القدر أو حتى بنسبة ملحوظة منه. لماذا؟

لأننا نشعر في أعماقنا ودون إرادة أو إدراك بأن هذه البلدان تخصنا، بأنها جزء من عالمنا ومن مستقبلنا وبأن ما يجري فيها يعنينا. وهو لا يعنينا فقط من باب تأثيره المادي المباشر علينا، ولكن يعنينا في بعده النفسي: لهذا السبب عندما تلعب دولة عربية مباراة كرة قدم مع فرنسا مثلا نجد أنفسنا ودون تفكير نشجع فريقها ونتمنى له الفوز رغم أن خسارتها، إن حدثت، لا تأثير ماديا لها علينا، لكننا نشعر بالمرارة داخليا إن حصل ذلك.

هذا الشعور النفسي لا يمكن الهروب منه إلا بكراهية الذات وبإلغاء الانتماء للعالم العربي. لهذا يتحول الفلسطيني إلى فينيقي، والمصري إلى فرعوني والتونسي إلى أمازيغي والعراقي إلى أشوري والسوداني إلى أفريقي.

ومع إلغاء الانتماء للعالم العربي، يتحول الصراع العربي - الإسرائيلي إلى فلسطيني – إسرائيلي، ثم يتحول «العرب» بعدها إلى «وسطاء» بين الخصمين يريدون منهما التواصل ومد الجسور لبناء الثقة وتقديم التنازلات المتبادلة.

ولأنهم وسيط فهم بحاجة للتواصل مع الجانبين ويتحول بالتالي «التطبيع» إلى فعل دبلوماسي هدفه تحقيق السلام بين خصمين كلاهما ملام بنفس المقدار على استمرار الصراع.

إسرائيل الدولة التي تغتصب أرض الفلسطينيين تتحول بالتالي إلى دولة مظلومة تماما مثل ضحيتها الذين فقدوا أرضهم وسبل حياتهم، ومع تحولها من جلاد إلى ضحية، فإن التنازلات تصبح مطلوبة من الجانبين ومن الفلسطينيين أكثر لأن «اليهود» أكثر حضارة من «العرب» بالنسبة للوسطاء العرب الذين يكرهون هويتهم.

تخلي الفلسطينيين عن 78? من أرضهم التاريخية من أجل السلام لا يصبح تنازلا لهؤلاء، لأن الأرض الفلسطينية المتنازع عليها تصبح بقدرة قادر تلك التي تمكنت إسرائيل منها العام 1967 (لاحظوا التعبير تمكنت منها ولم تحتلها - التعبير الأول يحول الأرض لمتنازع عليها، بينما تعبير الاحتلال يفرض على إسرائيل الانسحاب).

تبدأ الهزيمة عند أي شعب بتسخيف مصادر القوة التي يمتلكها وبإنكاره أهميتها.

هل يدرك «بعض العرب» ممن يكرهون أنفسهم بأنهم يتوسطون العالم ويتحكمون في الحركة التجارية العالمية عبر سلسلة من المضائق والممرات التي يشرفون عليها؟

هل يدرك هؤلاء بأن بلدانهم هي أكبر مصدر للطاقة في العالم وبأن وقف إمدادهم للعالم بالطاقة يعني وقف النمو الاقتصادي العالمي؟

هل يدركون أن أكثر من مليار مسلم يلجؤون لتعلم اللغة العربية حتى يفهوا القرآن الكريم وبأن ثقافتهم التاريخية هي مكون أساسي لثقافة هؤلاء؟

الهزيمة تبدأ بالشعور بالعجز وبالاستسلام لما تسمى الظروف الموضوعية (الأمر الواقع)، ومعه بالطبع تأتي كل الأفكار التي تحاول تبرير الانكسار والهزيمة، بما فيها كراهية الذات والاغتراب.

أما الانتصار فيبدأ من إدراك مصادر القوة ومن رفض الواقع ومن العمل على تغيره مهما كانت العقبات.

(الأيام الفلسطينية)

1
التعليقات (1)
واحد من الناس
الأربعاء، 14-07-2021 11:48 م
العرب في دمهم الخيانة والتطبيع من زمن بعيد بعدين الشعب الفلسطيني بحب إسرائيل ويعملون مع الاحتلال صراحة يشتغلوا بعقولهم اما العرب بمؤخراتهم