مقالات مختارة

تقسيم اليمن أهم أهداف الحرب

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

بعد أكثر من خمسة أعوام من الحرب التي شنها التحالف السعودي – الإماراتي – البحريني على اليمن، حدثت الأسبوع الماضي ضربة موجعة لذلك التحالف، بإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الحكم الذاتي، الأمر الذي اعتبرته السعودية ضربة موجهة لها بشكل مباشر من طرف يعد حليفا في الحرب. جاء هذا القرار ليسلط الضوء على الأزمات السياسية والأخلاقية التي تعاني منها أطراف التحالف.


السعودية أصبحت محاصرة من كل الجهات داخل اليمن وخارجه، وأصبحت تدير العمليات على جبهات المواجهة كافة، وتتصدى للحملات الدولية المتصاعدة ضد الحرب، وتصاعد احتمالات عرض ملفها على القضاء الدولي المختص بجرائم الحرب. وكانت البحرين قد جمدت مشاركتها العملية في العدوان، بعد أن منيت قواتها بخسائر مادية كبيرة في العامين الأولين من الحرب، بإسقاط طائراتها وقتل جنودها، وأصبحت حكومتها تسعى لطمس تلك التجربة الفاشلة في وقت تواجه فيه معارضة سياسية، ترفض توريط بلادها في حرب لا ناقة للشعب فيها ولا جمل.


أما الإمارات فقد أعلنت في شهر شباط- فبراير الماضي سحب قواتها من اليمن ضمن استراتيجية وصفتها بـ«غير المباشرة». تقوم الاستراتيجية الجديدة على مليشيات مسلحة دربتها الإمارات وجهزتها للقتال دون الاعتماد المباشر على القوات الإماراتية. وفجأة وجدت السعودية، التي كانت صاحبة مشروع استهداف اليمن منذ البداية، نفسها مسؤولة عن إدارة ملف الحرب بشكل كامل بدعم متواصل من الولايات المتحدة وبريطانيا. فلا تستطيع الانسحاب لأنها تعد ذلك خطرا على أمنها القومي وضربا لسمعتها وهيبتها الإقليمية. ولا تريد الدخول في مواجهة مسلحة مع من كانت تعدهم طرفا في التحالف الذي شن الحرب.


لذلك يعدّ إعلان الحكم الذاتي في الجنوب أزمة جديدة للتحالف الذي لم يوفق لتحقيق نصر حقيقي، في حرب تزداد أعباؤها السياسية والاقتصادية والأخلاقية بشكل متصاعد. وأصبح واضحا أن القرار المذكور ليس أقل خطرا على التحالف المأزوم من الطرف الآخر في الحرب، ممثلا باللجان الشعبية والجيش (أو الحوثيين، حسب التعبير غير الدقيق الدارج في إعلام الدول الداعمة للحرب). فهو تهديد لأمور عديدة:


أولها التحالف الذي يزداد تصدعا بمرور الوقت. فالحرب التي تطول دون أن يكون هناك أفق لحسمها تتحول عادة إلى عبء على المشاركين فيها، كما تتحول لحرب استنزاف بلا نهاية حتى تصبح حربا عبثية خاسرة.


ثانيها: إن الإعلان ضربة موجعة للنفوذ السعودي في الجنوب والأقاليم المحاذية نظرا لتداخل التحالفات القبلية والحزبية، وتباين أهداف أهم طرفين في التحالف: السعودية والإمارات. فالسعودية هذه المرة تواجه تحديا في المناطق التي يفترض سيطرتها عليها خصوصا عدن المدينة الأساسية للثقل السياسي للتحالف المتصدع.


ثالثها، إن الإعلان سيشجع أطرافا وأقاليم أخرى للتمرد على الهيمنة السعودية التي أصبحت مكشوفة بشكل واضح بعد انسحاب الإمارات. فقد أصبح على السعودية مواجهة هذا التمرد بشكل مباشر، بينما تمارس الإمارات نفوذها من خلال مليشيات شكلتها قبل انسحابها. فالإمارات تتمتع بنفوذ في إقليم حضرموت وما تزال تحتفظ بقوات هناك لحماية مطار الريّان بمدينة المكلا، كما أنها ما تزال تدفع رواتب قوات النخبة الحضرمية. هذه قوات تم تشكيلها من قبل قوات التحالف بإشراف الإمارات وتمويل السعودية، ودعم تقني من قوات الولايات المتحدة. لتحرير مدينة المكلا من تنظيم القاعدة.


يعد اعلان الحكم الذاتي عمليا بداية انفصال الجنوب اليمني، وهو أمر مناقض للاستراتيجية السعودية في اليمن. ومنذ البداية كانت الإمارات تسعى لضمان نفوذها في اليمن بتشطيره لإقليمين، بينما كانت السعودية ترفض ذلك وتطرح تحويل اليمن إلى ستة أقاليم، لكي يصبح نفوذ جماعة أنصار الله (الحوثيين) محصورا بمنطقة الشمال التي تضم مدينة صعدة، معقل الجماعة. وثمة من يقول إن هناك تفاهما غير معلن يتم من وراء ظهر السعودية بين الإماراتيين والحوثيين، بمنع تشطير اليمن إلى أقاليم صغيرة، مع إبقاء انفصال الجنوب قائما. الأمر المؤكد أن هذا الانفصال سيحفظ للإماراتيين نفوذا مستقبليا في اليمن، ولكن لن يكون هذا النفوذ مطلقا. فالجنوبيون الذين خاضوا مع البريطانيين حربا دموية انتهت بانسحاب الإنكليز في العام 1967 لن يكونوا أدوات طيّعة بأيدي الإماراتيين. خصوصا في ضوء التعقيدات المحلية والإقليمية. فعلى الصعيد المحلي رفضت إعلان الحكم الذاتي محافظات ثلاث: المهرة وسقطري وشبوة. كما رفعت القوات التابعة لحكومة هادي في شبوة درجة تأهبها. ولكن الرفض الأقوى جاء من فرج البحسني، محافظ حضرموت، وهي كبرى المحافظات وأغناها بالثروات. ولكنه لن يستطيع تجاهل النفوذ الإماراتي المالي والسياسي في المحافظة. هذا النفوذ يعادله النفوذ السعودي في أوساط رجال الأعمال وزعماء القبائل في وادي حضرموت. إنه توازن قلق، إما أن يمنع المزيد من التوتر أو يؤدي لصراعات دموية ضمن حرب أهلية داخل معسكر التحالف.


وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الخلافات الجديدة التي ستظهر بعد إعلان الحكم الذاتي، قد تتسبب في توسيع رقعة الحرب، بعد أن كان الصراع الأساسي والأكثر شهرة بين الحكومة اليمينة التي يرأسها عبد ربه منصور هادي، التي تدعمها قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات من جهة والحوثيين من جهة أخرى. وأوضحت أن المعركة من أجل مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية ومناطق أخرى في الجنوب، قد تشمل حلفاء داخل التحالف العربي. أما على المستوى الإقليمي، فإن إعلان الحكم الذاتي ستعارضه سلطنة عمان التي ستراه تجليا لنفوذ الإمارات، وسيكون تهديدا للإقاليم المجاورة خصوصا المهرة المحاذية لسلطنة عمان. وهكذا فقد أحدث الإعلان تصدعات خطيرة في التحالف من جهة، وفي منطقة الجنوب العربي أيضا.


هذا التطور السلبي من وجهة نظر السعودية يقع في صلب قضية الحرب نفسها. فقد أدركت السعودية أن قرار إعلان الحرب قبل خمس سنوات قد يكون أسهل كثيرا من قرار وقفها. هذا يعني أن الخسائر التي تكبدتها السعودية خلال سنوات الحرب قد تكون أقل شأنا من ثمن «السلام» المراوغ الذي ما يزال شبحا يطارد التحالف داخليا وإقليميا ودوليا. فعندما أعلنت الرياض وقف إطلاق النار أسبوعين قبيل حلول شهر رمضان، بادر اليمنيون بقيادة جماعة أنصار الله لرفض تلك المبادرة مشترطين أن تشمل فك الحصار المفروض على اليمن. ولذلك استمرت العمليات العسكرية بشراسة، وشنت الطائرات السعودية هجمات شبه يومية على مناطق واسعة في صعدة وصنعاء ومأرب. هذا في الوقت الذي تكثفت المواجهات في مناطق عديدة منها مأرب وصرواح وحجّة القريبة من الحدود مع السعودية. ومع حلول شهر رمضان، أعلنت السعودية تمديد وقف إطلاق النار شهرا إضافيإ. ومرة أخرى استقبل ذلك الإعلان بتشكيك من قبل أنصار الله.


أظهر إعلان الحكم الذاتي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي مواقف دولية مضطربة إزاء الحرب. فهناك رفض عام أو «قلق» لدى الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في اليمن، مارتن غريفيث، وكذلك الاتحاد الأوروبي. وقال بيتر ستانو المتحدث باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد؛ «إن بروكسل أخذت علما بالإعلان وأنها ترى أنه ينسف اتفاق الرياض» الموقع العام الماضي، الذي سمح بالتقدم نحو الاستقرار في اليمن عبر عملية سياسية. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو؛ إن مثل هذه الإجراءات «الأحادية الجانب تفاقم عدم الاستقرار في اليمن»، كما أنها غير مساعدة في وقت أصبحت البلاد فيه مهددة بوباء كورونا بعد إعلان عن حالات إصابة بوباء كوفيد ـ 19. وبالإضافة للحرب والحصار الذي يمنع وصول الغذاء والدواء لليمنيين، فإن تفشي المرض يضاف لانتشار الكوليرا مجددا.


الأمر المؤكد أن رفض إعلان الحكم الذاتي لن يؤدي لإلغائه، خصوصا أن الإمارات تدعمه. وبرغم انشغالها مؤخرا بدعم المنشق الليبي مصطفى حفتر، فإن اليمن يشغلها كثيرا لأنها استثمرت كثيرا لضمان نفوذ حقيقي في ذلك البلد. وثمة قناعة بأن الإماراتيين والسعوديين يمارسون ألاعيب سياسية محدودة الفائدة، وتنحصر نتائجها بإثارة الفوضى ومنع الاستقرار في المنطقة.
وما إعلان الحكم الذاتي إلا بداية النهاية لنفوذ ذلك التحالف، وضربة موجعة للوحدة اليمنية، وتعميق للصراع الإقليمي في منطقة الخليج.

 

(القدس العربي اللندينة)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل