مقالات مختارة

ما بعد آيا صوفيا.. التغيير الحاسم قبل المواجهات الكبرى

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600

من الأسباب الرئيسية لاختيار هذا التوقيت لافتتاح الجامع أنه لا خسارة تذكر بالنسبة لتركيا على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية.


الترحيب بالقرار لم يقتصر على حزب الرئيس ومؤيديه وامتد إلى أبرز خصومه.


على الرغم من الاستعدادات المبكرة وتوقع الجماهير الغفيرة فاجأت الأعداد الضخمة التي شهدت صلاة الجمعة الأولى في آيا صوفيا حتى بلدية إسطنبول نفسها ما اضطرها إلى توجيه نداء لمواطنيها بالتوقف عن التدفق نحو المسجد بعد أن امتلأت قاعات الصلاة داخل المسجد وساحاته والميادين الخمسة التي خصصت للصلاة حوله، حسب بعض التقديرات وصل عدد المصلين إلى 350 ألف مصل قدموا من مختلف أنحاء إسطنبول ومن خارجها في شهادة واضحة على رمزية هذه اللحظة التاريخية دينيا وثقافيا وسياسيا بالنسبة للأتراك على اختلاف مواقفهم السياسية.


لم يقتصر الترحيب بالقرار على حزب الرئيس ومؤيديه بل امتد إلى أبرز خصومه، بدء برفقاء الأمس مثل أحمد داوود أوغلو وعبدالله غل وانتهاء بمحرم إنجه المرشح السابق للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري الكمالي المعارض الذي حضر الصلاة، كما صرحت تانسو تشيلر رئيسة الوزراء السابقة المنتمية للمعارضة الكمالية بأن هذه تمثل لحظة تاريخية للأتراك جميعا، لا شك أن بعض النخب العلمانية ذات الانتماء الأوروبي أعلنت عن معارضتها للخطوة عبر مقالات ومقابلات نشرت في الصحافة الغربية ولكن الأجواء بشكل عام في الداخل التركي جاءت مؤيدة للقرار إما لأسباب دينية مباشرة أو لأسباب سياسية مرتبطة بتاريخ تحويل المسجد إلى متحف وارتباط ذلك بالمواجهة مع اليونان على سبيل المثال لا الحصر.


خارج تركيا تباينت المواقف بين ترحيب شعبي عام في المجتمعات الإسلامية، وانتقادات مختلفة من دول غربية ومنظمات دولية وأنظمة عربية معادية انتقدت على استحياء، إلا أن هذه الاعتراضات لم ترتق إلى توقعات بعض الأطراف التي كانت تراهن على ضجة عالمية بسبب القرار وأن تواجه تركيا عاصفة من الاحتجاجات تجعلها تتراجع عنه، أصدرت اليونان وفرنسا والولايات المتحدة أوضح البيانات المنتقدة تزامنا مع الصلاة الأولى وكذلك فعلت الأمم المتحدة، ولكن المسألة لم تتعدى ذلك، في النهاية وفي سياق الأحداث الجسيمة التي تمر بها المنطقة والعالم لم يكن هذا كافيا لتغيير أي مواقف سياسية، فتركيا في مواجهة مباشرة مع فرنسا في ليبيا وعلى خلاف مع واشنطن حول مجموعة كبيرة من الملفات في سوريا وغيرها والخلاف مع اليونان في تصاعد خاصة على خلفية الاتفاقية مع ليبيا حول مياه المتوسط، ويبدو أنه من الأسباب الرئيسية لاختيار هذا التوقيت لافتتاح الجامع أنه لا خسارة تذكر بالنسبة لتركيا على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية.


على المستوى الداخلي سيوفر هذا القرار ولفترة غير بسيطة وقودا لجهود حزب العدالة والتنمية في تعزيز مكانته وقواعده الانتخابية كما يميل بكفة الاستقطاب السياسي لصالحه خاصة في ما يتعلق بالجدل حول الهوية الإسلامية لحزب العدالة، هذه الهوية تشكل تحديا للحزب في استقطابها لسكان المدن والفئات الأعلى تعليما والنخب الليبرالية خاصة حين يرتبط ذلك بمواقف خارجية تكلف تركيا كثيرا، ولكن هذا القرار تحديدا بأبعاده الدينية التعبدية المباشرة يصعب على منتقدي أردوغان توظيف خطابهم المحذر من "أسلمة" تركيا فحتى في وسط الناخبين من أهل المدن والأكثر تعليما يشكل موضوع آيا صوفيا متفقا عليه إذا ما استثنينا النخب الكمالية المؤدلجة، كما تشحن مشاهد الصلاة في آيا صوفيا القاعدة الإسلامية التقليدية لأردوغان والتي يحاول بعض خصومه استمالتها سواء تلك الأحزاب التي أسسها داوود أوغلو وباباجان أو حزب السعادة أو حتى جماعة الخدمة الإيمانية.


تبقى التحديات الكبرى اليوم أمام فريق الرئيس التركي خارج حدود بلاده في مواجهته لمعسكر روسيا والنظام في سوريا ومعسكر الأكراد والولايات المتحدة في الشمال السوري ومعسكر حفتر وداعميه في ليبيا، في مواجهة هذه التحديات يبدو أن الرئاسة التركية أرادت القيام بفعل داخلي حاسم لتأخير مشاريع المعارضة في استهداف القواعد الانتخابية لحزب العدالة وحشد الشارع بشكل عام خلف القيادة التي ستخوض مواجهة حاسمة في ليبيا وفي شرق المتوسط مع خصوم تقليديين وآخرين محدثين، لم يغير القرار خارطة الصداقات والعداوات التركية بالضرورة ولكنه بلا شك وضع خطا في الرمال أمام معارضي أردوغان ومشاريع الاستتباع والتبعية داخل تركيا وخارجها.

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)