ملفات وتقارير

تقرير يكشف كيف وافقت الامارات على تغيير الوضع بالأقصى (نص)

الإعلان الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي المشترك يسمح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي- جيتي
الإعلان الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي المشترك يسمح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي- جيتي

تنفرد "عربي21" بنشر الترجمة الكاملة للتقرير الاسرائيلي الصادر عن مركز "القدس الدنيوية" والذي يكشف كيف وافقت الامارات لأول مرة على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، بما يسمح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي الشريف ويختصر حق المسلمين في المسجد الأقصى، أي أحد الأبنية الموجودة داخل الحرم وليس الحرم بأكمله. 

 

وقالت الدراسة إن البيان الثلاثي المشترك الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثالث عشر من آب/ أغسطس الجاري بشأن اتفاقية سلام بين الاحتلال الإسرائيلي والإمارات، يعبث بأهم قضية تشغل بال العرب والمسلمين، وهي قضية القدس والمسجد الأقصى.

 

وتحذر الدراسة التي نشرها مركز "القدس الدنيوية"، وهو مركز إسرائيلي مستقل ومتخصص بمراقبة التحولات والتطورات التي تشهدها مدينة القدس، من خطورة أن تعاد صياغة ما ورد في الإعلان بشأن القدس في اتفاقية السلام المزمع توقيعها بين تل أبيب وأبوظبي.

 

وفي التقرير الذي أعده المحلل السياسي والناشط الإسرائيلي دانييل سيدمان، وحصلت عليه "عربي21" وتنشره كاملا مترجما، يتبين بأن البند الوحيد الذي تم إعلانه عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ربما يكون الأكثر خطورة في الاتفاق، وينطوي على تغيير مهم في وضعية المدينة المقدسة لصالح الإسرائيليين وبما ينسف أي أمل في المستقبل لأن تصبح مدينة القدس عاصمة الفلسطينيين.

 

وفي ما يلي الترجمة الكاملة للدراسة:

 

حظيت الاتفاقية التي توشك إسرائيل والإمارات العربية المتحدة على إبرامها، والتي سوف يتم بموجبها تطبيع العلاقات بين البلدين، باهتمام كبير، وهذا أمر مفهوم. وأياً كان موقف المرء من التطبيع، ما من شك في أننا أمام حدث كبير في تاريخ الشرق الأوسط.

ولكن، نظراً لأن المفاوضات ما تزال جارية، ومن الواضح أنه لم يتم الاتفاق بعد على جميع البنود، فإن القليل من تفاصيل الاتفاقية المنتظرة متاح للجمهور.

إلا أن هناك استثناء واحدا، وهو الذي نجده في البيان المشترك (والذي سيشار إليه من الآن فصاعداً بعبارة "البيان المشترك") الذي نشره كل من الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن زايد ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الثالث عشر من أغسطس / آب 2020. وكما هو متوقع، يفتقد البيان المشترك إلى الوضوح فيما عدا استثناء واحد له علاقة باللب البركاني للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي يهم العالمين العربي والإسلامي، ألا وهو وضع جبل الهيكل / الحرم الشريف / الأقصى:

"كما هو منصوص عليه في الرؤية الخاصة بالسلام، فكل المسلمين الذين يأتون بسلام بإمكانهم أن يزوروا المسجد الأقصى ويصلوا فيه، وفي غيره من الأماكن المقدسة في القدس، شريطة أن يبقى مفتوحاً لجميع المصلين المسالمين من كافة الأديان."

قد يبدو للقارئ والمراقب العادي أن ثمة إنجازاً كبيراً في ما يتعلق بالصلاة، حيث سوف يُسمح للمسلمين بالصلاة في الأقصى، بينما يبقى الوضع القائم للحرم الشريف كما هو. إلا أن الحقيقة هي على النقيض من ذلك تماماً. بينما لا يعتبر الموضوع الأول جديداً، بل هو أمر بديهي، فإن الموضوع الثاني يعتبر خروجاً كبيراً جداً عن الوضع القائم، وله تداعيات بالغة الأثر وقد تكون مفجرة.

لا جديد في أن يحج المسلمون إلى الأقصى، وما كان التطبيع ليغير من ذلك شيئاً. بل ما لبثت إسرائيل تشجع علانية ولسنين المسلمين على الحج إلى القدس، ولقد حققت نجاحات في هذا الصدد. في السنوات الأخيرة (وإلى أن انتشرت جائحة فيروس كورونا) ظل مئات الآلاف من المسلمين يزورون الأقصى كل عام، ونصفهم تقريباً كانوا يأتون من بلدان لا تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية. فلم يكن ثمة داع للتطبيع من أجل الحصول على موافقة الطرف الإسرائيلي على هذه الزيارات.

إن التغيير الراديكالي في الوضع القائم على الجبل أكثر تعقيداً من ذلك، ولتقدير مدى خطورة ذلك، فإن من الضروري اختبار الوضع القائم كما يُفسر منذ 1967، وكما يعبر عنه في خطة ترامب، وكما يبدو الآن في البيان المشترك.

1) الوضع القائم في جبل الهيكل / الحرم الشريف ما بعد 1967

لا يوجد تعريف مقبول عالمياً للوضع القائم في جبل الهيكل، والأمر خاضع لعدد من وجهات النظر المتباينة. وأقربها إلى ما يمكن اعتباره تفسيراً عريضاً ومقبولاً على نطاق واسع هو الآتي: جبل الهيكل مكان إسلامي للعبادة مفتوح للزيارات من قبل غير المسلمين على صورة موقرة ومحترمة، وبكيفية يتم تنسيقها مع الأوقاف وتنسجم مع ما يستدعيه المكان من حشمة متعارف عليها.

في عام 2015، وبعد نقاشات مطولة بين وزير الخارجية كيري وعاهل الأردن الملك عبدالله ورئيس الوزراء نتنياهو، وافق الأخير على تضمين هذا التفسير للوضع القائم في إعلان رسمي ينص على أن "إسرائيل سوف تستمر في فرض سياستها المعتمدة منذ مدة طويلة، ومفادها أن المسلمين يصلون في جبل الهيكل، أما غير المسلمين فيزورون جبل الهيكل." منذ ذلك الوقت، لم يصدر عن نتنياهو تصريح يشذ عن ذلك الإعلان.

2) خطة ترامب والوضع القائم

تشترط الخطة أنه "ينبغي أن يستمر الوضع القائم كما هو في جبل الهيكل / الحرم الشريف". إلا أن الجملة التي تليها تتضمن كما هو وارد في المقترح خروجاً كبيراً عن الوضع القائم، حيث تنص على أن "الناس من كل دين ينبغي أن يسمح لهم بالصلاة في جبل الهيكل / الحرم الشريف". يمثل هذا البند الذي يسمح بإقامة الصلاة اليهودية في الجبل انحرافاً واضحاً عن الوضع القائم كما هو معروف حتى من قبل إسرائيل نفسها، على الأقل إلى حين صدور خطة ترامب. ومؤخراً، كشف ناداف شراغاي، وهو صحفي وخبير في القضايا ذات العلاقة بالأماكن المقدسة في القدس وعلى صلة وثيقة بحكومة نتنياهو، عن أن هذا كان بنداً من بنود خطة ترامب، وهو بند "..... شارك طاقم الموظفين التابعين لرئيس الوزراء نتنياهو في صياغته مع الأمريكان".

أثار هذا البند الكثير من الجدل في العالم العربي مما أجبر إدارة ترامب سريعاً على التراجع عنه. ففي الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير، قبل أيام من نشر الخطة، استغل سفير الولايات المتحدة دافيد فريدمان مؤتمراً صحفياً للنأي بإدارة ترامب عن هذا البند، حيث قال: "إن الوضع القائم، بالشكل الذي هو موجود عليه اليوم، سوف يستمر في غياب اتفاق على خلافه. إذن، لا يوجد شيء – لا يوجد شيء في الخطة من شأنه أن يفرض أي تبديل في الوضع القائم لا يتم الاتفاق عليه بين جميع الأطراف. ولذا لا تتوقعوا أن تروا أي شيء مختلف في المستقبل القريب، أو حتى في المستقبل على الإطلاق."

كان ينبغي أن ينهي ذلك الأمر، ويرجئ لأجل غير مسمى أي نقاش عن إحداث تغيير في الوضع القائم وعن السماح بإقامة الصلوات اليهودية. إلا أن العكس تماماً هو الذي حدث.

3) البيان المشترك حول التطبيع والوضع القائم

كما تمت الإشارة إليه، ينص البيان المشترك على أن ".... جميع المسلمين ... بإمكانهم زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه". بينما ".... الأماكن المقدسة الأخرى في القدس ينبغي أن تظل مفتوحة للعبادة أمام جميع الأديان".

لابد من مقارنة هذا النص كلمة، كلمة، بما ورد في خطة ترامب.

بينما تتحدث خطة ترامب عن الوصول إلى "جبل الهيكل / الحرم الشريف"، يتحدث البيان المشترك تحديداً عن الوصول إلى المسجد الأقصى وليس الحرم الشريف. تُعرف إسرائيل الأقصى بأنه مبنى المسجد، كما تفعل أيضاً صياغة البيان، بينما يُعرف المسلمون الأقصى بأنه كافة المساحة التي يقع فيها الحرم الشريف / جبل الهيكل. بالتالي، وطبقاً لإسرائيل (وكذلك للولايات المتحدة كما هو ظاهر)، فإن أي شيء يوجد داخل الجبل فيما عدا مبنى المسجد فإنه يعرف على أنه "أحد الأماكن المقدسة الأخرى في القدس"، وهو مفتوح للصلاة من قبل الجميع – بما في ذلك اليهود. وبناء على ذلك، قد يسمح لليهود الآن بالصلاة داخل جبل الهيكل، ولا يستثنى من ذلك إلا الصلاة داخل المسجد فقط لا غير.

 

اقرأ أيضا: تقرير: اتفاق الإمارات يسمح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي

بالإضافة إلى ذلك، من خلال حذف أي ذكر للوقف ولدوره المستقل باعتباره الوكيل عن الولاية الأردنية، فإن ادعاءات المسلمين بشأن الحرم الشريف / الأقصى يتم تحويلها من مطالبات أصحاب حق في الملكية إلى "ضيوف مرحب بهم" لهم حق الزيارة والصلاة في الأقصى.

رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريق المفاوضات الأمريكي كلاهما يدركان مغزى كل كلمة وكل تفصيل دقيق يتعلق بالقدس بشكل عام، وبجبل الهيكل / الحرم الشريف بشكل خاص. وبالتالي فإن اختيار هذه المصطلحات لا هو عشوائي ولا هو زلة لسان، ولا يمكن رؤيته إلا على أنه سعي مقصود، ولئن كان خفياً، لترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الصلاة اليهودية في جبل الهيكل، وبذلك إحداث تغيير راديكالي في الوضع القائم.


4) التطورات على الأرض: تآكل الوضع القائم

بعد عام 1967، برزت حركة، باتت تعرف الآن باسم حركة جبل الهيكل، يقودها بشكل أساسي وإن لم يكن حصرياً تيار اليمين اليهودي الديني القومي المتطرف، والذي يسعى إلى إحداث تغيير راديكالي في الوضع القائم في جبل الهيكل / الحرم الشريف. بعض النشطاء يطالبون بالصلاة في جبل الهيكل، والبعض الآخر يريد تشييد معبد يهودي إلى جانب المسجد، أو بدلاً منه. ما كان يعتبر في عام 1967 حركة شاذة وهامشية غدا منذ ذلك الحين تياراً عاماً، يتمتع اليوم بدعم الأغلبية داخل حكومة نتنياهو، حتى أن أحد وزراء نتنياهو ذهب إلى حد تبني الدعوة إلى بناء الهيكل الثالث.

في السنوات الأخيرة، وتحت ضغط من حركة جبل الهيكل، أخذ يطرأ تآكل كبير على الوضع القائم. وعلى غير ما جرت عليه العادة في العقود الماضية، بات يسمح في الأعياد اليهودية لأعداد ضخمة من الزوار اليهود بزيارة الموقع، علماً بأن الكثير منهم يدعون جهاراً نهاراً وبصوت مرتفع إلى تغيير الوضع القائم في الجبل، وحتى حينما تتصادف هذه الزيارات مع الأعياد والمناسبات الإسلامية. صارت الشرطة أكثر تساهلاً من حيث السماح بالصلاة اليهودية وغير ذلك من الإيحاءات القومية داخل منطقة جبل الهيكل.

غدت الرسالة التراكمية للسياسات الجديدة والأحداث الأخيرة جلية، ومفادها أنه إذا كان جبل الهيكل / الحرم الشريف في الماضي مكاناً إسلامياً للعبادة ومفتوحاً لزيارات الضيوف من غير المسلمين، فإنه يتحول سريعاً إلى موقع يشترك فيه المسلمون واليهود، مثله مثل المسجد الإبراهيمي / ضريح الآباء في الخليل. ذلك هو الهدف المعلن لحركة جبل الهيكل وهو الأمر الذي يؤرق المصلين المسلمين، وهو ما يحدث حالياً.

على مدى عقود، كانت أي شرارة تنطلق في الجبل سبباً محتملاً جداً في اندلاع العنف في الأرض المقدسة، وما من شك في أن التوجهات الحالية في الجبل تزيد من احتمال حدوث ذلك. بل إن الأحداث التي تجري في الأقصى تبث لا محالة موجات صادمة في أرجاء المنطقة بأسرها. وفيما لو وقع بالفعل حدث مهيج داخل الحرم الشريف / جبل الهيكل وتقاطع ذلك مع الإحساس بأن المصالح والممتلكات الفلسطينية / العربية / الإسلامية في الجبل يجري مقايضتها والتخلي عنها، فقد تكون العواقب وخيمة بالفعل.

والآن، ها قد تم تضمين ما يجري على الأرض في البيان التأسيسي الذي قام بناء عليه الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي.

5) الطريق نحو الأمام

لم يفت الفوت. رغم أنه لا يوجد أدنى شك في أن الصياغة التي تم اختيارها بشأن الأقصى أرادت منها الولايات المتحدة وإسرائيل فتح الباب أمام الصلاة اليهودية في الحرم الشريف / جبل الهيكل، فإن من غير المحتمل أن الإماراتيين كانوا شركاء في هذه الخطة. ولم يفت الفوت على الإصرار على شطب هذه الصياغة وأن يكون هناك التزام متجدد، لا ينتابه أدنى لبس من حيث وضوحه، من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، بالتفسير التقليدي للوضع القائم، وخاصة في ما يتعلق بالصلاة اليهودية في الجبل.

ما يبدأ في القدس لا يبقى في القدس. عند نقطة ما، وبينما تتجلى العواقب الصارخة لهذا التنازل، فإن من المحتم أن الذين يبدون اهتماماً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل سوف يتهمون لا محالة بأنهم ساهموا في تضييع القدس من أيدي العالمين العربي والإسلامي.

يعتبر الوضع القائم شأناً أمنياً إسرائيلياً مهماً. فمنذ عام 1967، ما لبثت المؤسسة الأمنية وصناع السياسة في إسرائيل ينظرون تقليدياً إلى القضايا التي تتعلق بجبل الهيكل / الحرم الشريف باعتبارها شأناً بالغ الأهمية لأمن إسرائيل وللاستقرار في المنطقة. ولقد أثيرت شكوك حول ما إذا، أو إلى أي مدى، تم استشارة هؤلاء بشأن الاتفاقية المنتظرة مع الإمارات. ما من شك في أنه لو تم إشراك المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية في إسرائيل في هذا الأمر فلربما كان لذلك أثر رزين على القرار.

وهذه ليست مسألة عربية / إسرائيلية فحسب. بل إن الدول التي تعبر عن التزامها تجاه إسرائيل وفلسطين، ويهمها الحفاظ على سلامة القدس والاستقرار فيها، لها مصلحة في الإبقاء على الوضع القائم في منطقة الجبل. وعلى هذا الأساس فإن إشراكهم في الأمر يشكل ضمانة أساسية للحفاظ بدقة متناهية على هذا الوضع القائم، بالألفاظ والأفعال على حد سواء.

6) ملحق

تتعامل القدس بحكمة بالغة ولطف شديد مع أولئك الذين يعاملون تعقيداتها بما تستحقه من مهابة. ولكنها بلدة شديدة القسوة والبطش بأولئك الذين يعاملون تعقيداتها بشكل متعجرف، أو بتجاهل. شهدت القدس على مدى تاريخها القديم الممتد لآلاف السنين، حرفياً ومجازياً، أشلاء الفاتحين والنبيين والأباطرة والسلاطين الذين تصرفوا كما لو كانت القدس ملكاً خاصاً من حقهم أن يفعلوا بها ما استهوت نفوسهم أو كما لو كانت سلعة بإمكانهم مقايضتها والمساومة عليها. كل من يعبث بالقدس فإنه إذ يفعل ذلك يعرض كل المعنيين بشؤونها لخطر شديد. ما من شك في أن بنود البيان المشترك تعبث بالوضع القائم، وبشكل ينطوي على تهور شديد.

بصياغته الحالية، يُستخدم التطبيع كغطاء من أجل السماح لأحد المعنيين بإعادة تشكيل أكثر المواقع حساسية في القدس ليتطابق مع تصوراته العقائدية.

ولإدراك مدى انعدام الإحساس بالمسؤولية والخطورة في ذلك، يكفي المرء أن يتذكر ما جرى بعد افتتاح نفق حائط المبكى في عام 1996 (من قبل نتنياهو نفسه لا غير) وزيارة شارون إلى الحرم الشريف / جبل الهيكل في عام 2000.

 

 

التعليقات (0)