مقابلات

معارض سوداني: 21 أكتوبر "ثورة" قد يتبعها التغيير (شاهد)

المعارض السوداني الطيب مصطفى أكد أن "الوضع كارثي للغاية وهناك غموض بالمشهد"- عربي21
المعارض السوداني الطيب مصطفى أكد أن "الوضع كارثي للغاية وهناك غموض بالمشهد"- عربي21

* ثورة 21 أكتوبر المرتقبة ستكون حاشدة وضخمة جدا وقد تجعل المجلس السيادي يرضخ للمتظاهرين وربما يتبعها التغيير

 

* الحزب الشيوعي المُشارك بالحكومة أعلن مشاركته بثورة 21 أكتوبر لأنه "يلعب على الحبلين"

 

* الإسلاميون سيخرجون بقوة في مسيرات 21 أكتوبر لأنهم أكثر الذين يعانون اليوم

 

* الوضع محتقن جدا ولا ندري ما ستُسفر عنه احتجاجات 21 أكتوبر.. والحكومة الآن في حالة رعب كبيرة جدا

 

* الوضع كارثي بكل المقاييس ولابد من التغيير الحتمي ونأمل تغييرا سياسيا عقب 21 أكتوبر ليعود السودان لمساره الصحيح

 

* الجيش السوداني ليس بعيدا عن السياسة.. و"البرهان" اعترف أنه كان جزءا من انقلاب البعثيين سابقا

 

* مَن قاموا باعتقالي عبارة عن وحوش لا علاقة لهم بالقانون وسيرتهم الذاتية سيئة للغاية

 

* الولايات المتحدة تضع ثقلها على رقبة الحكومة السودانية حتى تُرغمها على التطبيع

 

* تمرير التطبيع في الوقت الراهن سيكون له تداعيات كبيرة جدا ولن يمر بسهولة على الإطلاق

 

* السودان يعاني من اضطراب سياسي كبير جدا ويعاني من أزمة اقتصادية خانقة للغاية

 

* لا توجد حريات إعلامية بالسودان.. وسأظل أدافع عن مبادئي حتى لو دفعت حياتي ثمنا لذلك

 

* عمر البشير يتعرض لظلم كبير.. ولا توجد في بلادنا أي عدالة الآن

 

* كل شعارات الثورة "مُنتهكة" تماما.. والأزمة الاقتصادية تُشكّل خطرا كبيرا على الجميع

 

قال رئيس حزب "منبر السلام العادل" السوداني، الطيب مصطفى، إن ما وصفها بـ"ثورة 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري ستكون حاشدة وضخمة جدا، وربما تجعل المجلس السيادي يرضخ للمتظاهرين، وساعتها سيحدث التغيير، إلا أننا لا ندري ما الذي سينجم عن هذا التغيير، سواء كان انقلابا عسكريا جديدا أم لا".

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1964، اندلعت ثورة شعبية ضد نظام الرئيس السوداني الراحل الفريق إبراهيم عبود، مُطيحة بنظامه، واُعتبرت أول ثورة شعبية في أفريقيا والعالم العربي.

 


وأوضح "مصطفى"، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "الحزب الشيوعي الذي لديه مقاعد في الحكومة أعلن أنه سيخرج في ذلك اليوم، لأنه (يلعب على الحبلين)، والإسلاميون فسيخرجون بقوة في هذا اليوم؛ فهم أكثر الذين يعانون من الأوضاع الراهنة، وهم ممثلو المعارضة حاليا"، مشيرا إلى أن "الحكومة الانتقالية الآن خائفة ومرتعبة جدا من تلك المظاهرات، وأعلنت أنها ستغلق الشوارع، وستتخذ العديد من الإجراءات، وصدر إعلان بأنه سيتم قطع شبكة الإنترنت".

واستطرد "مصطفى"، وهو خال الرئيس المخلوع عمر البشير، قائلا: "الوضع مُحتقن جدا وكارثي بكل المقاييس، ولا بد من التغيير الحتمي، كي يرجع السودان إلى المسار الذي يستحقه شعبنا. وكل ما أرجوه في هذا اليوم ألا يحدث ما يعكر صفو الأمن، أو ما يؤدي لعدم الاستقرار في السودان أو احترابه".

وتاليا نص المقابلة مع "ضيف عربي21":

 

لو تحدثنا عن تجربة اعتقالك السابقة والاتهامات التي تم توجيهها لكم، والتي كان منها الدعوة لتقويض النظام الدستوري؟ وما هي ملابسات ذلك؟


كل الذي حدث أنني كتبت مقالا هاجمت فيه لجنة إزالة التمكين الحكومية، باعتبار أن تتناقض مع الدستور والوثيقة الدستورية، لأنها نشأت بطريقة غير دستورية، خاصة أن المحكمة الدستورية مُعطلة، كي تنظر في أمرها سواء إذا كانت قانونية أم لا، وانتقدت ممارسات الخارجة على القانون، فهي عبارة عن شريعة الغاب تُمارس بصورة بشعة ولا أحد يسأل، ولا أحد يسأل هؤلاء الناس، وليس من حق أحد أن يحاكمهم.

وبالرغم من أن الحريات ينبغي أن تكون متاحة وفقا للوثيقة الدستورية، ووفقا للمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة الانتقالية، ورغم الشعارات المرفوعة التي قامت من أجلها الثورة (حرية.. سلام.. وعدالة)، إلا أنه تم اعتقالي فقط لأني كتبت مقالا.

هل اعتقالك كان له علاقة بصلة القرابة بينك وبين الرئيس السابق عمر البشير؟


لا أدري ما يفكرون فيه، فأنا لا أعلم الغيب، لكن الذي أعلمه أنهم لا يرضون أن ينتقدهم أحد؛ فالذين اعتقلوني عبارة عن وحوش لا علاقة لهم بالقانون، وسيرتهم الذاتية سيئة للغاية، خاصة أن الرجل الذي هاجمته – صلاح مناع- كان جزءا من النظام السابق.   

ما أبعاد الإفراج عنك؟ وهل كان ذلك بوساطة من جهات أو شخصيات بعينها؟

لا، ليس كذلك. فالصحافة حقيقة انتقدت هذا الأمر نقدا شديدا، والصحفيون من الأصدقاء وغير الأصدقاء انتقدوا ذلك باعتبار هذا الأمر يناقض مبادئ الثورة، مما جعلهم يشعرون بأنهم ليسوا في مأمن، طالما أن هناك شخصا يعتقل بسبب "مقالا صحفيا" فهذا تهديد مباشر لهم، جعلهم يشعرون بالخوف.

كيف تنظر لوضع الحريات بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص في عهد النظام الحالي؟


لا توجد. ربما يمكنك الكتابة الآن، وقد كتبت بعد خروجي من الاعتقال، وهاجمت مَن في السلطة، وتحديتهم، وقلت لهم إنكم لن تخيفونني، فما الذي يمكن حدوثه في نهاية الأمر، حتى لو متُ سأدفع حياتي ثمنا للمبادئ التي أؤمن بها، وعلى الرغم أنهم أطلقوا سراحي بالضمان، بمعنى أنهم وضعوا سيفا مسلطا على عنقي حتى أخاف، حتى الآن أنا ممنوع من السفر، فلا أستطيع مغادرة البلاد، وهناك عدد كبير من الصحفيين لا يستطيعون مغادرة البلاد، فهم أيضا ممنوعون من السفر.

كذلك هو حال رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين‎ - المُعترف به دوليا - واسمه الصادق الرزيقي، وهو مُطارد الآن، وقد هرب من السودان، ويقيم حاليا في تركيا، وهو أيضا رئيس اتحاد صحفيي شرق إفريقيا، ونائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، مما جعل الاتحاد الدولي للصحفيين يصدر بيانا يطالبهم فيه بالكف عن مطاردته، كما تناول وضع الحريات في البلاد، وهاجمهم هجوما كاسحا. 

لذلك، فالحريات في السودان ليست على ما يرام، ووفقا لشعارات الثورة كان ينبغي أن تكون أجهزه الإعلام أجهزة للدولة السودانية، وليست أجهزة للحاضنة السياسية للحكومة الحالية، فأصبحت أجهزة الإعلام "حكومية" وليس متاحا للمعارضين أن يظهروا فيها، فهم محرمون منها تماما، فهي فقط مُسلّطة للهجوم على الآخر، أو مَن لا يتفق رأيه مع الحكومة السودانية.

 


 

كيف ترى ما يتعرض له الرئيس السابق عمر البشير؟ وما رؤيتكم لإجراءات محاكمته؟


أرى أن هناك ظلما كبيرا، وأنا لا أدافع عن البشير من باب صلة القرابة أو غير ذلك، وإنما من باب عدم توفر العدالة، فلقد كان شعار الثورة "حرية - سلام – عدالة"، والآن لا توجد عدالة البتة، والدليل على ذلك: أن الرجل الذي تولى منصب النائب العام هو نفسه الرجل الذي رفع الدعوى القضائية ضد البشير ومَن شاركوا في انقلابه، وقد أصبح النائب العام بعدها، فهو بمثابة "الخصم والحكم"، فهو الذي قدّم العريضة، وهو الذي ينظر فيها، مما دفع فريق الدفاع من المحامين للانسحاب خلال آخر جلسة لهم قبل أيام قليلة، فعدم توافر العدالة هو الذي جعلهم يفعلون ذلك، لا سيما ومنظومة العدالة مخترقة اختراقا كبيرا، فالوثيقة الدستورية مُعطلة، والمحكمة الدستورية مُعطلة، وهناك ظلم كبير.

والذين يُعتقلون -وليس عمر البشير وحده-معظمهم قضى أكثر من عام كامل دون محاكمة، وهو ما يتناقض مع الدستور، فوفقا لنصوص الدستور يجب أن يُطلق سراح الأشخاص بالضمان ريثما تتم محاكمتهم، وهؤلاء يرفضون إطلاق السراح بالضمان، لذا لا توجد عدالة، ولا توجد حرية، ولا حتى سلام، وكل الشعارات التي قامت الثورة من أجلها "مُنتهكة" تماما للأسف الشديد.

كيف تقيم الآن فترة حكم "البشير"؟


من المؤكد أن هناك كثير من الإخفاقات وكثير من النجاحات، وهذا لا يختلف عليه الناس، وكنت من الذين ينتقدون الإخفاقات، وينتقدون بعض مظاهر الفساد، وبعض الممارسات غير الصحيحة، وقد قدّم جهدا كبيرا، لا سيما والنظام السوداني كان مُحاصرا كما يعلم الجميع، بعد وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات الأمريكية، فقد حورب السودان حربا شعواء من أكثر من جهة.

والسودان تعرض لحروب طاحنة من الدول التي لا تتفق مع آرائه، فقد دفع ثمن تأييده للقضية الفلسطينية، التي لم يتزحزح عنها قيد أنملة، ومع ذلك هناك إخفاقات وممارسات غير صحيحة؛ فلا أستطيع القول إن الحريات كانت متاحة بالشكل المطلوب، لكن كانت هناك شبه حرية، فكانت تصدر أكثر من 20 صحيفة، وإن تعرض بعضها للمضايقات، لكن هذا العدد الضخم لا يوجد في أي دولة عربية، فكانت الحرية محدودة، وليست متاحة بالشكل المطلوب.

كيف تنظر للانقسام السوداني بشأن الموقف من قضية التطبيع؟


قضية التطبيع قضية شائكة جدا في المجتمع السوداني، وهو منقسم بين القوى السياسية، والسلطة الحاكمة تتكون من عسكريين ومدنيين، هناك مجلس سيادي منقسم من مدنيين وعسكريين، منهم رئيس عسكري (عبد الفتاح البرهان) ونائب رئيسه عسكري (حمدان حميدتي) هؤلاء يؤيدون التطبيع، وهذا واضح جدا من تصريحاتهم، ومن خلال اللقاء الذي أجراه "البرهان" مع "نتنياهو" في العاصمة الأوغندية كامبالا، وهذا معلوم للجميع، ومؤخرا "حميدتي" كرر قولته بأنهم "ماضون في التطبيع"، وهذا ليس من حقه؛ لأن هذا قرار دولة وليس قرار شخص واحد.

أما عن موقف القوى السياسية فالأمر مختلف، فالكثير من الأحزاب رافضة للتطبيع، فالأحزاب اليسارية ترفض التطبيع، وجميع الأحزاب الإسلامية رفضها قاطع للتطبيع – وهي خارج الحكومة الآن - والشعب السوداني معظمه رافض للتطبيع، لأسباب متعلقة بموقفه الثابت السابق الذي لم يتغير منذ نشأة القضية الفلسطينية، ذلك الولايات المتحدة تضع ثقلها على رقبة الحكومة السودانية حتى تُرغمها على التطبيع، من خلال تقديم "الجزرة" أو بعض المكتسبات، لذلك نجد «بومبيو» - وزير الخارجية الأمريكي - عندما جاء للسودان قدّم وعودا، لكن الحكومة أصرت على أن تُقدّم المساعدات بشكل كامل وتدخل حيز التنفيذ.

أما رئيس الوزراء فقد ظل ملتزما بأن قرار التطبيع ليس من حقه، أي ليس من حق سلطة مؤقتة أن تفعل ذلك، فهي سلطة استثنائية انتقالية، وهذا ينبغي أن يكون من حق السلطة المُنتخبة بعد إجراء العملية الانتخابية، لذلك تجد خلافا كبيرا جدا بين القوى السياسية، وداخل الحاضنة السياسية وحتى داخل الحكومة بشقيها مجلس الوزراء والمجلس السيادي.

 


 

برأيك، مَن سينتصر في نهاية المطاف.. المعسكر الرافض للتطبيع أم المؤيد له؟


هذا يعتمد اعتمادا كبيرا على مجريات الأحداث السياسية وتطورها في السودان، فلا أحد يدري ما يمكن أن يحدث في الغد، فالسودان يعاني من اضطراب سياسي كبيرا جدا، ويعاني من عدم الاستقرار، هناك حروب وهناك أزمة اقتصادية خانقة، والسودانيون الآن يعانون معاناة كبيرة لا تقارن حتى بما عاشوه قبل سقوط النظام السابق، فالأزمة الاقتصادية الفادحة تُشكّل خطرا كبيرا على السكان وعلى الأوضاع بشكل عام. 

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري ستكون هناك مسيرات ضخمة أعلنت عنها قوى سياسية كبيرة، وهو يوم تاريخي يوافق ذكرى ثورة تشرين الأول/ أكتوبر عام 1964 التي أطاحت بالفريق إبراهيم عبود، ولا أدري ما سيحدث في هذا اليوم أو قبيل هذا اليوم، وانعكاساته على العلاقة مع إسرائيل، هل سيحدث انقلابا عسكريا - وهذا بالطبع مستبعد جدا في نظري- لكن إذا كانت المسيرات كبيرة وضخمة جدا ستجعل المجلس السيادي يرضخ للمتظاهرين ربما ساعتها يحدث التغيير، ولا ندري ما الذي سينجم عن هذا التغيير.

وعلى أي حال حتى لو كان "البرهان" و"حميدتي" مقتنعين بالتطبيع، فلن يمر هذا الأمر إلا بمعارضة شديدة، ولا أظن أنه سيتم بسهولة؛ لأن هناك سخط كبير جدا، ومعارضة شديدة في الشارع، فهناك أئمة المساجد، واتحادات العلماء يضمون أكثر من ألف عالم كبير، وهم يسيطرون على الشارع من خلال منابر الجمعة، ومن خلال المساجد، وسيجعلون الشارع يعارض معارضة كبيرة، لذا من الصعوبة بمكان أن يحدث هذا الأمر إلا من خلال حكومة مُنتخبة، وهي وحدها المخولة بهذا الشأن، أما أن تكون الحكومة ليست مُنتخبة، وليست مسؤولة، ولا مفوضة فلا ينبغي لها، ولا أظنها تجرأ على فعل هذا الأمر، لأنه سيحدث تداعيات كبيرة جدا.

"البرهان" قال في السابق إن بعض الأحزاب تحاول اختراق صفوف القوات المسلحة، لتجد موطئ قدم لها، داعيا تلك الأحزاب التي لم يسمها لإبعاد القوات المسلحة عن السياسة.. فهل القوات المسلحة بعيدة عن السياسة بالفعل؟

من الصعب أن نقول إن الجيش بعيد عن السياسة، سيما وأن الحزب الشيوعي الذي له دورا كبيرا في الوضع السياسي الحالي، ويعتبر الحزب الأقوى في الحاضنة السياسية – عدد من الوزراء شيوعيون - له ذراع عسكري، وقد ذهب وتحالف مع عبد العزيز الحلو، وهو قائد أكبر فصيل عسكري من فصائل الحركات المتمردة، و"الحلو" كان - وما زال - شيوعيا منذ أن كان في الجامعة، لذلك لا يمكن القول بأن الجيش السوداني بعيدا عن السياسة، بل يوجد به ساسة. و"البرهان" نفسه اعترف أنه كان جزءا من حركة الانقلاب التي قام بها البعثيون في فترة سابقة، فمن الصعب أن نقول إن العسكريين ليسوا مُسيّسين؛ لأن السياسة تجري في دم وعروق الشعب السوداني.

هل تتوقع أن تُسفر مظاهرات 21 تشرين الأول/ أكتوبر عن تغيير ما بالمشهد السوداني؟


أجبت عن هذا، وأضيف أن هناك حشدا كبيرا جدا لهذا اليوم، حتى الحزب الشيوعي الذي لديه مقاعد في الحكومة أعلن أنه سيخرج في ذلك اليوم، وكأنه "يلعب على الحبلين"، وهذه طريقته أن يعمل في المعارضة وفي نفس الوقت يعمل في الحكومة، وهذه طريقته في عدم الصدق في سلوكه السياسي، ولأنه بسبب الضائقة الاقتصادية التي طالت الجميع بشكل كبير أعلن خروجه ليعترض على الحكومة.

أما الإسلاميون فسيخرجون في هذا اليوم، فهم أكثر الذين يعانون، وهم ممثلو المعارضة في الوقت الحاضر، فمَن يدفع ثمن أخطاء النظام اليساري العلماني هم الإسلاميون، وهم الذين يتعرضون للتضييق الذي يُمارس ضدهم، فهم "يتعرضون لشيطنة" ومصادرة للممتلكات خارج نطاق القانون، وسجون واعتقالات بدون محاكمات، لذلك هم الأكثر غضبا مما يحدث، كذلك فئة الموظفين؛ فهناك آلاف الموظفين الذين فُصلوا من وظائفهم بطريقة غير قانونية، والمحكمة الدستورية مُعطلة، حتى لجنة الاستئناف التي تكونت للنظر في الاستئنافات أمامها أكثر من ألفي استئناف لكنها مُعطلة، فكل مَن قدّم استئناف قائم على قانون وجد القانون مُعطلا، لذا الوضع محتقن جدا، وأتوقع أن المسيرات ستكون كبيرة يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر، ولا أدري ما يمكن أن تُسفر عنه هذه المسيرات أو التظاهرات، وعلى كل حال فإن الحكومة الآن خائفة ومرتعبة وأعلنت أنها ستغلق الشوارع وستتخذ العديد من الإجراءات، وصدر إعلان بأنه سيتم قطع شبكة الإنترنت، وكل ما أرجوه ألا يحدث ما يعكر صفو الأمن، أو ما يؤدي لعدم الاستقرار في السودان أو احترابه.

 


 

هل تعتقد أن هناك شخصيات أو جهات ما داخل النظام السوداني داعمون لاحتجاجات 21 تشرين الأول/ أكتوبر؟


نعم، فهناك الحزب الشيوعي وهو في الحكومة، وبعض فصائله تعمل في المعارضة، وهذا سلوكهم منذ عرفناهم، والحزب الشيوعي في السودان هو أكبر حزب شيوعي في الشرق الأوسط، وقد تعرض لضربات كثيرة زمن حكم "النميري"، لكنه عاد مرة أخرى الآن وسيطر على الأوضاع، لذا لا أستطيع الجزم بما يمكن حدوثه.

ماذا لو حدث انقلاب عسكري جديد في أعقاب تلك الاحتجاجات المرتقبة؟


أشعر بأن هناك صعوبات كبيرة جدا لحدوث انقلابا عسكريا، فالشعب السوداني "حُصّن" من أن يحكمه العسكريون، ومن المؤكد أن تخرج مظاهرات كبيرة ضد هذا الأمر، لكن بشكل عام فإن الأوضاع الحالية أقرب لقبول الحكم العسكري أكثر مما كانت عليه أيام الثورة؛ لأن الحكومة الحالية مدنية، وقد فشلت فشلا ذريعا، وهي التي تحمل مسؤولية الفشل، لذا تجد الشعارات التي كانت مرفوعة "مدنية.. مدنية" لم يعد لها رصيدا، واستطاع العسكريون أن يقيموا الحجة على المدنيين أنهم فاشلون، وهذا ما حدث في جميع الانقلابات السابقة، فعندما تقوم ثورة ضد الحكم العسكري ويتولى الحكم حكومة مدنية ثم تفشل في إدارة البلاد تجد الناس يؤيدون الانقلاب العسكري عليها، والآن الشعب غاضب جدا من الحكومة المدنية، ويُحمّل المدنيين المسؤولية، فإذا حدث الانقلاب ستجد الشعب يؤيده بخلاف ما كان خلال الأيام الأولى للثورة على نظام الرئيس البشير.

وبالتالي هل الشارع السوداني قد يقبل بالحكم "العسكري" بدلا من "المدني"؟ وهل المجتمع الإقليمي والدولي سيقبلون بهذا "النظام العسكري" حال قيامه؟


نحن اعتدنا، وتعلمنا أن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لا يحفل كثيرا بقضية الديمقراطية، ويهتمون بها داخل دولهم فقط، أما خارجها فهي لا تعنيهم كثيرا، والدليل على ذلك أن «السيسي» جاء بعد نظام مُنتخب من الشعب، وقتل آلاف مؤلفة من الشعب ولم يحرّك الغرب ساكنا، وذلك لأن إسرائيل كانت ضالعة في ذلك الانقلاب؛ لخوفها من النظام الديمقراطي، ومن نظام الرئيس محمد مرسي،  ولم تخشِ السيسي لأنه تحالف معها تحالفا كبيرا، وكذلك تحالف السيسي مع الولايات المتحدة، كما أيدته بعض الدول العربية لأنها دول ليست ديمقراطية بالأساس، والمجتمع الغربي لا يهتم إلا بالدول التي تتوافق مع سياساته.

أما الدول العربية -وفي مقدمتها دول الربيع العربي- فإن الغرب يحارب الديمقراطية فيها حربا شعواء؛ حتى لا تنتقل "عدوى الديمقراطية" للدول الأخرى، لذا لا أظن أن تكون هناك معارضة من المجتمع الخارجي إذا حدث انقلابا عسكريا يحقق للدول الغربية - أو الدول التي تحشر أنفها في الشأن السوداني – ما يرضيها، فإذا جاء البرهان وحميدتي مثلا، وهما يؤيدان التطبيع مع إسرائيل أؤكد أن الولايات المتحدة سترحب بهما ترحيبا حارا، وستضحي بكل الشعارات التي ترفعها الخاصة بالديمقراطية والحريات، فهذا لا يعنيهم في شيء، وحتى لو قتل البرهان الآلاف من الناس فلن يهمهم كثيرا، كذلك هو حال الدول العربية المُقربة من "البرهان" الآن ومن "حميدتي".

ما مدى سيطرة "البرهان" و"حميدتي" على المؤسسة العسكرية؟


لا يستطيع أحد أن يتحدث عما يدور داخل المؤسسة العسكرية، ونحن نتحدث عن الرئيس البرهان لأنه يُعلن عن نفسه وعن سياساته، أما عن الجيش كضباط وأفراد فلا يستطيع أحد التكهن بما يضمرون أو يفكرون فيه.

هل من المستبعد أن تقف قيادات وسطى بالجيش خلف محاولة "انقلاب عسكري"؟


العسكريون يقومون على الضبط والربط، وعلى السمع والطاعة، لذا عندما يقوم القائد العسكري بانقلاب أو أي فعل سياسي، فإن معظم أتباعه ينقادون إليه؛ لأن المؤسسات العسكرية لا يمارس داخلها الديمقراطية.

 


 

ما تصوركم لكيفية إصلاح المرحلة الانتقالية وتغيير الأوضاع بشكل "إيجابي" في السودان من وجهة نظركم؟


الأوضاع الاقتصادية في منتهى السوء، ولا يُبشّر بأي خير على الإطلاق، ولا توجد أي مخارج للأزمة الحالية، فقد أحجم العالم عن مد يد العون للسودان، والسبب في ذلك أنه يريد تحقيق أجندته السياسية، حتى الدول العربية القريبة من السودان أو التي تمارس ضغطا عليه، هي أيضا تريد تحقيق أجندتها السياسية، وفي الداخل البلاد السلطة فاشلة؛ فالحزب الشيوعي الذي يسيطر على الأوضاع يختار أسوأ كوادره لحكم السودان في هذه المرحلة، والحكومة المدنية الحالية لا يوجد بها كفاءات، لأن الولاء السياسي قُدّم على الكفاءة، والخبرة، وغير ذلك، ويرجع ذلك أيضا لتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية التي تنص على عدم التمييز على خلفية الولاء السياسي، لكن من يعنيه ذلك، فعندما قدمت شكاوى من محاميي المعتقلين لم ينظر إليها، كمعتقلي حزب المؤتمر الوطني – من النظام السياسي السابق – ومعظمهم من الكفاءات.

ولذلك، فالوضع كارثي بكل المقاييس، ولابد من التغيير الحتمي، ونرجو أن تُسفر ثورة 21 تشرين الأول/ أكتوبر عن تغيير سياسي، كي يرجع السودان إلى المسار الذي يستحقه شعبنا.

 

التعليقات (0)