بورتريه

قاوم أربعة انقلابات عسكرية.. ورحل رافضا "التطبيع" (بورتريه)

اعتبر الصادق المهدي أن التطبيع مع "إسرائيل" يناقض المصلحة الوطنية العليا والموقف الشعبي- عربي21
اعتبر الصادق المهدي أن التطبيع مع "إسرائيل" يناقض المصلحة الوطنية العليا والموقف الشعبي- عربي21

بعد سنوات طويلة من المعارضة والحكم والسجون والمنافي والصمود أمام أربعة انقلابات عسكرية، يرفع الراية البيضاء أمام "كوفيد19" الماكر والمتعجرف الذي يرفض أن يغادر هذا الكوكب بسهولة.


كان آخر مواقفه الوطنية والقومية رفضه التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي والسودان.


رحيل، وصف حتى من قبل خصومه، بـ"الموجع" في زمن التطبيع العربي والسوداني في ظروف سياسية حرجة ومتقلبة.


الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، المولود عام 1935 بالعباسية بأم درمان بالسودان، أسس جده الأكبر الدعوة والثورة "المهدية" في السودان.


حصل على شهادة البكالوريوس والماجستير من جامعة "أوكسفورد" عام 1957، وعمل بعد تخرجه موظفا بوزارة المالية استقال بعدها بعام رفضا لانقلاب عام 1958 بقيادة الجنرال إبراهيم عبود. 


عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة، كما كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.


انخرط الصادق المهدي في صفوف المعارضة، وبعد أن دخل المعترك السياسي جعل همه خدمة "قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي" في السودان.


كان أول بروز له في ساحات العمل السياسي السوداني معارضة نظام عبود، وشارك بفعالية في معارضة النظام، ونادى بالحل السياسي لمسألة الجنوب، حيث أصدر كتابه "مسألة جنوب السودان" ونادى فيه بأن مشكلة الجنوب لا يمكن أن تحل عسكريا.

 

اقرأ أيضا: الصادق المهدي.. سياسي ومفكر مع الديمقراطية وضد التطبيع


توليه موقع رئيس "الجبهة القومية المتحدة" ورئاسة حزب "الأمة" أهله لتشكيل الحكومة السودانية لفترتين متباعدتين الأولى كانت عام 1966 وحتى عام 1967 حيث قامت الحكومة بإجراءات لمحاصرة الفساد وتحقيق العديد من الإنجازات، ولكن تشكل ضدها ائتلاف ثلاثي بين الجناح "المنشق" من "حزب الأمة" و"الحزب الوطني الاتحادي" وحزب "الشعب الديمقراطي" فأسقطها عام 1967. 


خاض حزب "الأمة" انتخابات 1968 منشقا ثم التأم مرة أخرى مع الحزب "الأم" عام 1969، ولكنه لم يستفد من قوته الجديدة بسبب انقلاب جديد عام 1969 بقيادة جعفر نميري الذي قوض الشرعية الدستورية.


وعلى أثر هذا الانقلاب تعرض المهدي للسجن والنفي إلى القاهرة، واضطر في عام 1974 إلى القيام بجولة في العواصم العربية والغربية والأفريقية، كتب خلالها كتابه "أحاديث الغربة" وألقى عديد المحاضرات في جامعات "درهام" و"مانشستر" و"أوكسفورد" ببريطانيا وجامعة "كادونا" بنيجيريا، داعيا "للحل الإسلامي" ومبشرا بـ"الصحوة الإسلامية وعطائها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية".


قاد "الجبهة الوطنية الديمقراطية" المعارضة لنظام جعفر نميري التي (شملت حزب الأمة، والحزب الاتحادي والإخوان المسلمين). وقامت الجبهة بمحاولة تحرير السودان عبر الانتفاضة المسلحة عام 1976 التي فشلت في إسقاط نظام نميري، ولكنها أقنعت النظام بجدوى وقوة المعارضة، وأدى ذلك للمصالحة الوطنية والاتفاق السياسي بين النظام و"الجبهة الوطنية" في العام التالي للثورة.


عاد المهدي على أثرها للسودان، ولكن ما لبث أن اكتشف خداع النظام في ضمان الديمقراطية والإصلاح السياسي، فاعتبر أن المصالحة فشلت ولكنه آثر البقاء في السودان لمعارضة النظام من الداخل.

 

اقرأ أيضا: وفاة الصادق المهدي إثر إصابته بـ"كورونا" وحداد رسمي بالسودان


وحين أعلن نميري عام 1983 ما أسماها "الثورة التشريعية"، اعتبرها المهدي "أكبر تشويه للشرع الإسلامي وعقبة في سبيل البعث الإسلامي في العصر الحديث"، وجاهر بمعارضتها في خطبة عيد الأضحى المبارك، فاعتقل، وفي تلك الفترة من الاعتقال نشر كتابه "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي"، وحين أطلق سراحه عام 1984 خرج يقود المعارضة للنظام من الداخل ويتناغم مع الغضبة الشعبية التي أثمرت عام 1985 عن انقلاب "عسكري أبيض" بقيادة المشير عبد الرحمن سوار الذهب.


بعد إجراء انتخابات برلمانية بناء على وعد من سوار الذهب حصل "حزب الأمة" على الأكثرية، وانتخب المهدي رئيسا للوزراء ليشكل حكومته الثانية عام 1986 التي استمرت بعملها حتى قيام انقلاب عام 1989 برئاسة عمر البشير.


حاول المهدي التعايش مع النظام الجديد، وكان من أهم ما قام به في تلك الفترة السعي للتجميع الوطني لحل القضايا الأساسية قوميا، والسعي "للتأصيل الإسلامي عبر الإجماع الشعبي وبالوسائل الدستورية".


غير أنه اعتقل عام 1989 بعد أن أعلن عن العثور معه على وثيقة للتخطيط لانقلاب على النظام، وبعد أن وقع مع قادة القوى السياسية الموجودين داخل السجن "الميثاق الوطني".


ورغم أنه أطلق سراحه عام 1990 إلا أنه تعرض للتهديد بالتصفية الجسدية فكتب شهادته عن فترة حكمه في كتاب حمل عنوان "الديمقراطية في السودان". 


وحوّل للاعتقال التحفظي في منزل زوج عمته حيث سمح لأفراد أسرته بمرافقته. كتب خلال هذه الفترة كتابه "تحديات التسعينيات" متعرضا فيه للوضع العالمي وتحديات العالمين العربي والإسلامي وأفريقيا.


أُطلق سراحه عام 1992 لكنه بقي تحت المراقبة اللصيقة من الأمن السوداني إذ لم يسمح له بمغادرة الخرطوم. ورفع راية "الجهاد المدني" ونصح الحكام من على المنابر، وأظهر "تلاعبهم بالدين وبالشعار الإسلامي لصالح الكسب الدنيوي وتشويههم له"، مما عرضه للتحقيقات المطولة والاعتقالات المتوالية، واعتقال "المائة يوم ويوم" عام 1995 الذي تعرض فيه للتعذيب في أماكن أطلق عليها السودانيون "بيوت الأشباح".

 

اقرأ أيضا: "المهدي" ينسحب من مؤتمر بالخرطوم احتجاجا على التطبيع


تعرضه للمتابعة الأمنية اللصيقة، أقنعه بضرورة الخروج فغادر سرا عام 1996 قاصدا إريتريا، والتحق بالمعارضة السودانية بالخارج، وبدأ حملة دبلوماسية وسياسية للبشير.


ولم تمض سنوات ثلاث حتى استجاب لوساطة كامل الطيب إدريس للتفاوض مع النظام فتم لقاء جنيف بينه وبين حسن الترابي. وفي عام 1999 جرى لقاء جيبوتي بينه وبين الرئيس البشير، وعقد "حزب الأمة" اتفاق "نداء الوطن" مع النظام في الخرطوم، وذلك تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي.


عاد بعدها للبلاد في عملية أطلق عليها اسم "تفلحون"، وذلك للقيام بالتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام والاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية. وانتخب إماما لـ"الأنصار" كما تم انتخابه الأمين العام لهيئة شؤون "الأنصار"، ومجلس الشورى، ومجلس الحل والعقد.


وفي عام 2014 وجه انتقادات للسلطات السودانية فتعرض للاعتقال مرة أخرى.


أواخر عام 2018 اندلعت المظاهرات والاحتجاجات ضد حكم البشير وشارك فيها أنصار المهدي إلى جانب طلبة الجامعات والنقابات المهنية. 


ومن مواقفه التي صبغت سنواته الأخيرة دعوته الحكومة السودانية إلى سحب قواتها المشاركة في الحرب الدائرة في اليمن، واصفا مشاركة السودان فيها بـ"الخطأ الكبير".


وكان يرى أن السودان وبحكم علاقاته المتينة مع طرفي النزاع في اليمن يمكنه التوسط من أجل إيقاف الحرب التي وصفها بـ"الطائفية" والتي "لن تؤدي إلى شيء غير تدمير اليمن وشعبه".


وكان يرى أن من واجب السودان مساعدة الأطراف المشاركة في الحرب باليمن للخروج من "الورطة وليس الاشتراك فيها".


وكان المهدي قد نفى عام 2017 صحة تقارير إخبارية سعودية اتهمته بـ"التآمر" مع قطر ضد السعودية، مطالبا بإيجاد "مخرج عادل" للأزمة دون الانحياز لطرف ضد طرف.


وفي خطوة أثارت العديد من التساؤلات، عارض المهدي، بشدة اتفاقا بين حكومة البشير وتركيا بخصوص استثمار تركيا في جزيرة "سواكن" الواقعة في البحر الأحمر.


واتهم المهدي، حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا بـ"دعم جماعة الإخوان العابرة للحدود" بحسب وصفه، وأنه يتم التعامل مع هذا الموضوع وكأنه "اتفاق شخصي" بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والبشير.


ودعا في الأشهر الماضية إلى تشكيل تحالف بين "قوى الأجندة الوطنية" تهدف إلى حماية البلاد من "الإسلاميين والجماعات العلمانية لتشكيل حكومة ديمقراطية تحافظ على وحدة البلاد واستقلالها" بعد الإشارة إلى "ارتباط الجماعات الإسلامية والعلمانية بقوى أجنبية".


واعتبر المهدي أن التطبيع مع "إسرائيل" يناقض المصلحة الوطنية العليا والموقف الشعبي.

 

وانسحب من المشاركة في مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الخرطوم؛ احتجاجا على خطوات التطبيع مع الاحتلال الذي يواصل احتلال أراض عربية ويرفض قيام دولة فلسطينية.


وفي آخر مقال كتبه عقب إصابته بالفيروس، قال المهدي: "أُصبت بداء كورونا منذ 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، فاجعة مؤلمة وضعتني في ثياب أيوب (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)".


وأضاف: "صحيح بعضنا أحس نحوي في المرض بالشماتة ولكن والله ما غمرني من محبة لا يجارى، وقديما قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق".


وكان حزب "الأمة القومي" السوداني أعلن مطلع الشهر الجاري نقل زعيمه الصادق المهدي إلى الإمارات لتلقي العلاج، عقب الكشف عن إصابته بفيروس كورونا، على الرغم من تفضيله شخصيا الاستمرار في المداواة بمستشفى علياء الوطني بالسودان.


عرف المهدي برجل "الحوار" وتقبل الرأي الآخر، وتمسكه بالخيار الديمقراطي، ورفضه المشاركة في أي منصب سياسي دون انتخابات، وبتحالفه سابقا مع "الإخوان المسلمين" ثم انقلابه عليهم بعد تحالفهم مع البشير.


ممارسته للسياسة لم تمنعه من تأليف عدة كتب كان من أبرزها "الديمقراطية في السودان: عائدة وراجحة"، و"مسألة جنوب السودان"، و"جهاد من أجل الاستقلال"، و"يسألونك عن المهدية"، و"العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي"، و"تحديات التسعينات"، كما شارك في المئات من المؤتمرات الفكرية.


وجوده كان عامل تشجيع للمعارضين للتطبيع لرفع صوتهم عاليا، ورحيله سيكون صادما لقدرته على إحداث التوازن في الحكم العسكري الحالي في السودان.

 
التعليقات (4)
يوسف ود ألرهد
الثلاثاء، 14-06-2022 04:51 م
ذأكرنك دومإ يأألأمام
يوسف ود ألرهد
الثلاثاء، 14-06-2022 04:21 م
جزأك ألله قدر مأ قدمت من فكر وغزأرة علم للبشرية جمعأء يأألحبيب ألمحبوب
ابو ايوب
السبت، 28-11-2020 07:36 ص
حاليا هو عند الله عز وجل الحكم العدل . له ما له وعليه ما عليه. وانما الاعمال بالنيات.
عبدالله احمد
الخميس، 26-11-2020 07:09 م
لكنه مات في اسرائيل العرب للاسف