كتب

أضواء على تاريخ تأسيس حركة "فتح" الفلسطينية ومسارها

كتاب يلقي الضوء على تاريخ تأسيس حركة "فتح" ومسارها السياسي  (عربي21)
كتاب يلقي الضوء على تاريخ تأسيس حركة "فتح" ومسارها السياسي (عربي21)

الكتاب: الدكتور عادل عبد الكريم ياسين.. حياته ونضالاته
المؤلف: د.عبد الله مصطفى الدنَّان. 
الناشر: دار البيروني؛ ومنتدى الفكر الديمقراطي، عمان 2021

احتلت حركة "فتح" موقع الريادة في مجال تأسيس فصائل المقاومة الفلسطينية الراهنة، منذ مطلع 1965، وتكرَّست بادعاء قيادة الحركة أن نشطاءها نفذوا أول عملية فدائية في إسرائيل، في 1/1/1965. وعلى الرغم من أن هذه العملية لم تُنفَّذ؛ لأن الفدائيين الموكل إليهم أمر تنفيذها، اكتشفوا بأن الموقع المطلوب نسفه، يقع تحت حراسة عسكرية إسرائيلية مشدَّدة، فإن "فتح" دأبت على الاحتفال بـ "انطلاقتها" المدعاة، في أول كانون الثاني/ يناير من كل عام!

على أن "فتح" تصدَّرت بقية الفصائل الفدائية الفلسطينية، حين صمد مقاتلوها، وإن بثمن بشري فادح، في "معركة الكرامة" (21/3/1968)، أمام الهجمة العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من المشاركة الحاسمة لوحدات من الجيش الأردني في هذه المعركة، ومعها وحدات من "قوات التحرير الشعبية"، التابعة لجيش التحرير الفلسطيني، فإن الإعلام العربي ـ لسبب لا يزال مجهولا ـ ركّز على دور "فتح"، دون غيرها من القوات التي شاركت، مشاركة مجدية، في صنع الصمود في "الكرامة".

 

تاريخ التأسيس

اختلف الذين أرَّخوا لـ "فتح" حول تاريخ بدء هذه الحركة؛ هل هو تاريخ تفكير خليل الوزير (أبو جهاد)، وصحبه في تأسيس الحركة، صيف 1957؟ أم تاريخ الاجتماع التأسيسي الخماسي (1959)؟ أم أول اجتماع لـ "لمع" (اللجنة المركزية العليا لفتح)، تشرين الأول / أكتوبر 1963؟ أم تاريخ أول عملية فدائية مدعاة للحركة؟  
 
هنا أفاد الدنان، وأمتع، بما كشفه من تفاصيل أحداث تاريخية، لم يكن ظهر منها إلا رأس جبل الثلج، حتى الآن. وفي هذا، يكون الدنان قدم خدمة وطنية، وأكاديمية جليلة، أغلب الظن سيكون له مقابلها أجران. والله أعلم.

في كتابه هذا، كشف المؤلف النقاب عن اغتيال النقيب يوسف عرابي، والملازم محمد حشمة، وما تبعه، من مجيء الدنان، وفاروق القدومي إلى دمشق، للتحقق من هذا الأمر، خاصة بعد اعتقال ياسر عرفات، وبعض قادة "فتح" من قبل السلطات السورية، ولقاء الدنان، والقدومي، الفريق حافظ الأسد، وزير الدفاع السوري، حينذاك؛ إلى أن تم الإفراج عن عرفات، وصحبه.

 

يعلم الجميع أن صاحب فكرة "فتح" هو خليل الوزير، حين قدم مذكرة إلى مسؤول "الإخوان" في قطاع غزة، صيف 1957، ألح فيها الوزير على ضرورة التخلي عن اسم الجماعة، وإحلال اسم تنظيم وطني مكانه، حتى يتجنب الإخوان ملاحقة الإعلام والأمن المصريْين. لكن المسؤول تغافل عن هذا الطلب، وأهمله. وإن كان هذا لم يمنع الوزير من مواصلة العمل في سبيل تنفيذ اقتراحه. فكانت "فتح".

 



قبل أن يلقي الدنان حزمة من الأضواء على الصراع الداخلي، الذي احتدم (1966)، وانتهى بخروج مجموعة من أعضاء "لمع"، لوحظ بأن كلهم من خارج التيار الإسلامي.

بعد ذلك، عمد المؤلف إلى نشاط الدنان، وياسين "من أجل فلسطين، من خارج (فتح)"، وما أطلق عليه " الأيام السوداء، والكوارث التي حلت بالقضية"، ثم "اتفاقية أوسلو"، وختم بـ "خلاصة السيرة الذاتية للدارسين".

 

ملاحظات على الهامش


على أن ثمَّة ملاحظات هامشية، لا تؤثِّر كثيرا على القيمة التاريخية لما كتبه الدنان:

1 ـ يقول الدنان: "قبل أن آتي إلى الكويت (1960) كان عادل ياسين قد بدأ التحركات، التي أدت إلى تأسيس حركة (فتح)" (ص13). ولا أدري لماذا أهمل المؤلف قطاع غزة، في قرار قيادة "فتح" اعتماد مسؤولين عسكريين، في كل من لبنان، وسوريا، والأردن؟! (ص93)
 
ـ بينما يعلم الجميع أن صاحب فكرة "فتح" هو خليل الوزير، حين قدم مذكرة إلى مسؤول "الإخوان" في قطاع غزة، صيف 1957، ألح فيها الوزير على ضرورة التخلي عن اسم الجماعة، وإحلال اسم تنظيم وطني مكانه، حتى يتجنب الإخوان ملاحقة الإعلام والأمن المصريْين. لكن المسؤول تغافل عن هذا الطلب، وأهمله. وإن كان هذا لم يمنع الوزير من مواصلة العمل في سبيل تنفيذ اقتراحه. فكانت "فتح".

 

بالمناسبة، لم يكن الوزير "ذا توجه إسلامي، وكان قريبا من جماعة الإخوان"، كما يقول الدنان. فقد كان طالبا معي في مدرسة فلسطين الثانوية، واحتل موقع مسؤول شباب الإخوان في مدينة غزة، خلال الحقبة العلنية للإخوان، حتى أواخر 1954، واستمر الوزير ضمن الصف الثاني للجماعة، بعد ذلك. بل إنه قاد ـمن خلف ظهر قيادة الجماعةـ مجموعة فدائية، بدأت تمارس تحرشات عسكرية بالصهاينة، في ربيع 1955 (ص13).

2 ـ اتحاد الطلبة الفلسطينيين في القاهرة، لم يحمل هذا الاسم قبل 1959، وكان قبل ذلك مجرد "رابطة" (ص13).

3 ـ أما وفد "الرابطة" للتهنئة بثورة 14 تموز/ يوليو 1958 الوطنية العراقية (ص13)، فلم يترأسه عرفات، الذي كان غادر رئاسة الرابطة، منذ صيف 1956، حيث تخرج من كلية الهندسة في "جامعة فؤاد الأول" (جامعة القاهرة، الآن)، وخلفه صلاح خلف، في رئاسة الرابطة، حتى صيف 1957، حيث تخرج، وانتقلت الرابطة إلى هيئة إدارية جديدة، ضمت إخوانا وبعثيين.

4 ـ الحديث عن مجلة "فلسطيننا"، همَّش فيه الدنان دور الوزير، وكذلك "تشكيل نواة فلسطينية شعبية فدائية، شبيهة بالثورة الجزائرية".

5 ـ امتدادا لتهميش دور الوزير، ذكر الدنان أن عرفات هو الذي رشح الوزير ويوسف عميرة، للعمل في النواة القيادية!

ما رأي الأخ أبو ياسر (الدنان)، بأن ثمَّة رواية لشخص لم يرد اسمه في المخطوط، ضمن المؤسسين، على الإطلاق؛ وهو عاهد سعود الماضي (الدكتور، لاحقا)، الذي روى بأن النواة المؤسسة اتفقت على طريقة ضم أعضاء جدد إليها، مؤداها أن يتقدم من يُرشح شخصا آخر، على أن ينال المرشح كل أصوات الحاضرين، بالتمام والكمال. يُكمل الماضي بأنهم اجتمعوا، ذات يوم، وإذا بالوزير يتأبط ذراع عرفات إلى الاجتماع، دون أن يسبق ترشيحه، والموافقة عليه، حسب الأصول المرعية؛ ما جعل الماضي ينسحب، نهائيا، احتجاجا من النواة المؤسسة.
 
6 ـ بقي أن سليم الزعنون "كان إسلاميّا حياديّا"، وكذلك محمد يوسف النجار.

ـ هذا أمر مجافٍ للحقيقة، فالأول كان واحدا، ثانيهما صلاح خلف، من الصف الأول في طلاب "الإخوان" الفلسطينيين في مصر، على مدى النصف الأول من الخمسينيات. وقد حدث أن قطعت "جامعة الدول العربية" (1949) معوناتها المالية عن الطلاب الفلسطينيين، فتجمعوا أمام مقر الجامعة للاحتجاج. ولاحظ خلف والزعنون مدى نشاط شاب سألوا عنه، فقيل لهما؛ إنه محمد عبدالرؤوف عرفات، الشهير بياسر عرفات. فسارعا إلى ترشيحه لمسؤول الإخوان في الطلاب الفلسطينيين، فتحي البلعاوي، كي يتولى عرفات رئاسة قائمة "الإخوان" في انتخابات الرابطة. اعترض البلعاوي على الترشيح، متذرعا بأن عرفات لا يقوم الليل! لكن خلف والزعنون ألحّا، فقبل البلعاوي ترشيحهما لعرفات، على مضض، خاصة بعد أن أفهما البلعاوي بأنه سيكون أمين سر الرابطة، وبيده كل الأمور!

 

المعروف لكل متابعي أمور "فتح" بأن المؤسسين هم الخمسة الأوائل، أما إضافة اسم عرفات من قِبل الوزير (1986)، فيعود إلى سبب لا يخفى على القارئ اللبيب! ومع ذلك، فإن عرفات أصدر تعليماته بسحب كراس "البدايات" من التداول، بعد أن كان صدر في عمّان.

 



أما محمد يوسف النجار، فكان مسؤول مدينة رفح، ومخيمها في الجماعة، زمن العلنية، والأسابيع الأولى من السرية، إلى أن اعتُقل، ضمن 68، من الإخوان، والشيوعيين، والمستقلين، الذين تقدموا الصفوف في انتفاضة قطاع غزة (1-3-1955).

7 ـ حين كان يرد اسم أحمد جبريل، أو علي البشناق، أو فضل شرورو، كان الدنان ينسبهم إلى "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" (ص116)، بينما كان المذكورون أعضاء في "جبهة التحرير الفلسطينية"، التي دخلت أواخر 1967، في تحالف مع الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب (شباب الثأر)، فضلا عن "أبطال العودة"، وحمل هذا التحالف ـكما هو معروف- اسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". وإن غادرت "التحرير الفلسطينية" هذا التحالف، في تشرين الأول / أكتوبر 1968، حاملة اسم "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة". بينما لم يُغطِ المخطوط ما بعد العام 1966.

8 ـ أسماء المؤسسين، عند خليل الوزير (البدايات) انحصروا في: عادل عبدالكريم، عبدالله الدنان، يوسف عميرة، توفيق شديد، خليل الوزير، وياسر عرفات. والمعروف لكل متابعي أمور "فتح" بأن المؤسسين هم الخمسة الأوائل، أما إضافة اسم عرفات من قِبل الوزير (1986)، فيعود إلى سبب لا يخفى على القارئ اللبيب! ومع ذلك، فإن عرفات أصدر تعليماته بسحب كراس "البدايات" من التداول، بعد أن كان صدر في عمّان.

9 ـ هناك موضوعان، الأول مؤكد، ومؤداه أن المهندس سعيد المسحال كان ضمن أبرز مجموعة قطر، بينما لم يشر إليه الدنان. أما الموضوع الثاني، فيتمثل في رواية، تقول بأن عرفات عرض على المؤسسين حصوله على مائة ألف دولار لتمويل الحركة، وشدَّد على المؤسسين ألا يسألوه عن مصدر هذا المال!

10 ـ هناك ملاحظة شكلية، تقترب كثيرا من المنهجية، إذ عمد الدنّان إلى إيراد نص"بيان حركتنا" ـ وهو بمنزلة البرنامج السياسي لفتح ـفي متن الفصل الرابع، بينما كان يجب نقله إلى الملاحق، ومعه "هيكل البناء الثوري"، إلى ملاحق الكتاب، المرادف للنظام الداخلي للحركة. 

وبعد، فإن هذه الملاحظات الهامشية، لا تمس جوهر المعلومات، كما لا تقلل من الدور المهم الذي أداه كل من عادل عبد الكريم ياسين، وعبد الله الدنان، ولا يزال في عنق كل القادة القدامى الأحياء من "فتح" واجب كتابة مذكراتهم.

التعليقات (1)
عماد الدين الطرابلسي
الجمعة، 01-01-2021 02:13 م
ليسمح لي سيد علي الدمنهوري بإعادة نشر نص تعليقه الذي يغني عن أي "تعليق" آخر... تكفي خيانة و احدة !!!...لأن الخيانة مثل السرقة و القتل لا تسقط بالتقادم أو "التوبة"!!!...حركة "فتح" خانت الشعب الفلسطيني في تحرير الوطن الفلسطيني المُحتل و تعاونت مع الإحتلال ...و يكفي أن شخصاً مثل إبن ميرزا عباس و صحبه من المُرتزقة بالقضية "موظفين " عند الإحتلال الإسرائيلي و في الواجهة دون خجل أو وجل ....دليلا على الخيانة الفاضحة. لعنة الله عليهم و الملائكة و الناس أجمعين. - آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن .