كتاب عربي 21

تحركات مشبوهة في صفوف المعارضة التركية

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
صرح رئيس الأركان التركي الأسبق، إلكر باشبوغ، أن عدم إعلان حكومة عدنان مندريس موعدا للانتخابات المبكرة هو الذي أدَّى إلى الانقلاب العسكري الذي أطاح بها في 27 أيار/ مايو 1960. وأثارت هذه التصريحات موجة غضب في صفوف المؤيدين للحكومة التركية المنتخبة والمدافعين عن تعزيز الديمقراطية في تركيا.

حزب الشعب الجمهوري الذي لم يحكم البلاد في تاريخه إلا بعد الانقلابات العسكرية وبالتحالف مع الانقلابيين، يدرك جيدا أن فوزه في الانتخابات شبه مستحيل في الأوضاع العادية، ولذلك يعلق آماله على الانقلابات والفوضى والكوارث، بدلا من كسب ود الناخبين وأصواتهم من خلال الوعود الصادقة والبرامج التنموية. وهناك تحركات مشبوهة في صفوف حزب الشعب الجمهوري والمؤيدين له، بالتزامن مع اقتراب تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مهامه في الولايات المتحدة.
حزب الشعب الجمهوري الذي لم يحكم البلاد في تاريخه إلا بعد الانقلابات العسكرية وبالتحالف مع الانقلابيين، يدرك جيدا أن فوزه في الانتخابات شبه مستحيل في الأوضاع العادية، ولذلك يعلق آماله على الانقلابات والفوضى والكوارث

أحزاب المعارضة التركية، على رأسها حزب الشعب الجمهوري، تأمل في أن تدعمها واشنطن بقوة وتضغط على أنقرة من أجل إسقاط أردوغان. وكان بايدن قد ذكر خلال حملته الانتخابية أنه سيزيد دعم الولايات المتحدة للمعارضة التركية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية. ومن المؤكد أن هذه التصريحات عززت آمال المعارضة التركية، ومع ذلك، هناك مخاوف لديها من انقلاب بايدن على وعوده بعد جلوسه على كرسي الرئاسة، واحتمال أن يجد الرئيس التركي طريقا للتفاهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة. ولعل تلك المخاوف هي التي دفعت حزب الشعب الجمهوري وحلفاءه للاستعجال في التحرك بهدف استباق التطورات التي قد تحوِّل مخاوفهم إلى حقائق واقعية.

تصريحات باشبوغ الأخيرة ليست بعيدة عن تحركات حزب الشعب الجمهوري، وترمي إلى التخويف وإثارة القلق، وخلق الاعتقاد لدى الرأي العام بأن إعلان الحكومة موعدا لانتخابات مبكرة هو الخيار الوحيد للخروج من الأزمة، والحيلولة دون وقوع انقلاب عسكري ونجاة أردوغان من مصير مندريس الذي أعدمه الانقلابيون.
تصريحات باشبوغ الأخيرة ليست بعيدة عن تحركات حزب الشعب الجمهوري، وترمي إلى التخويف وإثارة القلق، وخلق الاعتقاد لدى الرأي العام بأن إعلان الحكومة موعدا لانتخابات مبكرة هو الخيار الوحيد للخروج من الأزمة

الشعب التركي لا يريد انتخابات مبكرة، كما تقول نتائج استطلاعات الرأي، ووصلت نسبة الرافضين لإجراء الانتخابات قبل موعدها إلى 75.6 في المائة، وفقا لاستطلاع الرأي الذي أجرته شركة كونسنسوس للبحوث، فيما طالب 24.4 في المائة بإجراء انتخابات مبكرة. وإن كان الشعب يرفض إجراء انتخابات مبكرة، فلماذا يطالب بها حزب الشعب الجمهوري بإلحاح؟

جواب هذا السؤال يكمن في استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن تأسيس حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم من قبل كل من أحمد داود أوغلو وعلي باباجان بعد انشقاقهما عن حزب العدالة والتنمية لم يؤدِ إلى تراجع ملحوظ في شعبية الحزب الحاكم، إلا أن ذات الاستطلاعات تقول إن حزب الشعب الجمهوري قد يخسر مرتبته الحالية بين الأحزاب السياسية كحزب المعارضة الرئيس، ويتراجع إلى المرتبة الثالثة بعد انشقاق محرم إينجه عنه في الأيام المقبلة.
الاستطلاعات تقول إن حزب الشعب الجمهوري قد يخسر مرتبته الحالية بين الأحزاب السياسية كحزب المعارضة الرئيس، ويتراجع إلى المرتبة الثالثة بعد انشقاق محرم إينجه عنه في الأيام المقبلة

الانقلابات العسكرية طويت صفحتها بعد فشل المحاولة الأخيرة التي قام بها ضباط موالون لجماعة غولن في 15 تموز/ يوليو 2016. ويعترف الإعلامي المؤيد لحزب الشعب الجمهوري، جان آتاكلي، بهذه الحقيقة، ويقول في مقطع فيديو نشره في موقع يوتيوب، إن احتمال وقوع انقلاب عسكري ضئيل للغاية في الظروف الراهنة. ثم يتحدث عن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الغضب الشعبي وإسقاط أردوغان، ويعدُّ من بين تلك الأسباب، الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والسيول والحرائق الكبيرة التي تسفر عن مقتل عدد كبير من المواطنين، ثم يضيف أن هزيمة عسكرية مدوية تمنى بها تركيا في الخارج ستكون أفضل سبب لإسقاط رئيس الجمهورية.

حزب الشعب الجمهوري، بهذه الحالة الروحية التي بلغت حد الجنون لتتمنى حرق البلاد وموت عشرات الآلاف من المواطنين، حرَّك في إسطنبول عناصر مجموعات يسارية متطرفة بحجة الاحتجاج على تعيين رئيس جديد لجامعة بوغازيتشي، في محاولة لتكرار أحداث "غزي باركي" التي شهدتها إسطنبول وبعض المدن الأخرى في صيف 2013. وبعد محاولة الاشتباك مع قوات الأمن، تم اعتقال 17 من المتظاهرين. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية التركية، إن 15 من المعتقلين ليسوا من طلاب الجامعة المذكورة، ولا علاقة لهم بها، ومؤكدا أن بعضهم ينتمون إلى الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني المحظور. وكانت رئيسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري، جانان كافتانجي أوغلو، قد سبق أن أعلنت تعاطفها مع هذا الحزب اليساري المتطرف الذي يصنف تنظيما إرهابيا لدعوته إلى العمليات المسلحة وقيامه بهجمات إرهابية.

نجاح محاولات الانقلاب والتحركات المشبوهة اليوم أصعب من ذي قبل؛ لأن أجهزة الدولة التركية في صيف 2013 كانت مخترقة من قبل خلايا الكيان الموازي، كما أن الحكومة آنذاك لم تدرك حجم المخطط في بداية الأحداث. أما اليوم فلدى قوات الأمن والاستخبارات خبرة واسعة في التعامل مع تلك الأحداث، كما تم تطهير الخلايا النائمة من أجهزة الدولة إلى حد كبير. وإضافة إلى ذلك، عاش الشعب التركي تجربة ناجحة في التصدي لمحاولة الانقلاب، الأمر الذي عزَّز ثقته بأنه قدر على إفشال مثل هذه المحاولات، وأدَّى إلى تقوية إيمانه بضرورة الدفاع عن إرادته الحرة، مهما كان الثمن.

twitter.com/ismail_yasa
1
التعليقات (1)
سليمان كرال اوغلو
الجمعة، 08-01-2021 11:47 ص
يا أخي أستاذ إسماعيل :ما حصل في جامعة بوغازيتشي من تظاهرة ، قامت مواقع الانترنت التابعة للإمارات و لمصر و لجماعة "غولن" و لحزب الشعب الجمهوري بتغطيتها بشكل غير عادي ، و ذكروا أن الباشقان رجب طيب اردوغان قام بتعيين وصي على الجامعة و اعتبروا أنه ليس رئيساً للجامعة و بالطبع تبين أنهم قد حشدوا شباناً ليسوا من طلاب الجامعة لتكبير عدد المتظاهرين . الغريب أنهم قالوا عن الباشقان أنه ديكتاتور و رفعوا لافتات اعتراض عليها صور ماركس و كأن هذا الأخير لم يكن ديكتاتوراً . ماركس هذا كان من أشد الحاقدين على تركيا و الأتراك و كان يصفهم بالهمج أو الرعاع الذين يجب طردهم من استانبول و الأناضول. في جميع البلدان المحيطة بتركيا مع تضمين الإمارات و مصر ، رؤساء الجامعات يقوم بتعيينهم رأس الدولة بل و يمكن أن يستمر رئيس الجامعة في منصبه ما يزيد عن 20 عاماً من دون اعتراض من أحد سواء كانوا طلبة أو أعضاء هيئة تدريس . أنا لم أرى في أوروبا ، التي عشت فيها سنوات طويلة ، سوى تعيين رؤساء جامعات من خارج الجامعة أي بدون انتخابات داخلية و لم أرى أي احتجاج على تغيير رئيس جامعتي مرتين خلال 5 سنوات بقرار خارجي. لي عتب على صناع القرار في تركيا (الذين أنا أكبر في السن من غالبيتهم) : لقد استثمرتم كثيراً في مشاريع مادية رائعة و لكن الأهم من ذلك إدراك أن المعركة الأساسية في العالم هي معركة ثقافية ولذلك يتوجب أن يتم الاستثمار في بناء العقول منذ السنة الأولى في المدرسة و حتى سنوات الجامعة . المطلوب إعادة النظر في المناهج الدراسية للمدارس لأن فيها تجاوزات خطيرة ثم تربية الشباب و الشابات على ما فيه انتماء للأمة و لتراثها الحضاري و ما يخدم مصلحة الأمة . لن يتربى الجيل الجديد بشكل جيد من خلال محطات التلفاز أو الإعلام الخارجي أو وسائل التواصل أو النيتفلكس .

خبر عاجل