أفكَار

خبير دولي: الدول العربية بحاجة لتقاسم الثروة والسلطة

خبير تونسي: تونس مهددة بـ "حرب أهلية "وانهيار تجربتها الديمقراطية (عربي21)
خبير تونسي: تونس مهددة بـ "حرب أهلية "وانهيار تجربتها الديمقراطية (عربي21)

الخبير الدولي في القانون والنزاعات المسلحة والتسوية السياسية للأزمات هيكل بن محفوظ خاض تجارب ميدانية مع مؤسسات دولية وأممية في مهماتها القانونية والحقوقية والسياسية في عدد من بؤر التوتر من بينها العراق واليمن وليييا ..وهو من بين أبرز أساتذة القانون الدستوري والقانون الدولي في الجامعة التونسية وفي مؤسسات علمية وقضائية عالمية .

الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى هيكل بن محفوظ وأجرى معه هذا الحوار الحصري لـ "عربي21" حول وضع المنطقة بعد 10 أعوام عن اندلاع الثورات العربية وانهيار عدد من الأنظمة واندلاع حروب بالوكالة في أغلبها، وشمل الحوار مقترحات وتوصيات للتسوية السياسية بهدف إنقاذ مسارات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي و"الانتقال الديمقراطي". 

 



س ـ أستاذ هيكل بن محفوظ.. من خلال تجربتك الميدانية في متابعة النزاعات المسلحة والصراعات السياسية في عدد من الدول العربية، من بينها العراق واليمن، وفي بلدان أخرى تشهد صراعات سياسية عنيفة مثل تونس، كيف تفسر متغيرات الخارطة السياسية والجيو استراتيجية للوطن العربي؟


 ـ الصراعات في المنطقة العربية أصبحت تقليدية، بعضها لديه بعد إقليمي ودولي مثل اليمن وليبيا، تغذيها "لعبة المحاور". والبعض من تلك الصراعات ناجمة عن تفكك الأنظمة السياسية القديمة، مثل النظامين السوري والعراقي، وهي تقاوم من أجل البقاء.. وتعقد أوضاعها بعد أن أصبحت ميدانا لصراعات مسلحة مع قوى "التطرف العنيف".
 
وقد كان العراق أول الأمر ساحة صراعات إقليمية ودولية وأصبحت أزماته اليوم مرتبطة أساسا بمسار إعادة البناء.  

في المقابل فإن أزمة بعض البلدان العربية ناجمة أساسا عن فشل نظامها السياسي القديم وعجز مؤسساته ومنظومته عن الصمود في وجه المتغيرات الداخلية والإقليمية. ولم تنجح في إنجاز الاصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة فانهارت على غرار ما حصل في السودان.. وتونس تعاني بدورها أزمات حادثة منذ انهيار نظامها السياسي في 2011 وتبدو اليوم مهددة بمخاطر كثيرة وحرب أهلية باردة، رغم النجاحات في تجنب "الأسوأ" أي النزاع المسلح والعنف الشامل.

وعموما تكشف الخارطة الجيوسياسية الإقليمة أن ما يجمع بين تونس "الهادئة" وبلدان "النزاعات المسلحة" الصراع حول السلطة والثورة وعجز القيادات عن تسويته سياسيا..

منذ 2011 تشهد أغلب الدول العربية، بما فيها تونس المسالمة، صراعات حول منظومة الحكم والثروة.. الآن استفحلت الصراعات حول الإيرادات النفطية والفوسفات والوظائف والتعويضات .. وتعفن الوضع بسبب تجزئة السلطة ومنظومة الحكم وبسبب المحاصة الحزبية في مستوى الحكومة والإدارة المركزية والجهورية.. وبات واضحا أن السياسيين عجزوا عن تحقيق إجماع وطني حول المشترك السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وجاء وباء "الكوفيد" فتعمقت الأزمة.. وأصبحت الدولة مهددة في وحدتها ووجودها ..

المعالجة محلية أم دولية؟

س ـ من خلال مشاركتك في برامج دولية عديدة لتسوية النزاعات هل تعتقد أن التسوية الأنجع تكون داخلية أم خارجية؟


 ـ في كل الحالات الحل لا يكون إلا داخليا ..لكن عند تفكك الدولة وتهديد الأمن الإقليمي والدولي يفرض خيار التدخل لأسباب إنسانية.. والبعض قد يستغل الوضع خدمة لأجندات أجنبية.. ومن الناحية القانونية والأخلاقية لا يكون التدخل الأجنبي شرعيا ينبغي إلا إذا جاء لضمان تسوية سياسية ..

في الخليج مثلا تبنت "قمة العلا" المصالحة، والمؤمل أن تكون تمهيدا لتسوية سياسية داخلية لحرب اليمن ولتسوية سياسية يمنية ـ يمنية.
 
وفي ليبيا طالت الأزمة بسبب تعدد مصادر ضخ السلاح الأجنبي إلى الأطراف الليبية المتصارعة.. والأهم اليوم أن يؤدي التدخل السياسي الدولي إلى تسوية النزاعات المسلحة وإلى إعادة البناء ..

س ـ وماذا عن أزمة تونس بعد 10 أعوام عن ثورتها؟


 ـ في تونس الوضع مختلف.. اندلعت ثورة رفعت أساسا مطالب اجتماعية لكن النخب الحاكمة المتعاقبة فشلت في مهماتها .

تونس اليوم ليست في مرحلة صراع مسلح..ولكنها تعاني من صراعات علنية نسبيا بين المؤسسات.. ويجب تجنب سيناريو تطورها إلى عنف خطير ومواجهات... لذلك لا بد من إيجاد آليات سياسية للتسوية عبر مسارات متكاملة ومتزامنة ، بما يجنب البلاد أزمات أعمق .

تقاسم الثروة والسلطة؟

س ـ من خلال تجربتك الميدانية في إقليم كردستان العراق هل تعتبر أن خيار تقسيم الدول إلى "أقاليم" ضمن "اتحاد فيديرالي" مخرج لأزمات بعض الدول مثل ليبيا واليمن والسودان وسوريا؟


 ـ لا أعتقد أن تعامل بعض العواصم مع "المطالب الكردية" كان ناجحا.. والدليل أن "إقليم كردستان" لم يندمج في محيطه الوطني العراق الموحد.. لم يحقق الاندماج في إطار نظام اتحادي كان مقررا أن يضمن وحدة دولة العراق.
 
صحيح أن دستور 2005 في العراق اعتمد النظام الاتحادي.. لكنه نص على وجود "مكون إقليمي" واحد داخله هو كردستان وليس حول مجموعة من الأقاليم.. والصراع لا يزال قائما مثلما بدأ، ليس حول قضايا الهوية وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان بل حول إيرادات النفط .

ومن بين أسباب الخلاقات السياسية والصراعات والأزمة الاقتصادية الخانقة في إقليم كردستان أن ثروته النفطية التي تشرف عليها السلطة المركزية وتصدرها لا يعاد استثمارها في الإقليم .

في نفس الوقت عندما يبيع الإقليم جانبا من الثروة النفطية لا يعطي حصة النظام الاتحادي أي إلى السلطة المركزية في بغداد.. وهو ما عمق تفكك الدولة.. بما لا يخدم الاندماج والانسجام ..لذلك فإن الحل يبدأ بـ "تسوية سياسية" تعتمد توزيعا عادلة للسلطة والثروة.. والإشكالية في هذين العنصرين ..

في ليبيا أيضا طالب البعض باعتماد "النظام الاتحادي (الفيدرالي)".. وفي اليمن دعوات إلى نظام اتحادي بعد تقسيم االبلاد إلى 5 أو 6 أقاليم.. بما يعني إعادة توزيع الثورات بين القوى السياسية ومجموعات المصالح  ..

وهذه المقاربة غير ناجعة وخطيرة.. ومن الخطير أن يطالب البعض في تونس بتجزئة البلد واحتكار بعض الجهات للثورات الوطنية المشتركة مثل الفوسفات والنفط والغاز ..
 
بلدان نجحت ..

س ـ هل هناك تجارب ناجعة للتوفيق بين شرعية المطالب " الجهوية " وط الاقليمية " والوحدة الوطنية؟


 ـ في بعض البلدان مثل جنوب إفريقيا وكينيا والسودان وقع إحداث " صندوق إيرادات".. أي تجميع كل مداخيل النفط وبقية الثروات في صندوق مركزي وطني ثم توزع حصصا على الولايات والجهات أوالاقاليم.. مع محاولة ضمان قدر من الإنصاف والعدالة بينها حسب مساهمتها وحسب حاجياتها.. وتخصيص نسبة من الموارد للدولة الوطنية ..وفي كل الحالات يجب تجنب سيناريوهات تفكك الدولة، مثلا عبر إحداث "صناديق للاستثمار" للجهات تشرف عليها السلطة المركزية ..

تهديد للأمن القومي؟

س ـ الخلل بين الجهات والمحافظات هل يمكن أن يتطور الى تهديد الى الامن القومي ؟


  ـ معضلة الخلل بين الجهات مهمة جدا.. ويجب أن تعالج ضمن تصور وطني بعيدا عن تشجيع النعرات الانفصالية والجهوية والقبلية.. وهنا يفترض أن يتحقق اجماع حول الامن الوطني وقضايا التنمية ..خاصة عندما تكون الدولة صغيرة وثرواتها محدودة مثل تونس ..حاليا ليس هناك ارادة واضحة  ويسجل تغييب الوعي بالقضايا الرئيسية ..لكن المخاطر حقيقية.. فقد برزت مرارا في بعض المحافظات الحدودية دعوات الى الانفصال مع التهديد ب"الهجرة الجماعية".

وقد كشفت أحداث العنف في الملاعب وخارجها وجود مطالب سياسية اجتماعية وتوظيفا للنعرات القبلية والجهوية والايديولوجية..وهي تهديدات ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في مرحلة استفحال عجز الدولة عن تحقيق الخدمات الصحية والاجتماعية مثل التعليم والنقل ..

مؤشرات العنف السياسي تتضاعف، بما في ذلك في بلدان مثل تونس، والحل يبدأ بضمان الحوار والتواصل بين السلطات ومكونات منظومة الحكم. كما يجب ضمان الاستقرار السياسي عبر تأكيد الثقة في الدولة ومؤسساتها في جميع المستويات.. وتوقف كل الأطراف عن تغذية الصراعات ..

س ـ من خلال تجاربك في عدة بلدان ومناطق ومواكبتك لنماذج معالجة عديدة؟ ما هي التجارب الانجع؟ 


 ـ كل تجربة لها سياقها وتمر بمتغيرات.. في بعض البلدان مثل العراق كان الاعتماد على الإنتاج ألفلاحي والصناعات الغذائية كبيرا.. حاليا تعتمد الدولة أكثر على التوريد لأن الحروب والنزاعات ضربت منظومة الانتاج الزراعي ..كما أصبح البحث عن مصالح جهوية وحزبية وسياسية ضيقة يعطى الاولوية على اعادة البناء .

في المقابل فإن تونس نجحت في تجنب النزاعات والصراعات المسلحة لكن ساستها يحتاجون وقفة تأمل حقيقية ..

التوافق السياسي أولوية 

س ـ هناك من يعتبر أن الأولوية اليوم وفي دول الثورات العربية "العودة للتوافق السياسي"؟


 ـ نعم التوافق مطلوب.. لكنه لا يعني الاتفاقات الهشة.. التي تنال من الوحدة الوطنية .والتوافق يجب أن يؤدي إلى اعادة بناء منوال تنموي جديد.. لتجنب الاسباب العميقة التي تسببت في الاضطرابات والأزمات السابقة ..وعدم معالجة مثل هذه الاسباب دفع البعض الى الحديث عن "الحاجة الى إعادة بناء والى برامج إعمار".. وميزة بعض البلدان، مثل تونس، أنها يمكن أن تنجز الإصلاح وإعادة البناء بطريقة سلسلة لانها لم نمر بنزاع مسلح مماثل لما جرى في العراق واليمن وليبيا وسوريا..

ميزانيات الدفاع والداخلية 

لكن الإحصائيات تكشف في تونس نفسها أن موازنات الدفاع والداخلية تضاعفت حوالي 3 مرات بعد 2015 ارتفعت موازنتا الدفاع والداخلية.. لكن من حسن حظ تونس أن أعطيت الأولوية مجددا إلى قطاعات التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية الصحة..

انتخابات سابقة لأوانها؟

س ـ بعد 10 أعوام عن الثورة التونسية، تتنوع أزمات البلاد وهناك من يطالب بتنظيم انتخابات رئاسية أو تشريعية جديدة فيما يطالب آخرون بالتمسك بشرعية الانتخابات؟


 ـ في 2013 طالب البعض بإسقاط المجلس الوطني التأسيسي والحكومة.. وتمسك البعض الآخر بدعم المؤسسات المنتخبة مع تعزيزها بالية "الحوار الوطني" ..

في اليمن أيضا تشهد البلاد خلافا بين من يطالب باحترام "المرجعيات" بينما يدعو آخرون إلى حل كل المؤسسات بما فيها البرلمان. وحجة هؤلاء أن آخر انتخابات شهدها اليمن كانت في 2003، وحوالي ثلث البرلمان القديم ماتوا.. شخصيا أنا مع الانطلاق من المؤسسات الشرعية على نقائصها ..وفي تونس بالذات ينبغي احترام المؤسسات الشرعية وعدم دفع البلاد نحو المجهول، بسبب سيناريو حل البرلمان والدعوة الى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ..لكني مع التوافق على مرحلة انتقالية تعالج منظومة الحكم بحلول بديلة حسب مراحل محددة ومتفق عليها.. وفي أفق سنتين يمكن حل البرلمان وتنظيم انتخابات سابقة لاوانها ..

في الأثناء يمكن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تنجز الإصلاحات المتفق عليها والتي تضمن الاستمرارية والاستقرار وديمومة الدولة وإرجاع الثقة في الأطراف والفاعلين الرئيسيين ..

التعليقات (1)
عفيف
الثلاثاء، 19-01-2021 02:04 م
حوار ممتاز
الأكثر قراءة اليوم