مقالات مختارة

والكيد في تونس..

محمد الهادي الحسني
1300x600
1300x600

غطى النسيان وحوادث الزمان على كثير مما حفظته من أشعار، ولم يُبق منها إلا قليلا، ومن هذا القليل بيت استعصى على كرّ الجديدين، يقول فيه صاحبه:


لعمرك ما ألفيت تونس كآسمها               ولكنني ألفيتها وهي توحش


ولعل هذا البيت مما زهّدني في الإكثار من زيارة تونس، إذ لم أزرها إلا مرتين في عهد “المجاهد الأكبر” على كثرة الدواعي إلى زيارتها.. ولا شك في أن تزهيدي في زيارتها ما كنت أقرأه وأسمعه من تجاوزات بورقيبة و”عصابته” و”وسيلته”، ثم تجاوزات خليفته ابن علي و”عصابته” و”ليلاه”..
وبعدما ثار الشعب التونسي، وهرب كبير الفاسدين والمفسدين لم تتبدل كثيرا أحوال تونس، إذ كما يقال:
لا يقتضي تغيّر الأحوال              ذهاب وال ومجيء وال


وجاء “قيس”، ولم تسترح نفسي إليه، خاصة بعد “استنانه” بـ “سنّة بوتفليقة” في تقبيله الرئيس الفرنسي ما كرون.. لم يطل صبر “قيس” كثيرا فخرج علينا بـ”سنّته الفرعونية” وقال لقومه بلسان الحال: “أنا ربكم الأعلى”، و”ما أريكم إلا ما أرى”، ولئن اتخذتم رأيا غير رأيي لأعذبنكم عذابا نكرا.. وبـ”الدستور”.. وكم من جرائم ترتكب باسمك أيها الدستور لقد ذكرني ما وقع في تونس بمقال نشره الإمام محمد البشير الإبراهيمي منذ سبعين سنة، حلل فيه أوضاع العالم الإسلامي من “طنجة إلى جاكرتا”، وأكثر ما جاء فيه هو مما وقع آنذاك، أو مما يقع الآن تحت أسماعنا وأبصارنا.. قال الإمام، وقوله حق: “والكيد في تونس يسلط الأخ على أخيه، وينام ملء عينيه”. (البصائر في 2 جويلية 1951).
كانت تونس آنذاك تعيش معيشة ضنكا تحت سيطرة العدو الفرنسي اللعين، وكان الشعب التونسي يناضل للتحرر من هذا العدو الصليبي المتوحش، وجاء جهاد الشعب الجزائري ليجبر هذا العدو على “منح” تونس – مع جارنا الغربي- “استقلالا خديجا” ليتفرغ للقضاء على جهادنا المبارك، ثم يسترد ما “منحه” للشعبين الشقيقين والشعوب الإفريقية التي ابتليت بهذا العدو المتوحش، وما تزال مبتلات به.
ولأن هذا العدو المتوحش كل شيء عنده بحسبان فقد سلّم أمر تونس لأحد من أعدهم على عينيه، وهو من سمى نفسه “المجاهد الأكبر”، الذي واصل سياسة “الكيد” ضد أحرار تونس، وضد قيمها، ومبادئها، ولم ينج من هذا “الكيد” حتى أقرب الناس إليه، ثم شمله هو أيضا هذا “الكيد” من عضده، “زين الهاربين” الذي استمر في أسلوب “الكيد” إلى أن نجّى الله – عز وجل- تونس منه ومن عصابته..
ومنذ عشر سنوات وتونس تعيش في “كيد مستمر”، وهو في هذه المرة كيد مزدوج، نصفه تمثله فرنسا عن طريق “حزبها” هناك، ونحن نعرفهم كما نعرف “حزبها” عندنا، و”حزبها” عند جارنا الغربي..
ولأن فرنسا تخشى أن تصاب بـ “شلل نصفي” إن قضي على “أحزابها” في “حديقتها” الخلفية، فهي لا تنام، إمدادا لهم بـ “مشاريع الكيد”، أما النصف الآخر من “الكيد” فيتولاه “حزب الأعراب” في تونس الذين يضيقون بما يسمونه “الإسلام السياسي”، لأنهم يريدون “إسلاما” يحل لهم الخبائث، ويغمض عينيه عن جرائمهم ضد دينهم وقومهم. حفظ الله – عز وجل- تونس من كيد الكائدين، وتربص المتربصين، وردّ كيدهم في نحورهم.. ويا ويلهم من وعيد الله و”كيده” الذي لن يتأخر أجله وإن طال..

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)