كتاب عربي 21

عقوبات ربيع العرب!!

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

عنوان المقال يبدو غريبا، إذ ما هي العقوبات، ومن الذي يفرضها وعلى من؟!
هل يتعلق الأمر بالقوى المتحكمة في الداخل، أم بالقوى الخارجية التي باتت عديدة، ولها سطوتها؛ على تفاوت بينها في السطوة، على تفاوت بين حضورها في هذا البلد أو ذاك؟


الحق أننا نتحدث بشكل أساسي عن العقوبات التي طالت وتطال شعوبنا، بسبب ثوراتها في "ربيع العرب"، والتي يتولّى كبرها محور "الثورة المضادة"، وتشمل دولا أخرى ليس فاعلة في هذا المحور، لكنها كانت جزءا من منظومة أصيبت بالذعر جراء تقدم "الربيع" من بلد إلى آخر، وظنت أنها على وشك التعرّض لعواصفه.


قلنا مرارا إن عداء "الثورة المضادة" لـ"الربيع العربي"، لا يتعلق بالأيديولوجيا، بل بمطالب الإصلاح والتغيير التي حملها، والتي لخّصها كثيرون في الحرية والعدالة والعيش الكريم، بجانب التحرّر من سطوة القوى الخارجية، وتحقيق الاستقلال الحقيقي لدولنا، وهي مطالب لم يكن لها أفق من دون تغيير منظومة الحكم القائمة على تحالف السياسة مع الأمن مع رأس المال خلال العقود الأخيرة التي سبقت الانطلاقة من تونس 2011.


ما هي العقوبات؟


نفتح قوسا هنا لنقول إنه لما كانت قوى ما يعرف بـ"الإسلام السياسي"؛ هي الأقوى والأكثر تنظيما، فقد كانت العقوبات موجّهة نحوها بشكل واضح، من خلال عملية استهداف مبرمجة، بلغت حد السحق في بعض الدول.


لكن ذلك لم يكن كل شيء، فقد توصّل المعنيون إلى قناعة بأن التديّن هو الذي يمنح الحاضنة الشعبية لتلك القوى، ولعموم حالة الرفض؛ ما يفرض استهدافه بشكل مباشر، وتبعا له الدين ذاته؛ عبر رسم مساراته الجديدة.


اليوم هناك استهداف واضح للتديّن، بل للدين في أكثر الدول العربية، الأمر الذي يتم عبر التشكيك فيه بكل وسيلة ممكنة، بجانب نشر نمط تديّن صوفي، يُخرج الإنسان من دائرة الفعل والتأثير؛ ليس في السياق السياسي وحسب، بل وفي السياق العام بكل تجلياته، بدليل استهداف التيار السلفي (الجامي) الذي كان يمنح الحاكم صلاحيات مطلقة في شؤون الدين والدنيا، لا لشيء إلا لأنه يعزّز حالة التديّن، وله تأثيراته الاجتماعية أيضا.


كل ما يجري على صعيد الدين، وعلى صعيد تغيير العادات الاجتماعية، إنما يستهدف ضرب كل تداعيات ما يعرف بالصحوة الإسلامية، والتي بلغت ذروتها في الألفية الجديدة، سواء في البعد السياسي العام، أم في البعد "المسلح"، أم في البعد "الجامي"، أي أن المطلوب هو إعادة الفضاء العام في الدول العربية إلى ما قبل تلك المرحلة، يوم كان التديّن غريبا، وينحصر في كبار السن في المساجد. وإذا كانت تلك المرحلة قد شهدت مدّا يساريا أو قوميا، فإن المطلوب اليوم هو مدٌ إلحادي وتغريبي لا يحمل أي أيديولوجيا ذات صلة بمطالب الجماهير في الإصلاح والتغيير، وسائر قضايا العمل العام.

كل هذه الانقلابات على "الربيع العربي" وشعاراته، لن تفضي لغير زيادة الاحتقان في الشارع. صحيح أن حالة العرب السائدة، والظرف الإقليمي والدولي الغريب في تناقضاته، يدفع أكثرية الشعوب إلى الصمت، لكن ذلك لن يدوم طويلا

الخلاصة أن "الثورة المضادة" قد قرّرت معاقبة المجتمعات العربية في أعز ما تملكه، ممثلا في مدّ الصحوة والتديّن الذي ترك آثارا اجتماعية طيبة من حديث الالتزام الأخلاقي، ومن حيث المسارات الخيرية التي ساعدت الفقراء في معظم الدول، مع دفع الأغنياء في الدول الثرية إلى مدّ يد العون إلى إخوانهم في دول أخرى، وسوى ذلك من التأثيرات الإيجابية.


هنا يأتي الجزء الآخر من العقوبات، ممثلا في البعد الاقتصادي، ففي حين كان شعار العيش الكريم (يتبعه رفض الفساد)، جزءا لا يتجزأ من شعارات "الربيع العربي"، فإن الأمر ينقلب الآن، إذ يتم تبنّي مسارات اقتصادية عنوانها رفع الدعم وسلسلة هائلة من الضرائب والرسوم، والتي تتبنى وصفات صندوق النقد الدولي التي تزيد الفقراء فقرا، والأثرياء ثراء.


أما الجانب الآخر من العقوبات، فيتمثل في استهداف شعار الحرية الذي كان من أولويات "الربيع"، إذ وقع انقلاب شامل على الشعار، حتى رأينا مجتمعات تتم عسكرتها بالكامل، ويطال الأمر كل شيء، بما في ذلك مواقع التواصل التي كان لها دورها في نشر فكرة التغيير، وتتصاعد الملاحقات عبر قوانين الجرائم الإلكترونية، وعبر زجّ الناس في السجون من أجل تغريدة أو "بوست"، بل من أجل "لايك" على "بوست".

 

وفي ذات السياق تتم عمليات استهداف لكل التجمعات التي كان لها دور في الحراك، وفي مقدمتها الجامعات والنقابات، وكذلك الأحزاب، أي إن النتيجة هي استهداف أكثر المنابر، وكذا المنجزات التي سبقت "الربيع العربي" وساهمت في صناعته.


لا يتوقف الأمر عند هذا، بل طال شعار التحرّر أيضا، والذي كان جزءا لا يتجزأ من شعارات "الربيع"، وها نحن نتابع مزيدا من البؤس السياسي، في مواجهة عدوانين تتعرّض لهما الأمّة؛ يتمثّل الأول في المشروع الصهيوني، وفي التبعية للغرب، فيما يتمثّل الثاني في مشروع التمدّد المذهبي الإيراني. وكلاهما يعجز محور "الثورة المضادة" عن مواجهته، بل نرى تواطؤا كبيرا معهما، بخاصة مع المشروع الصهيوني، بينما يتواطأ فريق آخر من ذات المحور مع إيران؛ إن كان بالصمت أم بالعجز أم بخلل الأولويات.


كل هذه الانقلابات على "الربيع العربي" وشعاراته، لن تفضي لغير زيادة الاحتقان في الشارع. صحيح أن حالة العرب السائدة، والظرف الإقليمي والدولي الغريب في تناقضاته، يدفع أكثرية الشعوب إلى الصمت، لكن ذلك لن يدوم طويلا، وقد تأتي الانفجارات القادمة لاحقا، وبالطبع رفضا لكل ذلك في آن: للقمع وللتجويع ولتغيير هوية المجتمعات وللعجز عن مواجهة التحديات الخارجية أيضا.

3
التعليقات (3)
ايوب الشامي
الإثنين، 08-11-2021 09:33 م
المقال شارح ومركز على الهدف ,اليوم لدى الكثير شكوك حول الجماعه اياها تصل الى التحالف الضمني مع الفرس للوصول للسلطه والدلائل لم تعد تخفى على كل ذي لب.
Dr Youssef hammida
الأحد، 07-11-2021 01:17 م
شعارات ثورات "الربيع العربي" الحرية والديمقراطية والدولة المدنية والعيش الكريم لا علاقة لها والإسلام السياسي ولا بالتدين حيث الدين لله والوطن للجميع وفصل الدين عن السلطة واستغلال الدين كما في ايران الإسلام السياسي اختطف ثورات الربيع العربي بعد نجاحها واستغلها للوصول الى الحكم والسلطة ثم اضاعها لأنه انحرف عن تطبيق أهدافها الوطنية الخرية والديمقراطية وان لا اكراه في الدين ويجب فصل السياسة والساسة واهل الإسلام السياسي عن استغلال الدين والتدين السياسة لا دين لها ولا إنسانية ولا عهد وزجها في الدين ليس الا تشويه وتحريفه وتأويله وفق ما يحقق اهواء ورغبات أحزاب وقادة الإسلام السياسي حيث في الإسلام وشرعه والعقيدة لا يوجد شيء اسمه اسلام سياسي
مكارم الأخلاق
الأحد، 07-11-2021 12:07 م
السؤال المهم هو لماذا تختار الشعوب الأحزاب الدينية على غيرهم لأنها تعتقد و تأمل إن وصل هؤلاء إلى الحكم سوف تنتهي السرقة و الفساد إذن هي لا تختارهم لا لحاهم و لا لأقمصتهم و لا سلميتهم الخيالية. "و لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وفي التذكير يقول الحق تبارك وتعالى: "فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".

خبر عاجل