قضايا وآراء

لبنان: الموازنة بداية حل أم فتيل أزمة؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
من الواضح أن دماء جديدة ضخت بشرايين الاقتصاد اللبناني بفعل التعميم 161، وما جرى في اللقاء الشهير بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث تأثرت الأسواق المالية وحركة الصرافين والمصارف بملامسة سعر الصرف هامش 22000 ليرة للدولار. وهناك من يبشر بأن معركة إنزال الدولار من عرشه مستمرة حتى يصل إلى عتبة 12000 وربما العشرة آلاف.. ولكن مهلا يا سادة!! إن ما يجري هو تدخل بطريقة مواربة في السوق، وإن كان لا بأس بها إلا أن مفاعيلها آنية بحتة قد تستمر أسابيع وربما أشهرا قليلة؛ ما لم تقرن بخطة مالية واضحة المعالم عبر الإصلاحات بكل عناوينها ومضامينها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وحُكما القضائية.

لقد انتعشت الأسواق في الشكل بما جرى ماليا ونقديا، خاصة أنه ترافق مع رغبة الثنائي حركة أمل- حزب الله في العودة إلى الحكومة بفعل جملة عوامل؛ تتراوح بين الداخل وحاجة الحليف التيار الوطني إلى جرعة أمل في البلاد، خاصة أن العلاقة تبدو أكثر ضبابية ومعقدة مع حزب الله، فكانت الخطوة بالعودة لطاولة مجلس الوزراء لإرضاء العهد الذي يخسر نتيجة التعطيل، إضافة إلى رغبة الثنائي في حلحلة جملة أمور مالية ونقدية أساسية؛ أولها خطة التعافي التي تساعد في بداية حل المسائل الاجتماعية التي تتفاقم في كل يوم أكثر وهي أولوية في سلم المعنيين.

إن خطة التعافي المذكورة تبدأ من البوابة الأصيلة للسلطة التنفيذية في إرسال الموازنة من الحكومة إلى المجلس النيابي لإقرارها بعد فتح العقد الاستثنائي. وتعد الموازنة حجر أساس لخطة التعافي التي تسعى إليها الحكومة اللبنانية ومعها العديد من الرعاة الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم فرنسا التي ربما ملت من كثرة الطروحات والمبعوثين؛ من دوكان إلى لو دريان وصولا إلى ماكرون الذي زار لبنان بنفسه مرتين، وكذلك زيارة الخليج العربي، للتمهيد للحل، ومرات أخرى بمبعوثيه الرئاسيين ولكن دون جدوى، حيث نتذكر مقولة المسيح عليه السلام: مارته مارته تبحثين في أمور كثيرة والمطلوب واحد. وحقيقة المطلوب هو الإصلاحات التي طال انتظارها.

انطلاقا من ضرورة الإصلاحات يخشى الناس الأحاديث والإشاعات المتطايرة حول الموازنة عن اتفاق يرمى من خلاله إلى زيادة الرسوم على الاتصالات ٢٠ ضعفاً والرسوم الجمركية ١٥ ضعفاً ورسوم المياه ستة أضعاف والرسوم العقارية ١٥ ضعفا ورسم الطابع المالي ١٥ ضعفاً. ويُهمس في الأوساط الشعبية أن كل الطبقة السياسية توافقوا على ضخ الدولارات وامتصاص العملة اللبنانية؛ للتمهيد لإقناع اللبنانيين بأن الدولار سينخفض إلى عشرة آلاف ليرة لبنانية، لكي يتمكنوا من تمرير نصوص قانونية تربط الضرائب والرسوم بسعر الدولار في السوق السوداء، قبل وقف العمل بإجراءات مصرف لبنان الوقتية، فيكون ما كتب قد كتب وساعتئذ بكاء الشعب وصرير الأسنان.

وهنا أيضا.. مهلا يا سادة! كيف لحكومة على أبواب انتخابات نيابية لشعب حانق يكاد يعيش من قلة الموت؛ أن تزيد عليه الضرائب التي ستزيد الطين بلة وتعمق الهوة بين الناس المنتفضة في تشرين 2019 وحتى الساعة، ولكنها لا تقوى على فعل المزيد بسبب الإحباط المتمادي مع الأيام، حيث سياسة التجاهل لصرخة الناس. من هنا لن يجرؤ فريق سياسي واحد على تحمل أعباء مواجهة الناس النازفة، وعليه من الصعب إقرار موازنة مرهقة للناس ضرائبيا. فكيف إن كنا على أبواب انتخابات يطالب بها الداخل المنتفض والخارج المتربص والمراقب؟!!

ولكن بالمقابل، كيف سيمضي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يطالب بموازنة متقشفة في زمن لا يحتمل فيه الشعب مزيدا من التقشف، واقتصاد هابط من 55 مليار دولار إلى 18 مليارا؟! وكيف لخطة التعافي أن تسير إذا بقي الحديث للحاجة الانتخابية عن موازنة أرقام لا موازنة برامج فعلية مقرونة بسياسة مالية واقتصادية واضحة وسياسة اجتماعية قادرة وفاعلة؛ في بلد ثلاثة أرباع شعبه فقراء وأكثر، لا بل ونصف هؤلاء من أصحاب الدخول المتآكلة أمام الدولار المتعملق على الليرة حيث القدرة الشرائية الشبه معدومة؟

إن الحاجة هي لموازنة حقيقية لها القدرة على صيغة موارد جديدة للدولة من أصحاب المليارات المهربة والهاربة بعد ثورة تشرين، لا الاستقواء على شعب أعزل حتى من الحصول على ودائعه المجمدة. من هنا يبدو ضروريا أن تحمل الموازنة مقاربة جديدة لضبط مالية الدولة، وتعزيز الشفافية ووضوح كل البيانات والأهداف القادمة مع ربطها ببرنامج زماني واضح. كذلك من المهم صياغة آلية لبلورة توحيد سعر الدولار، فلا تكون الموازنة في حالة تذبذب يومي وكأنها تتراقص مع سعر الدولار، فتذهب الخطط والرؤى في مهب الريح بفعل التضخم القاتل.

لا شك أن الموازنة ركن أساسي في بقاء الدولة وهيبة الدولة في تحصيل إيراداتها وضبط نفقاتها، ولكن في زمن اللا يقين اللبناني السياسي والاقتصادي والمالي يُخشى من أن تصبح الموازنة عالقة بين أن تكون بداية طريق الألف ميل للتعافي أو بداية فتيل قد ينسف البلد بما فيه من سلطات.
التعليقات (0)