ملفات وتقارير

ما هي معالم "النظام العالمي الجديد" الذي يتم الحديث عنه؟

يرى محللون أن الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت نقطة التصادم بين برزخي "نظام شرطي العالم" و"نظام موسكو المنشود"
يرى محللون أن الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت نقطة التصادم بين برزخي "نظام شرطي العالم" و"نظام موسكو المنشود"

لم تخل النشرات الإخبارية والتقارير الإعلامية، في الأشهر الأخيرة، من لفظ "النظام العالمي الجديد"، الذي تحدث عنه رئيس الولايات المتحدة مؤخرا، ودعا لتطبيقه رئيس الاتحاد الروسي منذ سنوات، وكرر المطالبة به إبان الحرب على أوكرانيا.

 

ويرى محللون أن الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت نقطة التصادم بين برزخي "نظام شرطي العالم" و"نظام موسكو المنشود"، فما بعد حرب "كييف-موسكو" لا يشبه ما قبلها.. فإما نظام عالمي أحادي القطب بزعامة واشنطن وإما نظام دولي متعدد الأقطاب، وفقا لمنظور موسكو.

 

وفي 21 آذار/ مارس الماضي، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن أثناء اجتماع ضم قادة شركات"جنرال موتورز" و"أبل" و"أمازون": "سيكون هناك نظام عالمي جديد، وعلينا أن نتولّى قيادته.. وخلال ذلك، علينا أن نوحد بقية العالم الحر".

 

ومطلع آذار/ مارس الماضي، قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إن "على شركائنا ألا يدفعونا إلى الخروج من النظام العالمي".

 

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الإنسانية دخلت في عهد جديد منذ ثلاثة عقود، حيث بدأ البحث عن توازن جديد وأساس للنظام العالمي.

وقال بوتين في كلمة ألقاها في الجلسة الختامية للاجتماع السنوي الـ18 لمنتدى فالداي الدولي، في مدينة سوتشي، إن "الهيمنة الغربية تتراجع أمام المنظومة المتعددة وهذا أمر جديد في النظام العالمي"، موضحا أن "الثورة هي السبيل إلى تفاقم الأزمة وليس الخروج منها".

 

 

وفي السياق ذاته، قال مدير معهد كارنيغي في موسكو، ديمتري ترينين، في تقرير نشرته "دويتشه فيلله" الألمانية، في سنة 201، إن روسيا تريد "الحيلولة دون هزيمة الأسد وسيطرة داعش على دمشق".

 

ورأى الخبير الروسي، أنه "كما هو الحال في أوكرانيا، فإن سوريا هي خطوة موجهة ضد النظام العالمي الحالي، الذي يقرر قضايا الحرب والسلام من خلال الولايات المتحدة وحلفائها"، ويضيف ترينين أن "بوتين كسر هذا المبدأ".

 

وفي تسعينيات القرن الماضي، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، زبيغنيو بريجنسكي إنه "من دون أوكرانيا لن تعود روسيا إمبراطورية"، بحسب ما جاء في مقال في موقع "مودرن دبلوماسي".

 

ماهو النظام العالمي؟

 

ومنذ عام 1945، تسعى الولايات المتحدة، للدفاع عن مصالحها العالمية من خلال إنشاء مؤسسات اقتصادية دولية ورعايتها، ومنظمات أمنية إقليمية، ومعايير سياسية ليبرالية؛ ويشار إليها بعبارة النظام الدولي.

وكشفت إحدى الوثائق الرئيسة الخاصة بالأمن القومي الأمريكي، وذلك في أوج الحرب الباردة، أنه يجب على واشنطن أن تظل ملتزمة بهدفها نحو منتظم دولي أكثر نظاما من أجل مواجهة التحدي السوفييتي، وفقا لوثيقة بحثية نشرتها، "منظمة راند للأبحاث".

 

وتستفيد الولايات المتحدة من الظهور التدريجي للقواعد والمعايير والأعراف الدولية التي تعمل على استقرار السياسات العالمية، ومن ثم حماية المصالح الأمريكية.

 

وبرهنت الوثيقة على "أنه في حالة عدم وجود الاتحاد السوفييتي من الأساس، فإن الولايات المتحدة ستظل تواجه حقيقة غياب النظام بين الدول في عالم آخذ في التضاؤل، وهو أمر غير مقبول".

 

ماهو النظام العالمي الجديد؟

 

وقال المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن الهدف الرئيس من النظام العالمي الجديد، هو الانتقال من مرحلة الهيمنة الأمريكية إلى مرحلة تعدد الأقطاب حيث يكون هناك احترام للمصالح المتبادلة والمشتركة، عن طريق تقوية الدول في مناطق مختلفة وزيادة دور المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة شنغهاي للتعاون".

 

وأوضح أونتيكوف أن الطموح الروسي لا يهدف لإزالة الولايات المتحدة من خارطة العالم أو إضعافها وتفتيتها.. أمريكا هي دولة قوية ويجب أن تكون جزءا من هذا النظام الجديد وأحد أقطابه.

  

أبعاد النظام العالمي الجديد؟

 

ورأى، الكاتب والخبير في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، أن روسيا لم تكن راضية عن وضعها في عالم ما بعد الحرب الباردة، حيث حاولت أن تقوم باستدراكات معينة في عهد الرئيس بوريس يلتسين".

 

وأوضح في تصريح خاص لـ "عربي21"، أن "روسيا حريصة على تثبيت وضعية معينة، تصفها في موسكو بـ"النظام العالمي الجديد"، حيث يطمح الكريملين لتحقيق هذا النظام أملا في إعادة تشكيل نظام دولي بعيدا عن أحادية القطبية بقيادة واشنطن".

وتابع بأن "موسكو تحدثت عن أن دولا قليلة العدد تتحكم في النظام الدولي وتقصد الهيمنة الأمريكية الغربية على النظام الدولي وتحاول إعادة ترتيب الوضع، بينما في المقابل نجد حديثا في أوساط إدارة بايدن، عن نظام عالمي جديد، باستقطاب معين يعيد للأذهان الحرب الباردة".

 

من جهته، قال أونتيكوف: "روسيا تصر على هذه الفكرة لأنه سابقا كان هناك قطبان، الاتحاد السوفييتي وأمريكا.. وثم بعد انهيار الاتحاد، ظهر القطب الواحد بزعامة واشنطن".

 

وتابع: "الآن حان الوقت، للتخلي عن فكرة القطب الواحد والانتقال التدريجي إلى نظام متعدد الأقطاب".

 

بايدن.. رصاصة رحمة

 

ولفت شاكر إلى أن "إدارة بايدن عندما استهلت عهدها، تحدثت عن مفاهيم تعود إلى الحرب الباردة مثل العالم الحر و الدول التي تتبى الديمقراطية و الحرية كعنوان لاستقطاب جديد و تكرر هذا التعبير من إدارة الرئيس بايدن لدرجة الحديث عن عالم جديد".

وقال: "هذا يشير إلى رغبة أمريكا لوجود استقطاب دولي حولها، تثبت فيه وضعيتها التي نشأت ما بعد الحرب الباردة، لكن النتيجة نحن لدينا إستعادة لأجواء الحرب الباردة".

 

بدوره رأى المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، أنه "في هذه المرحلة، من غير المقبول أن تحدد واشنطن مصير دول مختلفة، ومن غبر المقبول أن تقرر أمريكا إسقاط نظام في أي دولة.. من غير المقبول خضوع أغلب دول العالم للمصالح الأمريكية".

وأضاف: "نحن بحاجة لنظام جديد حيث يوجد دور قوي للاتحاد الأوروبي على سبيل، عكس الدور الذي يلعبه حاليا بخضوعه للقرار الأمريكي.. وهذا أمر غير منطقي".

 

أوكرانيا.. شرارة النظام الجديد


وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية، إلى أن حرب أوكرانيا الحالية تكشف عن تطلع روسيا لإقامة نظام عالمي جديد، يقوم على جملة من المرتكزات منها جاهزية الحضور العسكري، وضمان أمان الحزام الاستراتيجي حول موسكو، والذي يتمثل في الجارة أوكرانيا وفي الجمهوريات السوفيتية المستقلة.

 

وأشار إلى أن "الوضع العسكري الميداني الروسي في أوكرانيا يبدو أنه ضعيف أو أقل من الذي توقعته القيادة الروسية و ثمة تعثر ميداني لروسيا في أوكرانيا".

 

وفي المقابل، قال الدبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف في تصريح خاص لـ "عربي21" إن النظام العالمي الجديد يقرر على ميدان الحرب في أوكرانيا، لأن هذه الحرب ليست بين موسكو وكييف بل هذه حرب روسيا مع حلف شمال الأطلسي.


وأضاف ماتوزوف: "هذا الحلف يشترك في حرب ضد روسيا بالوكالة و مع الأسف الشديد، إخواننا الأوكرانيون لا يفهمون هذا الحقيقة المرة، ولكن نحن مضطرون أن نكافح جيش دولة أخت وصديقة، وفي الماضي كنا دولة واحدة، وجزء من الدولة السوفييتية السابقة".


وتابع: "نحن نشاهد مبادرة أمريكية، أفشلتها روسيا بإرسال القوات المسلحة للرد على كل الحركات النازية المتشددة والصهيونية لأن حكومة أوكرانيا صهيونية، بدءا من الرئيس زيلنسكي و رئيس وزرائه و 60 في المئة من البرلمان الأوكراني هم من يهود أوكرانيا".


وشدد الدبلوماسي الروسي السابق: "هم يعتبرون أنفسهم يكافحون روسيا، لا.. ولا ..ولا ثالثة".

 

نظام اقتصادي جديد؟


وأوضح الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، أن روسيا تحاول أن تتعامل مع الهجمة الإقتصادية الكبيرة والضارية عليها من الدول الغربية، وهذا يمثل اختبارا كبيرا عليها، كما يتعلق بترتيبات اقتصادية خارجية كما يتجلى في لشراكة مع الصين والتبادل بالعملات الروبل و اليوان وأيضا العلاقات المتبادلة مع الهند .

 

وقال: "نحن نشهد هذا الاستقطاب الغربي والحملة المتعددة الجهات الموجهة ضد روسيا في الميدان الأوكراني عن طريق دعم القوات الأوكرانية عسكريا وماليا ولوجيستيا".

 

وأضاف: "نستطيع القول إن نجاح روسيا في تجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها وقدرتها على التعامل مع التحدي الميداني في أوكرانيا سيكونان لهما اثر مهم في تثبيت تصور روسيا لنظام عالمي جديد".

 

وتابع: "حزمة العقوبات التي وصفت بأنها مؤلمة من الجانب الروسي تشير إلى رغبة امريكية في فرض واقع دولي جديد يقوم على الاستقطاب الواضح".

 

العولمة.. تحتضر؟

 

ولفت الكاتب الصحفي إلى وجود بعد آخر للنظام العالمي الجديد، يتمثل في تقويض العولمة، أو الفكاك منها، حيث أن الإجراءات التي أتخذت في ظل العقوبات الغربية على روسيا، هي إجراءات تفكيكية لها بشكل جزئي، حيث جرى إخراج روسيا من العولمة وقد يشمل الصين في لحظة ما أيضا إذا ما قررت الدول الغربية فرض عقوبات عليها.

 

ورأى شاكر، أن "جزءا من تفكيك العولمة جرى في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، من خلال إجراءات إتخذها نحو الصين وشركائه الأوروبيين".


من جانب آخر، فإن أزمة كورونا أثنبت أن الاعتماد على التوريد من خلال السلاسل طويلة المدى تمثل مشكلة ومعضلة، خاصة أنها أظهرت اعتماد كلي على الصين في الصناعة ونحوها.


وبالتالي، فإن أيضا هناك تراجع نسبي عن سلاسل التوريد، أو شكوك حول أنها الخيار الآمن في عالم يشهد تقلبات و بالتالي نشهد إعادة تموضع في سلاسل التوريد، وهذا يمثل تراجعا نسبيا عن فكرة العولمة.


وأزمة سلاسل التوريد، هي كناية عن نظام جديد في عالمنا يتشكل لكننا مازلنا أمام هذا المخاض، التي تتجاذبه مصالح وأطراف و يصعب القول التكهن بمصير الأمور.

 

الطاقة.. عماد النظام الجديد


وحول ملف الطاقة، رأى الخبير بالشؤوون الأوروبية، أن الأمر يبقى مرتهنا للموقف العسكري في أوكرانيا وكيفية التعامل في أوكرانيا وأيضا للمدى الذي ستأخذه ردود الفعل الروسية نحو الجانب الأوروبي فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وهنا طبعا محاولة أوروبية للفكاك من الإعتمادية على الجانب في مجال الطاقة، تمثل منحى من مناحي تقويض العولمة بشكل أو بآخر التي تقوم على الاعتماد على التبادل الموارد.

 

خلاصة

 

وخلص الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، بالقول: "نحن إزاء تجاذبين إثنين بين روسيا و من معها وأمريكا وحلفائها.. وكل يتطلع إلى خريطة دولية جديدة، وتوازنات جيواستراتيجية جديدة، لكن في المحصلة مازلنا نشهد الحدث في ذروته".

وتابع: "ما نستطيع أن نرصده اليوم هو أننا أمام حرب باردة ساخنة، بوجود حرب ساخنة على المسرح الأوكراني وحرب باردة على المسرح الدولي وهو ما يمثل بشكل أو بآخر نظاما عالميا جديدا حتى لو لم يرغبه الطرفان على النحو".


وختم بالقول: "سنشهد صيفا ساخنا مع توسع حلف الناتو في شمال أوروبا وهذا سيكون له ثمنه في الاستقطابات القائمة حاليا، الوضع الدولي حاليا يتشكل و يتحرك ولا توجد إجابة محددة على المآلات لأن الأمر مرتهن لسلوك الأطراف جميعا وردود فعلها إزاء ما يتم إتخاذه من خطوات في هذا الشأن".

 

التعليقات (1)
عابر سبيل
الأربعاء، 25-05-2022 06:41 م
"التفاعل بين دول العالم تعاونا وتنافسا وحربا هو العامل الأكبر في طبيعة عمل النظام الدولي" (أسوشيتد برس) ـ مهد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي لولادة نظام دولي جديد تفردت فيه أميركا بالقيادة وزعامة العالم، مع عجز دول العالم الثالث وبعض القوى الصاعدة عن تطوير فكرة "عدم الانحياز"، وتقديمها خيارا منافسا قادرا على استثمار تركة المعسكر المنهار في سبيل بروز قطب عالمي موزا للقطب الليبرالي. وبانتصاف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، باتت الصين قوة اقتصادية عالمية يُحسب لها حسابها، لاسيما بعد تحقيقها نموا اقتصاديا سريعا يُؤهلها لتصدر العالم اقتصاديا في النصف الثاني من هذا القرن، كما برزت كوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة (النمور الآسيوية) ومعها الهند والبرازيل [وتركيا] قوى اقتصادية هامة تمثل جزءا معتبرا من التجارة الدولية. ودفع هذا التعدد القطبي على المستوى الاقتصادي كثيرين إلى توقع تبلوره في تعددية سياسية وإستراتيجية للنظام الدولي [الجديد]، لكن ذلك ما زال مستبعدا نظرا للتباين الكبير بين مرجعيات ومصالح هذه القوى الصاعدة. المصدر الجزيرة نت ـ [هذا قبل بدء حرب روسيا وحلفائها ضد أمريكا وأوروبا مع حلفائهما على أرض أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022م]