هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع
"مودرن ديبلوماسي" تقريرًا، شدد فيه على أهمية تغيير روسيا نبرتها
التقليدية للمساعدة المقدمة إلى أفريقيا والتي تعود للحقبة السوفيتية؛ حيث إنه من
المهم الآن إبراز قصص النجاح الملموسة والإنجازات السياسية، على الأقل، خلال العقد
الماضي في جميع أنحاء أفريقيا. نظرًا لأن جيل الشباب والطبقة الوسطى، الذين تتراوح
أعمارهم بين 25 و45 عامًا والذين يشكلون الجزء الأكبر من التعداد، لا يكادون يرون
التأثير الواسع لعلاقات روسيا مع أفريقيا.
وقال الموقع،
في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن روسيا تخطط لعقد القمة الروسية
الأفريقية الثانية في وقت لاحق من هذا العام؛ حيث أشار سيرجي لافروف، وزير خارجية
الاتحاد الروسي، في رسالة منتصف حزيران/ يونيو إلى أنه "في هذه الأوقات
الصعبة والحاسمة، أصبحت الشراكة الإستراتيجية مع أفريقيا أولوية في السياسة
الخارجية لروسيا. كما تقدر روسيا بشدة استعداد الأفارقة لتعزيز التعاون
الاقتصادي".
وبحسب الموقع؛
فقد قال لافروف: "إنه من مصلحة الأمتين العمل معًا للإبقاء على العلاقات
التجارية والاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة وتوسيعها في ظل هذه الظروف الجديدة.
ومن المهم تيسير الوصول المتبادل للمشغلين الاقتصاديين الروس والأفارقة إلى أسواق
بعضهم البعض وتشجيع مشاركتهم في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق".
وأشار الموقع
إلى أن بيان لافروف يؤكد أنه في إطار "البنية متعددة المراكز الناشئة
والمستدامة للنظام العالمي"؛ فلا تزال العلاقات مع أفريقيا تمثل أولوية، لكن
الروس يغضون الطرف دائمًا عن حقيقة أن السياسة الخارجية لروسيا في أفريقيا فشلت
في إثبات نفسها من الناحية العملية، كما يتضح من الهجمات العديدة للمسؤولين الروس
في أفريقيا.
ويبين الموقع
أن الاتحاد السوفيتي انخرط بشكل مكثف في أفريقيا، لكن روسيا انتقدت فقط الأطراف
الأجنبية الأخرى خلال العقدين الماضيين دون إظهار أي نموذج لبناء العلاقة، وتتمثل
أهداف سياستها الخارجية ببساطة في الحفاظ على الشغف بتوقيع العديد من مذكرات
التفاهم والاتفاقيات الثنائية مع البلدان الأفريقية.
وخلال الأعوام
الماضية؛ تم عقد عدة اجتماعات لمختلف اللجان الحكومية الدولية الثنائية في كل من
موسكو وأفريقيا، وناقشت القمة الأولى على نطاق واسع الأولويات وحددت كذلك فرص
التعاون، بيد أن ذلك يتطلب فهم المهام والتحديات الناشئة، وينبغي أن تركز المهام
الحالية - تركيزًا ملموسًا - على اتخاذ إجراءات عملية متضافرة تؤدي إلى نتائج
موجهة نحو تحقيق الأهداف؛ حيث يأمل لافروف "تعزيز الاتفاقات الموقعة في القمة
الثنائية المقبلة".
وأوضح الموقع
أن روسيا لا تزال تلعب دورًا طفيفًا جدًا في البنية التحتية والزراعة والصناعة في أفريقيا، مما لا يتناسب مع مكانتها العالمية؛ حيث يجب أن تكون نشطة في أفريقيا مثل
أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي وأمريكا والصين؛ خاصة أن الباحثين قدموا
مساهمات ملموسة في تطوير الدراسات الأفريقية في روسيا، ففي مقابلة مع البروفيسور
فلاديمير شوبين من معهد الدراسات الأفريقية، أكدت الأكاديمية الروسية للعلوم أن
روسيا لا تبذل جهدها للتواصل مع الفئات المتنوعة من الجمهور، ولا سيما في أفريقيا،
مما لا يتيح جمع معلومات حقيقية عن سياساتها الداخلية والخارجية وعن إنجازات
الاقتصاد الروسي، لتشكيل تصور إيجابي لروسيا في سياق التغيرات العالمية الحالية في
القرن الحادي والعشرين.
ويلفت الموقع
إلى أنه فيما يتعلق بمشاركة روسيا، فلديها بلا شك خبرة واسعة في تطوير المشاريع في أفريقيا التي تراكمت خلال الحقبة السوفيتية، بداية من بناء محطات الطاقة والسدود
إلى إنشاء معاهد التدريب التكنولوجي، وما تفتقر إليه في الوقت الحاضر هو قدرتها
على توفير استثمارات كبيرة، فوفقًا لشوبين فإنه "لا يزال من الممكن استخدام
الخبرة والتكنولوجيا الروسية أثناء تنفيذ المشاريع الممولة دوليًا في أفريقيا".
أوضح شوبين،
بحسب الموقع، أنه فيما يتعلق بالإخفاقات، فربما يتعين علينا أن نشير إلى الافتقار
إلى المعرفة العميقة بالظروف الأفريقية، لا سيما في المرحلة الأولية من المشاركة
التي أدت أحيانًا إلى اقتراح أو الموافقة على مشاريع غير واقعية، ولكن هناك
احتمالات جيدة لإعادة تنشيط التعاون المتنوع.
ويفيد الموقع
بأن التحليل الزمني يُظهر أن السياسة الروسية تجاه أفريقيا في عهد الرئيس بوريس
يلتسين "1991-2001" وُصفت بأنها عقد مفقود، في الشؤون الداخلية
والخارجية، بما في ذلك العلاقات مع أفريقيا. تظهر الوثائق التاريخية أيضًا أنه بعد
الانهيار السوفيتي كان هناك نحو 380 مشروعًا في جميع أنحاء أفريقيا، وفي أوائل
التسعينيات، خرجت روسيا وأغلقت عددًا من المكاتب الدبلوماسية، مما محا أي أثر على
مشاريع البنية التحتية في الحقبة السوفيتية هناك.
وأشارت بيانات
السياسة إلى وجود تفاؤل قوي حول تطوير العلاقات. لكن هذا كان خلال العقدين
الماضيين على الأقل، حيث أشارت التقارير الرسمية بما في ذلك الخطب في المؤتمرات
رفيعة المستوى إلى أن هناك مشاريع يتم تنفيذها في أفريقيا من قبل شركات روسية
رائدة مثل روزنفت ولوك أويل وروزجيو وغازبوم وغيرها.
وكشف الموقع
عن أن وقوف روسيا دائمًا إلى جانب أفريقيا في الكفاح ضد الاستعمار والآن الاستعمار
الجديد، يُعد حقيقة لا مفر منها، لكن تكرار التذكير بمساعدات الحقبة السوفيتية،
والتي تعود لأكثر من 60 عامًا، لن يسهل بالتأكيد العلاقات التجارية والاستثمارية
المفيدة المتوقعة في ظل هذه الظروف الجديدة. وقد أعلنت الأمم المتحدة استقلال
أفريقيا بالكامل في عام 1960، وتشكلت منظمة الوحدة الأفريقية في 25 أيار/ مايو 1963 في أديس أبابا، إثيوبيا.
وينقل الموقع
عن رئيس بنك أفركسيم ورئيس مجلس الإدارة، الدكتور بنديكت أوكي أوراما، قوله إن
المسؤولين الروس "يواصلون تذكيرنا بالحقبة السوفيتية" لكن الارتباط
العاطفي لم يتم استخدامه ببساطة في تغيير العلاقات.
ويلفت الكاتب
إلى أن أكبر حدث في أفريقيا كان إنشاء
منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وقد تم اتخاذ خطوات في البلدان الأفريقية
مؤخرًا لتهيئة أوضاع أفضل لتطوير الأعمال وتشكيل مناخ استثماري جذاب؛ حيث قال
أوراما في مقابلته العام الماضي: "في بعض الأحيان، من الصعب فهم سبب عدم
استفادة الروس منها"، مضيفًا: "لدينا الصينيون والأمريكيون وكذلك
الألمان الذين يديرون مشاريع... هذه منطقة واعدة للغاية".
قبل قمة سوتشي
2019، قدم أوراما تقريرًا اقتصاديًا مفيدًا في مؤتمر أعمال خاص عقد في الفترة من
18 إلى 22 حزيران/ يونيو من نفس العام، وأدرج مجالات للتعاون المحتمل من الشؤون
المالية مرورًا بالتعدين والأمن السيبراني ووصولًا للرعاية الصحية والأمن الغذائي
في أفريقيا، وشهد هذا المؤتمر توقيع العديد من الاتفاقيات، وفي عام 2017، أصبح
مركز التصدير الروسي ثالث أكبر مساهم في منظمة مالية غير أفريقية في بنك أفركسيم،
ومن المتوقع أن يساهم في تسريع الاستثمار والتجارة والعلاقات الاقتصادية بين روسيا
والدول الأفريقية.
وتجدر الإشارة
إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية توفر منصة فريدة وقيمة للشركات
للوصول إلى سوق أفريقي متكامل يضم أكثر من 1.3 مليار شخص، من بين عوامل أخرى، تشكل
الطبقة الوسطى المتنامية إمكانات سوقية ضخمة في أفريقيا؛ كما تتمتع القارة
الأفريقية حاليًا بإمكانيات هائلة كسوق، وحسب بعض الخبراء، فهي توفر فرصًا ربحية للأعمال التجارية.
ويتابع الموقع
تقريره مشيرًا إلى أن العديد من البلدان الأفريقية قامت بإصلاحات اقتصادية،
ولهذا السبب؛ يتزايد الطلب على منتجاتها ذات الأسعار التنافسية والجودة العالية،
وعلى الرغم من اهتمام الشركات الروسية بهذه السوق لكن وتيرة تقدمهم في تنفيذ مشاريعهم بطيئة للغاية،
وذلك جراء عجزهم عن توفير الموارد المالية لدعم التجارة مع أفريقيا والاستثمار في
هذا المجال.
وللتأكيد على
أهمية التعاون متعدد الأطراف بين روسيا وأفريقيا، قال مستشار رئيس الاتحاد الروسي،
أنطون كوبياكوف: "إن الوضع الحالي في العالم سيجعلنا نشهد تشكيل مراكز جديدة
للنمو الاقتصادي في أفريقيا. وبناءً على ذلك، فإن المنافسة على الأسواق الأفريقية
تتزايد. وليس هناك شك في أن الشركات غير المصدرة للسلع الأساسية في روسيا
ستستفيد من التعاون مع أفريقيا في مجالات التصنيع والتقنيات والتمويل والتجارة
والاستثمار".
وأشار
كوبياكوف كذلك إلى أن روسيا الحديثة، التي اكتسبت خبرة في التعاون الناجح مع الدول
الأفريقية، مستعدة لتقديم عرض للقارة الأفريقية يضمن شراكة متبادلة المنفعة
وتحقيقًا مشتركًا لعقود من الجهود الحثيثة التي بذلها العديد من الأجيال من الشعب
السوفيتي والروسي.
وذكر
الموقع أن المسؤولين الروس تجاهلوا حقيقة
أن الشراكة الاقتصادية الشاملة لروسيا كانت قياسية إلى حد كبير على الرغم من أنه
لا تزال العديد من الاتفاقيات التجارية الموقعة غير مكتملة مع العديد من الدول
الأفريقية، فقد أسفرت الاتفاقات والمفاوضات التجارية عن 92 اتفاقية وعقدًا ومذكرة
تفاهم، وتشير وثائق القمة إلى أنه تم توقيع اتفاقيات بقيمة إجمالية قدرها 1.004
تريليون روبل (12.5 مليار دولار أمريكي) في تلك القمة التاريخية الأولى التي لاقت
ترحيبًا كبيرًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وأكد الموقع
أن مشاريع الشركات الروسية الكبيرة التي نفذتها في أفريقيا لم تحقق نجاحًا يذكر،
مما يعكس بشكل سلبي الدوافع الحقيقية للتعاون الاقتصادي الثنائي. وهناك العديد من
الأمثلة على ذلك مثل روساتوم في جنوب أفريقيا، ونوريك نيكل في بوتسوانا وغيرها،
وحاليًا تعد إنجازات روسيا ضئيلة في مجالات البنى التحتية في أفريقيا.
ويشدد الموقع
على أنه مما لا شك فيه أن عددًا من الشركات الروسية كان أداؤها ضعيفًا إلى حد كبير
في أفريقيا، وأن ذلك يرجع - بحسب الخبراء - إلى أسباب متعددة. ففي أغلب الأحيان؛
يقتحم المستثمرون الروس مجالات استثمار مهمة لا تزال تتطلب إستراتيجيات طويلة
الأجل ودراسة كافية. وعلى أرض الواقع؛ هناك العديد من التحديات الاستثمارية التي
واجهها الروس منها طبيعة النظام البيروقراطي الذي تتبعه الحكومات في أفريقيا.
ويعتبر الموقع
أنه من أجل ضمان نجاح المشاريع التجارية؛ فإنه من الضروري تحقيق مستوى معين من فهم
أولويات الدول الأفريقية وتشريعات الاستثمار فيها، والامتثال لشروط الاتفاق ناهيك
عن إجراء دراسة متأنية للتغييرات السياسية الجارية في بعض البلدان، وذلك من أجل
تسهيل وصول كل من المشغلين الاقتصاديين الروس والأفريقيين إلى أسواق بعضهم البعض،
وتشجيع مشاركتهم في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، ينبغي اتخاذ خطوات عملية
نحو حل تلك العقبات القائمة.
وينقل الموقع
عن أوليغ أوزيروف. رئيس الأمانة العامة لمنتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا قوله إن
"الجانب الروسي بهدف إلى مواصلة التحضير للقمة الثانية، وكذلك القمم الروسية
الأفريقية اللاحقة مع الحرص على فعاليتها؛ حيث تتخذ وزارة الخارجية الروسية
والوزارات الأخرى خطوات لبناء تعاون كامل ومتبادل المنفعة بين روسيا والدول
الأفريقية، بما في ذلك تشكيل بنية تحتية اجتماعية واقتصادية موثوقة وأمن الغذاء
والطاقة في القارة".
ويؤكد الموقع
على أنه قد حان الوقت حقًا للانتقال من الخطابات الطنانة والمضي قدمًا نحو تنفيذ
حزمة الاتفاقات الثنائية، لا سيما تلك التي تنطوي على استثمارات في البنية
التحتية، والتي من شأنها الوفاء بالتعهدات الروسية لشعوب أفريقيا، والتي مضى عليها
عقد من الزمن. والجدير بالذكر أنه مع ظهور آفاق جديدة للنظام العالمي متعدد
المراكز، فإن المشاركة النشطة للشباب الأفريقي ورائدات الأعمال وقادة المجتمع
المدني وصناع التغيير النشطين في الطبقة الوسطى في جهود السياسة باتت حاسمة.
وفي هذا السياق،
يجادل جوردي ياستريبوف، باحث ما بعد الدكتوراه ومحاضر في معهد علم الاجتماع وعلم
النفس الاجتماعي بجامعة كولونيا الألمانية، عبر البريد الإلكتروني بأن
"التعليم يمكن أن يكون أداة للتأثير الجيوسياسي بشكل عام وتغيير المفاهيم
التي يمكن لروسيا (مثل أي دولة أخرى) استخدامها للغرض ذاته. ومع ذلك، فإن إنجازات روسيا في هذا المجال معدومة، حيث لا توجد برامج استثمار واسعة النطاق في التعليم
تركز على هذا الشأن".
وأوضح الموقع،
في ختام التقرير، أن من الواضح أنه ينبغي على أفريقيا أن تبحث عن شراكات أكثر
نجاحًا في أماكن أخرى، ربما في الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما أن روسيا في
الوقت الحالي تتعرض "لعملية عسكرية خاصة" تهدف إلى "تجريدها من
ميولاتها العسكرية والنازية" من قبل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد
الأوروبي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وبلدان أخرى.