مقالات مختارة

احتمال توجيه صفعة عربية مدوّية لبايدن

عماد شقور
1300x600
1300x600

بدأ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منتصف الأسبوع المقبل، زيارته الأولى للمنطقة بعد تولّيه الرئاسة. يزور في جولته هذه إسرائيل والمملكة العربية السعودية. 

واضح تماماً أن محطة السعودية هي الدافع الحقيقي لهذه الجولة، حيث يعقد فيها ثلاثة اجتماعات قمّة في يومين: (1) قمة أمريكية سعودية؛ و(2)قمة أمريكية خليجية يحضرها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني، عبدالله الثاني، ورئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي ؛ و(3) قمة أمريكية إسرائيلية إماراتية هنديّة، تتم عبر وسائل التواصل الإلكترونية.

في آخر زيارة لجو بايدن الى إسرائيل، بصفته نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، تلقّى صفعة مدوّية من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، بنيامين نتنياهو، من خلال إعلان حكومة إسرائيل قرار بناء نحو ستة آلاف وحدة سكنية للمستوطنين/المستعمرين في الضفة الغربية، وجزءٌ منها في مدينة القدس الشرقية، أثناء زيارته، وكادت هذه الحادثة أن تكون الصفعة الأكبرالتي توجّهها إسرائيل لإدارة أوباما الديمقراطية، لو لم تلحق بها الصفعة الكبرى، وهي صفعة نتنياهو لأوباما، باستدراجه توجيه الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي الدعوة لنتنياهو، من وراء ظهر أوباما، ودون استئذان البيت الأبيض، أو حتى إبلاغه، لإلقاء خطابه الشهير في الكونغرس مهاجماً سياسة أوباما وقراره التوقيع على اتفاقية خمسة + واحد مع إيران سنة 2015، بخصوص نشاطات إيران النووية، ومبالغة أعضاء الكونغرس في تكرار التصفيق وقوفاً لنتنياهو، نكاية بأوباما وإدارته الديمقراطية. 

وكان رد أوباما، قبل إخلائه البيت الأبيض لصالح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بثلاثة أسابيع فقط، هو امتناع أمريكا عن استخدام حق النقض (الفيتو) على قرار مجلس الأمن رقم 2334 يوم 23.12.2016، الذي نص على عدم شرعية جميع المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967.

لن يكون مفاجئاً أن تأتي الصفعة الثانية للرئيس بايدن هذه المرة من الجانب العربي. والدلائل على احتمال ذلك كثيرة. آخرها ما كشفته وسائل الإعلام العالمية أثناء انعقاد قمة «السبعة الكبار» في ألمانيا الأسبوع الماضي، عندما سجّلت ونشرت بالصوت والصورة هرولة الرئيس الفرنسي، إيمّانويل ماكرون، للحاق بالرئيس بايدن، ومقاطعته، لإبلاغه بفحوى الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع رئيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، محمد بن زايد، بناء لطلب بايدن، وإبلاغه: «أخذت بنصيحتك للإتصال بمحمد بن زايد، وقال لي شيئين: أنا في أقصى حدّ (من إنتاج النفط) هذا ما ادّعاه. و(أخبرني) أن لدى السعوديين قدرة محدودة على زيادة إنتاج النفط، ويمكنهم أن يزيدوا قليلاً.. بمقدار 150 ألف برميل من النفط يومياً، أو أكثر قليلاً، وليست لديهم طاقات على إنتاج كميات ضخمة قبل ستة أشهُر».

هذا يكشف مسبقاً ما سيقوله السعوديون والإماراتيون لبايدن في لقاءاته التي سيعقدها في السعودية. وعندما يكون الهدف الأساسي من رحلة بايدن للمنطقة هو الضغط لزيادة السعودية من انتاج النفط لتخفيض أسعاره، بهدف وقف انتعاش الاقتصاد الروسي، ووقف ارتفاع اسعار البترول في أوروبا. وأكثر من ذلك أهمية لبايدن، هو محاولة وقف ارتفاع أسعار البنزين في أمريكا نفسها، وتأثيرها السلبي المباشر على حظوظ الحزب الديمقراطي الأمريكي في الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين ثاني المقبل.

لا أحد يحسد الرئيس بايدن على ما يمرّ به، وعلى ما تمرّ به أمريكا في عهده. وليس من المبالغة القول إنه يمرّ هذه الأيام بواحدة من اسوأ المراحل في حياته السياسية:

1ـ روسيا الإتحادية ورئيسها، فلاديمير بوتين، في أحسن حال. تتقدّم في شرق وجنوب أوكرانيا وتثبّت سيطرتها هناك. أسعار الغاز والبترول المرتفعة تملأ خزائنها. وفرض بايدن وحلفائه للعقوبات الاقتصادية على روسيا تعطي نتائج عكسية بالكامل.

ارتفاع أسعار القمح والمواد الغذائية تلحق الضرر بغالبية دول وشعوب العالم، في حين أن روسيا هي المستفيد الأكبر من ذلك، نظراً لكونها من أكبر المنتجين والمصدّرين لهذه المواد، والجميع يحملّون بايدن وإدارته المسؤولية عن ذلك، بسبب سياسة تشجيع أوكرانيا على استفزاز روسيا، وتحريضها على مواصلة التحرّش، وضخّ كمّيات من الأسلحة للجيش الأوكراني للقتال حتى آخر جندي أوكراني.

2ـ أدّت سياسة بايدن الى تقارب غير مسبوق منذ عقود، بين الصين الشعبية، (المنافس الأكبر للهيمنة الأمريكية في العالم) وروسيا.

3ـ بدأت علامات الضيق في العديد من دول أوروبا الغربية، من السياسة الأمريكية، في الظهور بوضوح منذ أسابيع، بسبب الأعباء الاقتصادية المترتبة على الحرب في أوكرانيا، وانخفض سعر اليورو مقابل الدولار الى ادنى مستوى له منذ عشرين سنة، حيث وصل سعره أمس الى 1.02 دولار.

4ـ ومن سوء حظ بايدن، فإن حليفه الأقرب، (رأس الأفعى) رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسون، يترنّح قبل سقوطه المتوقّع خلال أيام أو أسابيع قليلة، بعد ان أعلن وزيرا المالية والصحة في حكومته، ريشي سوناك، وساجد جاويد، عن استقالتهما مساء أمس الأول، بفارق بضع دقائق بين إعلان الاستقالتين، وتبع ذلك استقالة وزير الدولة لشؤون الأطفال والعائلات، ويل كوينس، ومساعدة وزير الدولة لشؤون النقل، لورا تروت، صباح أمس.

تأتي كلّ هذه العثرات والتطورات السلبية في طريق بايدن، وهو يحزم حقائبه الفارغة استعداداً لرحتله الى المنطقة في الأسبوع المقبل. ويتحمل الرئيس بايدن المسؤولية الكاملة عن وضعه البائس هذا.

بالغ بايدن أكثر مما يجب في اتهام السعودية، الحليفة القريبة لأمريكا منذ سنة 1945، ووصفها بـ>الدولة المنبوذة» وبالغ في إعلانه العداء لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، ثم خاض بشكل استفزازي حربه على الاقتصاد الروسي، حيث للبترول السعودي، ودور السعودية في منظمة الدول المصدّرة للنفط، أوبّك، وأوبّك+ (روسيا) تأثير حاسم على تطورات هذه الحرب الاقتصادية. هذه السياسة غير الحكيمة، أرغمت بايدن على الانسحاب من المواجهة مع المملكة السعودية، بشكل عام، ومن المواجهة مع ولي العهد السعودي، بشكل خاص، الأمر الذي يعيد الى الذاكرة صُوَر انسحابه المشين من أفغانستان ليلة 31 أغسطس/آب العام الماضي.

لم يبقَ في جعبة وحقائب بايدن ما يمكن أن يعرضه على السعودية إلا الفتات: إعتراف إسرائيل (!!) بالسيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير، عند مدخل خليج العقبة، على البحر الأحمر، بعد موافقة مصر على اعادتهما للسعودية.

من المفارقات العجيبة، أن إسرائيل، التي تستجدي اعتراف السعودية بها كدولة، في حين يصل بايدن الى السعودية، على أمل نجاحه في أن يبيع للسعودية اعتراف إسرائيل بسيادتها على جزيرتي تيران وصنافير.

لدى السعودية بدائل كثيرة عن أمريكا: من مصر، عربياً، الى الصين وروسيا وربما الهند وباكستان دولياً، على جميع الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية.

اما مصر، فإنه من شبه المستحيل، أن تنخرط في حلف عسكري تهلّل له إسرائيل، وتشارك فيه أيضاً، تحت غطاء وحجة «تهديد إيراني» متوهَّم. إضافة الى أن مثل هذا الطّرح يتناقض بالكامل مع العقيدة العسكرية المصرية الثابتة منذ أيام الفراعنة.


كذلك لا وجود لمصلحة أردنية في تخلي الملك عبدالله الثاني عن السياسة التي رسّخها والده الراحل الملك حسين، ولم ينخرط بموجبها حتى في الحلف الثلاثيني لضرب العراق، رغم موقفه المعلن من رفض اجتياح «عراق صدّام حسين» للكويت، قبل ثلاثة عقود.

أما عن العراق فحدّث ولا حرج. خاصة بعد سنّ البرلمان العراقي بالإجماع قانون تجريم التعامل مع إسرائيل. وهو قد يحتل مرتبة ثانية بعد الجزائر، في موضوع التعامل مع إسرائيل.

أكرّر: لن أتفاجأ من توجيه صفعة عربية مدوّية للرئيس بايدن.

وهو صاحب تعبير أطلقه منذ عقود يقول فيه: «ليس من الضروري أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً». ها هو يثبت ذلك عملياً من جديد.

 

القدس العربي


0
التعليقات (0)