مقابلات

دبلوماسي سابق: الهدنة باليمن ستتطور لعملية سياسية شاملة

الخطوة القادمة للهدنة تهدف للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنزاع - عربي21
الخطوة القادمة للهدنة تهدف للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنزاع - عربي21

قال الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية اليمنية، أنيس منصور الصبيحي؛ إن "الهدنة سوف تصمد وتتطور إلى عملية سياسية شاملة تضم الجميع؛ فهي مُقدمة للحل السياسي المأمول، وقد أتت بانفراجة ملموسة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد".

وكشف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الخطوة القادمة تتمثل في تعيين كل طرف سياسي ممثلين رفيعي المستوى في لجنة للتنسيق السياسي، ولجان في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، تعمل على استئناف العملية السياسية للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنزاع، ويرسي دعائم السلام، ويلبي التطلعات المشروعة للشعب اليمني".

ووصف منصور أعضاء مجلس القيادة الرئاسي بأنهم "عبارة عن مجرد أرجوزات وموظفين لدى السعودية والإمارات، وأصبحوا مشكلة عقيمة".

وأضاف: "فقدنا الأمل بهذا المجلس؛ لأنه لا يمتلك الحرية، وأصبح يمارس دور المشرعن القانوني لأهداف أجنبية خارجية، لا علاقها لها باليمن على الإطلاق".

ونجحت الأمم المتحدة خلال نيسان/ أبريل الماضي، في إرساء هدنة "مؤقتة" لوقف فوري شامل لإطلاق النار، وفتح مطار صنعاء أمام وجهات محددة، وتخفيف الحصار عن موانئ الحديدة، وكلاهما ضمن سيطرة الحوثيين، في مقابل فك الحصار عن مدينة تعز، وتم بالفعل تنفيذ جزء من هذه البنود، حتى تمديد الهدنة للمرة الثالثة في 2 آب/ أغسطس الجاري لمدة شهرين إضافيين.

يُذكر أن منصور عمل سابقا في القسم الإعلامي لمكتب رئاسة الجمهورية اليمنية، ومكتب نائب الرئيس، ثم السفارة اليمنية بالرياض، ويشغل حاليا منصب رئيس مركز "هنا عدن" للدراسات الاستراتيجية.

 

اقرأ أيضا: وزير يمني سابق: الهدنة هدفها السلام وليس الاستعداد للتصعيد

وفيما يلي نص المقابلة مع "عربي21":


إلى أي مدى أنت متفائل بتمديد الهدنة في اليمن؟


الهدنة الإنسانية في اليمن تدعونا إلى التفاؤل، وتعزيز ثقافة التعاطي الإيجابي مع كل ما يدعو إلى حقن الدماء اليمنية وإيقاف نزيف الدم؛ كون الوضع لم يعد يحتمل الحرب، والشعب اليمني يعيش أسوأ كارثة إنسانية بسبب الحرب، ناهيك عن فشل كل الأطراف على الحسم العسكري، ومن ثم لا يوجد حل سوى الهدنة وصولا إلى تسوية سياسية شاملة، ولا نغفل أن الهدنة أصبحت مفروضة فرضا من القوى الدولية، وبضغط دولي تزامن مع تطورات أخرى أهمها الصراع الأمريكي الروسي.

وفي اعتقادي، سوف تصمد الهدنة، وهي مُقدمة للحل السياسي المأمول، وقد أتت بانفراجة ملموسة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد، وأتاحت فرصة سانحة للتحول باليمن نحو سلام مستدام وشامل وعادل، ومعالجة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المتردية في البلاد، والحيلولة دون عودة القتال.

هل حققت الهدنة أهدافها خلال الأربعة أشهر الماضية؟


الهدنة السابقة حققت أهدافا إنسانية يكفي منها فتح مطار صنعاء، وتوقف المعارك العسكرية، وإن حصلت بعض التجاوزات البسيطة، لكن لا يوجد خيار غير الدفع سياسيا وإعلاميا لإنجاح كل عوامل نجاح الهدنة. والحقيقة ما تم تنفيذه من شروط وبنود الهدنة، هي ترتيبات مؤقتة كمقدمة لترتيبات سياسية وأمنية مستقبلية لليمن تُحدَد حصرا من خلال اتفاقية السلام الشاملة، التي يتم التوصل إليها عبر عملية سياسية، يقودها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة.

كيف ترى المشهد اليمني اليوم بعد مرور أكثر من 7 سنوات على اندلاع الحرب؟


المشهد اليمني حاليا، بعد سنوات الحرب، كشف أن المعركة الحقيقة ليست ضد الحوثيين ولا ضد إيران، وليس من أجل عودة الشرعية اليمنية، إنما حرب ضد اليمن أرض وشعب وسيادة واقتصاد، وضد القوى اليمنية الوطنية الحيّة، من خلال القضاء على المؤسسات الوطنية ورجال الدولة الوطنيين، وضد التجمع اليمني للإصلاح وكيان القبيلة اليمنية، وآخر مشهد يدل على ذلك أحداث معارك واشتباكات شبوة التي تم فيها استبدال الجيش الوطني بمليشيات وشركات أمنية وعسكرية تُموّلها وتتحكم بها الإمارات ضد مؤسسات الدولة الحقيقية، وللأسف اتخذ المجلس الرئاسي قرارات وفق إملاءات أبو ظبي، وغسل الشعب اليمني يديه من أي بصيص أمل بالتحالف الذي فتح جبهات ومعارك ضد الوطن والقوى الوطنية الحقيقية.

وفي المقابل، لا يوجد أي تغيير ملموس سوى أن حياة الشعب تمضي للأسوأ في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق، وهبوط العملة المحلية، واستطاع التحالف السعودي الإماراتي جعل اليمن وأرضها عرضة للنهب والسلب، وعرضة للطغيان الداخلي والغزو الخارجي، يفعلون بها ما يحلو لهم ويأخذون منها ما يطيب ويتحكمون بها ويحكمونها، ويقررون مصيرها، ويستبيحون ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يساعدهم ويسندهم مليشيات من المرتزقة المحليين.

ومارست أبو ظبي سياسة قتل من أجل القتل، وسجن خارج القانون، وتصفية للخصوم، واغتيالات وفقا للهوية السياسية للضحايا، وممارسة عمليات التجسس وانتهاك الحيز الخاص للمواطنين، وممارسة تعذيب ممنهج، وفرز المجتمع مناطقيا وجهويّا، وضخ خطاب تحريضي يمعن في تفتيت المجتمع عبر الجرائم المادية والمعنوية المتفشية في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا، مدعومة إماراتيا في الجنوب وغيره.

المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ، قال: "إذا استمرت الهدنة شهرين في اليمن، فقد تساعد على التحول إلى عملية سياسية شاملة تضم الجميع". فهل يمكن أن تتطور الهدنة إلى عملية سياسية بالفعل؟

بكل تأكيد سوف تتطور الهدنة إلى سلام، ونشدّد على ضرورة المساهمة في إيجاد بيئة مواتية، تسمح باستئناف عملية سياسية يقودها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنزاع، ويرسي دعائم سلام شامل وعادل، ويلبي المطالب والتطلعات المشروعة للشعب اليمني.

وستكون الخطوة القادمة تعيين كل طرف سياسي ممثلين رفيعي المستوى في لجنة للتنسيق السياسي، ولجان في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، تعمل على استئناف العملية السياسية للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنزاع، ويرسي دعائم السلام، ويلبي المطالب والتطلعات المشروعة للشعب.

لكن ماذا لو انهارت تلك الهدنة لاحقا؟


كل المؤشرات والعوامل والتعاطي الإيجابي مع الهدنة يجعلنا ضد فرضية انهيار الهدنة، وإذا سلمنا لتلك الفرضية، فإن العواقب ستكون كارثية والتداعيات ستصبح خطيرة جدا، والشعب هو مَن يدفع الثمن بكل أسف.

ما الذي فعله مجلس القيادة الرئاسي حتى الآن في الملفات التي وعد بإنجازها؟


استبشر اليمنيون خيرا بمجلس القيادة الرئاسي الذي أُسند بتحشيد إعلامي كبير، لكن سرعان ما كانت الصدمة صدمات، وتحوّلت مبشرات المجلس إلى انتكاسة، بعد أن شاهدنا بجلاء أن المتحكم بمجلس القيادة اليمنية هو السفير السعودي لدى اليمن الذي يقدم نفسه كحاكم على المجلس بمعية ضباط إماراتيين، وقاموا بمصادرة كل القرارات السياسية والسيادية اليمنية وفق مصالحهم وأهوائهم، وتولّد انطباع عام أن اليمن يعاني من أزمة قيادة تمتلك الحرية المطلقة، وشاهدنا مؤخرا ارتفاع صوت القوى الحيّة والنخب المثقفة لتضع المجلس الرئاسي بين خيارين: إما الاستمرار تحت وصاية الكفيل والاستمرار في خدمته على حساب اليمن، أو الانتقال الفعلي إلى مجلس يمتلك السيادة ويستمد قوته من قوة شعبه ووطنه.

وحقيقة أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، عبارة عن مجرد "أرجوزات" وموظفين لدى السعودية والإمارات، وأصبحوا مشكلة عقيمة، وفقدنا الأمل بهذا المجلس؛ لأنه لا يمتلك الحرية وأصبح يمارس دور المشرعن القانوني لأهداف أجنبية خارجية، لا علاقها لها باليمن على الإطلاق.

هل هناك انسجام وتناغم بين جميع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي؟


لا يوجد انسجام ولا تناغم بينهم؛ فكل واحد منهم يحمل مشروعا شخصيا وفق أجندة خارجية تدعم الجميع ضد الجميع لتدمير اليمن؛ فمثلا طارق صالح يريد عودته إلى حكم اليمن، مُتَكِئا على إرث الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وعيدروس الزبيدي يحمل فكرة الانفصال في الجنوب، وآخر يحمل مشروع دولة حضرموت، بمعنى أن كل عضو بالمجلس يحمل مشروعا سياسيا بعيدا عن المشروع الوطني الحقيقي، وظهرت هذه الصراعات من خلال فشل تطبيق اتفاق الرياض، وفشل توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وفشل في توحيد الإيرادات المالية، وخصومات ومشاحنات بعضها حزبية وأخرى مناطقية، ومعارك على حصص القرارات الجمهورية والتعيينات، وتجاوزت في القانون اليمني من قِبل مجلس يُفترض أنه يحمي القانون ويردع المُخالفين، وكان آخر امتحان لمجلس القيادة في أحداث معارك شبوة التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، حيث عجز عن التهدئة ومنع الاقتتال وفشل فشلا ذريعا في هذا الاختبار، وبدلا من إخماد نار الفتنة المُموّلة من الإمارات، اتخذ المجلس قرارات جمهورية عززت الصراع والاقتتال والفتنة.

فيما يختلف مجلس القيادة الرئاسي عن حقبة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي؟


يختلف المجلس الحالي عن الرئيس هادي، أن المجلس يقيم في قصر معاشيق عدن داخل اليمن، فيما ظل هادي يدير البلد من قصر ملكي بالرياض، وكان هادي يوازن بين القرارات بميزان المُحاصصة الحزبية. أما مجلس القيادة، فأصبح فقط يوقع على وثائق وأوراق بيضاء تُرسل له من الرياض وأبو ظبي. الشكل العام مُسمى مجلس يمني، لكن المضمون والمعطيات تثبت أنه مجلس سعودي إماراتي.

البعض يرى أن إخفاق النخب السياسية في اليمن هو العامل الأهم في تأزم الأوضاع.. ما تعقيبكم؟


التحالف هو الذي استخدم النخب اليمنية، وانتهج سياسة التجويع من أجل التركيع، ومن أجل استخدامهم في مخططاته وأهدافه الخبيثة، وهذا لا يعني أننا لا نحمّل النخب اليمنية جزءا من المسؤولية، ومشكلة تلك النخب السياسية، هي أنها قُيدت بقيود خارجية جعلتها منزوعة القرار والسيادة، وبعضها رضي بذلك للأسف.

ما تأثير البعد الإقليمي والدولي على الأزمة اليمنية؟


هناك اتفاق وتنسيق يجمع المبعوث الأمريكي لليمن والبعثات الدبلوماسية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على أساس الوصول إلى عملية تهدئة ومفاوضات جادة تنهي الأزمة، لكن السؤال: هل ستذوب كل المشاريع المتصارعة في مشروع وطني واحد أم لا؟ وكل الاحتمالات والخيارات واردة ومفتوحة؛ فقد يتم حسم المشهد السياسي لصالح طرف بعينه، وقد يتم البحث عن آلية معالجة لتشكيل تكتل وطني جامع، وهذا يحتاج إلى تنازلات وحسن نية من كل الأطراف، وتحقيق العدالة الانتقالية أو إعلان عفو وتصالح وتسامح عما حصل في المرحلة الماضية.

التعليقات (0)