صحافة دولية

فورين بوليسي: قيس سعيد يدفع تونس نحو الفشل

لقد نجح قيس سعيد في تقويض الإنجازات الديمقراطية التي تحققت لتونس خلال العقد الماضي- فيسبوك
لقد نجح قيس سعيد في تقويض الإنجازات الديمقراطية التي تحققت لتونس خلال العقد الماضي- فيسبوك

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا أعده السيناتور وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ كريس كونس، وعضو مجلس النواب الأمريكي دافيد برايس، حول أولويات الشعب التونسي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أعقبت انقلاب الرئيس قيس سعيّد. 

 

وكشف المسؤولان الأمريكيان، اللذان التقيا الرئيس التونسي في وقت سابق، عن بعض الأخطاء التي ارتكبها سعيد خلال انقضاضه على السلطة في البلاد، معتبرين أن فرصة العودة للمسار الديمقراطي ما زالت قائمة.

 

كما تطرقا إلى دور الولايات المتحدة في دعم العملية الديمقراطية في تونس، مشددين على ضرورة محاسبة قيس سعيد بناء على ما كان قد التزم به علانية، مؤكدين أن الشعب التونسي بإمكانه أن يعيش ازدهارا اقتصاديا يعززه مناخ ديمقراطي.

 

وفي 21 آب/ أغسطس، التقى السيناتور كونس وعضو الكونغرس دافيد براس، الرئيس قيس سعيّد، في قصر قرطاج.

 

 

 السيناتور الأمريكي كريس كونس

 

 

 عضو مجلس النواب الأمريكي دافيد برايس

 

وفيما يلي نص المقال الكامل الذي ترجمته عربي21:

 

في الفترة ما بين كانون الأول/ ديسمبر من عام 2010 وكانون الثاني/يناير من عام 2011، ألهم الشعب التونسي العالم بما أطلقه من انتفاضة من أجل الديمقراطية استمرت ثمانية وعشرين يوماً، غدت تعرف باسم "ثورة الياسمين"، وأفضت إلى الإطاحة بالدكتاتور زين العابدين بن علي، الذي جثم على صدر البلاد والعباد دهراً طويلاً.

 

ويرى كثيرون أن ثورة الياسمين هي التي أطلقت شرارة الربيع العربي على نطاق أوسع، وبعده ظلت تونس لسنوات صامدة باعتبارها الديمقراطية العربية الوحيدة التي لديها قصة نجاح مكنتها من النجاة.

 

وتبنت البلاد دستوراً تقدمياً وجامعاً، ثم نظمت انتخابات حرة ونزيهة، رئاسية وبرلمانية، في عام 2014 ثم في عام 2019.

 

وكانت أربع منظمات رائدة تنشط في المجتمع المدني التونسي قد منحت في عام 2015 جائزة نوبل للسلام على جهودها في تأمين هذا النظام الدستوري الجديد.

 

لكن حكاية تونس الجميلة ما لبثت أن فقدت بريقها، فبعد مرور عقد فقط على انطلاق ثورة الياسمين، ها هي الديمقراطية في البلاد تناضل دفاعاً عن وجودها.

 

وفي سلسلة من الخطوات الجريئة على مدى العام الماضي، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد  -والذي كان قد انتخب ديمقراطياً في عام 2019- قرارات بحل البرلمان، وإحالة كافة صلاحياته إلى نفسه، وتولي كامل صلاحيات السلطة التنفيذية، وحل المؤسسة القضائية الذي كانت تمارس دور الرقيب، وتعيين موالين له في الهيئة المشرفة على إجراء الانتخابات في البلاد.

 

وفي البداية، ساند التونسيون بشكل عام الخطوات التي اتخذها سعيد، حيث زعم الرئيس أنه كان يسعى لإصلاح النظام المشلول، ولكن عندما ضغط عليه منتقدوه، أشار إلى أنه ينوي قريباً إجراء إصلاحات انتخابية، وحدد موعد الانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام.

 

وفي الشهر الماضي، ترأسنا وفداً من الحزبين ومن المجلسين في الكونغرس الأمريكي إلى تونس، العاصمة التونسية، لنرى بأنفسنا إلى أين تسير البلاد.

 

وهناك التقينا زعماء المجتمع المدني، الذين عبروا عن إحباطات عميقة ولدتها سنوات من الانسداد السياسي والفساد في بلدهم.

 

وبعد عقد من الديمقراطية، كانت المطالب الأساسية، مثل "الوظائف والحرية والكرامة" -وهو الشعار الذي رفعته ثورة الياسمين- لاتزال بعيدة المنال.

 

وبدلاً من ذلك غدت البطالة في تزايد، ومستويات المعيشة في تراجع، وأدى نقص الغذاء والوقود إلى تقويض ثقة الشعب بالمؤسسات الديمقراطية، ما ترك كثيراً من التونسيين يبحثون بإلحاح عن سبل مختلفة للمضي قدماً، حيث يمكن في هذا السياق فهم دعمهم لقيس سعيد.


وفقط قبل أسابيع من زيارتنا، في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، قنن قيس سعيد استيلاءه على السلطة من خلال استفتاء على الدستور الجديد الذي صاغه بنفسه.

 

ويسلب الدستور الجديد الصلاحيات من البرلمان، ويركز السلطة في الرئاسة، في تأسيس للإجراءات التي كان قد اتخذها قيس سعيد حتى حينه.

 

كما يسمح للرئيس بفض البرلمان في أي وقت، ويحرم البرلمان من سلطة سحب الثقة من الرئيس، ويتضمن مواد مقلقة تتعلق بالأمن القومي وقضايا الأخلاق، بما يسمح للدولة بحرمان الناس من حقوقهم.

 

وفي تصريح لوسائل الإعلام، قال أستاذ القانون الصادق بلعيد، الذي أشرف على صياغة مسودة سابقة للدستور الجديد ولكنه تبرأ من النسخة النهائية، إن الوثيقة يمكن أن "تمهد السبيل نحو دكتاتورية مخزية".


وبالرغم من نجاح الاستفتاء، إلا أن نسبة المشاركة المنخفضة التي لم تتجاوز 30.5 بالمئة، والمقاطعة الجماعية من قبل المجتمع المدني، تثبت وجود معارضة متنامية لاعتداءات قيس سعيد على الديمقراطية.

 

ولعل السبب من وراء ذلك هو أن إصلاحات سعيد تكلف تونس كثيراً من تقدمها الديمقراطي، دون معالجة التحديات الاقتصادية.

 

ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً لأحد.

 

وبينما يمكن للحكم المركزي أن يستهوي البعض كوسيلة لإنهاء حالة الانسداد السياسي، إلا أن الديمقراطية تبقى أفضل سبيل لضمان الحريات الشخصية والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والحفاظ على الأمن في أي بلد.


والآن تقف تونس على شفا انهيار اقتصادي، وقيمة العملة الوطنية، الدينار التونسي، في هبوط مستمر، وتراجع تصنيفه من حيث السندات.

 

وفي هذه الأثناء، تشهد أسعار الغذاء والوقود ارتفاعاً حاداً، وذلك بسبب النقص الحاصل في عدد من السلع الاستهلاكية الأساسية مثل الطحين والأرز نتيجة لغزو روسيا لأوكرانيا.

 

وبالمجمل بلغ معدل البطالة 17 بالمئة، ونسبة البطالة بين الشباب تكاد تكون ضعف ذلك، كما تستمر معدلات الفقر في الارتفاع، بينما يستشري الفساد والمحسوبية.


لو كان لدى تونس أي أمل في معالجة أزمتها الاقتصادية، فإنه سيتوجب على قيس سعيد القيام بإصلاحات بنيوية جادة، وضمان الدعم الشعبي الواسع لها.

 

ولطالما أوصى الاقتصاديون التونسيون باتخاذ إجراءات معينة، مثل خصخصة المشاريع التي تملكها الدولة، ورفع القيود عن النشاط التجاري، لتعزيز تنمية القطاع الخاص ونمو المشاريع.

 

ولكن بدلاً من الاستماع إليهم، ضاعف قيس سعيد من إنفاق القطاع العام، وتوجه نحو الاقتراض من الخارج لتغذية الاقتصاد التونسي.

 

وبدءاً من كانون الأول/ ديسمبر 2021، شكل الدين العام ما نسبته 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، وتلوح في الأفق إشارات عن عجز عن السداد.


ويفاوض صندوق النقد الدولي حالياً على حزمة إنقاذ لتونس، لكن هذه ستكون مشروطة باتخاذ إجراءات تقشف مؤلمة، وبخفض للدعم الذي تقدمه الحكومة.

 

وسوف يتطلب تنفيذ ذلك تأييداً من اتحاد الشغل القوي في تونس، وكذلك من قطاعات أخرى في المجتمع.

 

وحتى الآن، ما زال اتحاد الشغل متردداً في دخول معترك النزاع السياسي، وتجنب إلى حد كبير توجيه انتقادات مباشرة لإجراءات قيس سعيد.

 

ولكن في حزيران/ يونيو، نظم اتحاد الشغل إضراباً عاماً ليوم واحد للاحتجاج على الحكومة، وكان ذلك هو أول إضراب له في عهد قيس سعيد، ما يعني أنه قد يتخلى عن موقفه الحالي بالنأي بنفسه عن المعترك السياسي.


وفي نهاية المطاف، يتطلب تعزيز الاقتصاد التونسي إحياء الديمقراطية من جديد.

 

وتثبت الدراسات أن التحول الديمقراطي يمكن مع الوقت أن يزيد من الناتج المحلي الإجمالي للبلد بما نسبته 20 في المئة.

 

ورغم أنه من الممكن تنفيذ إصلاحات دون ديمقراطية، إلا أن الزعماء يكونون أكثر استعداداً لإجراء الإصلاحات إذا ما دُفعوا نحو ذلك -وكانوا مسؤولين ومحاسبين- من خلال تفويض شعبي.

 

وهذا ينطبق على قيس سعيد، الذي رغم أنه أدار حملة انتخابية ضد الفساد ومع العدل والمساواة، إلا أن الرئيس لم ينجز ما يستحق الذكر في تلك المجالات، وبدلاً من ذلك تراه مشغولاً بتركيز السلطة في يده.

 

ومن خلال رفض تطوير أجندة اقتصادية -والسير بالتزامن مع ذلك في اتجاه غير ديمقراطي- فإنه ينفر المانحين الأجانب الذين كان بإمكانهم أن يمدوا بلاده بحبل نجاة من المساعدات التي هي في أمس الحاجة إليها.

 

بمعنى آخر، يدفع قيس سعيد تونس نحو الفشل.

 

ويمكن للمانحين مثل الولايات المتحدة أن ينتقدوا الأوضاع في تونس، حتى يساعدوها على تجاوز الآثار المباشرة لإجراءات صندوق النقد الدولي، وضمان قدرتها على الشراء.

 

فعلى سبيل المثال، منذ عام 2016، تعمل الحكومة الأمريكية مع السلطات التونسية على برنامج مدمج عبر "مؤسسة تحدي الألفية" بقيمة 500 مليون دولار، والذي يستثمر مبلغاً كبيراً في تونس، ويدعم تطوير الميناء والبنية التحتية.

 

إلا أن ذلك البرنامج المدمج، الذي تم إقراره في شهر حزيران/ يونيو 2021، قيد المراجعة الآن بسبب الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد، ولسوف يتخذ مجلس إدارة مؤسسة تحدي الألفية قراراً نهائياً بشأن ما إذا كان سيحول الأموال هذا الخريف إلى موقع آخر.

 

كما اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن تقليص المساعدة الاقتصادية والأمنية الأمريكية للحكومة التونسية.

 

وفي معرض تفسيره للتقليصات المقترحة، صرح ناطق باسم وزارة الخارجية لموقع المونيتور بأنها "تعكس قلقنا الكبير من استمرار التراجع عن المسار الديمقراطي".

 

وأقر الكونغرس هذه التقليصات، والتي من المحتمل أن تبقى متضمنة في أي مشروع قانون يتم تبنيه ما لم تحصل تغييرات دراماتيكية في المؤسسات الديمقراطية التونسية.

 

وليس واضحاً ما إذا كانت هذه التقليصات كافية لإقناع قيس سعيد بتغيير المسار، لكن أياً كان الأمر، لسوف يشعر بها الشعب التونسي.

 

وبصفته أستاذا في القانون الدستوري وسياسيا مستقلا، يضفي قيس سعيد شرعية على السياسة التونسية لم تكن تتوفر لأسلافه، فهو يعرض لنفسه صورة الشخص الذي لا يمكن إفساده، والذي يتمتع بسلطة أخلاقية صارمة.

 

وعندما التقينا به برر أفعاله باعتبارها إجراءات ضرورية لإصلاح الشلل السياسي، ومحاربة الفساد، واستعادة سيادة الشعب من السياسيين الأفاقين.

 

كان يسيراً رؤية كيف تجد رسالته الشعبية قبولاً في ظروف تونس الاقتصادية الصعبة.

 

إلا أنه وبينما يسعى لتركيز السلطة في جهاز تنفيذي قوي، فإنه يسقط من حساباته أهم نقطة، ألا وهي أن الفصل بين السلطات هو ما يضمن وضع المسؤولين قيد المحاسبة ويمنع استغلال السلطة وسوء استخدامها، إذ لا يوجد بديل عن الضوابط والموازين المؤسساتية.


وكما يتبين من التهديدات الأخيرة التي تعرض لها النظام الانتخابي في الولايات المتحدة، يمكن للديمقراطية أن تكون عملية صعبة وهشة، لكنها نظام الحكم الوحيد الذي يعكس إرادة الشعب.

 

ولقد ناضل الشعب التونسي من أجل الديمقراطية أثناء الربيع العربي؛ لأنه اعتقد بأنها كانت أفضل السبل لتحقيق مستقبل مزدهر ومستقر.

 

وتشير استطلاعات الرأي التي أجراها الباروميتر العربي بأن التونسيين ما زالت لديهم نفس القناعة بالرغم من الإحباط الذي سببه لهم نظامهم السياسي.


لقد نجح قيس سعيد في تقويض تقريباً جميع الإنجازات الديمقراطية التي تحققت لتونس خلال العقد الماضي، ولكن لم يفت الأوان للتراجع عن هذا المسار.

 

ويتوجب على الشعب التونسي وعلى زعماء المجتمع المدني الإعلان صراحة بأنهم لن يتسامحوا مع أي اعتداءات أخرى على الديمقراطية.

 

ويجب عليهم أن يحاسبوا قيس سعيد بناء على ما كان قد التزم به علانية من تعهد بحماية الحيز المدني وتنظيم انتخابات برلمانية شرعية لا تقصي أحداً بنهاية هذا العام.


لكن إذا اختار الناس في تونس بدلاً من ذلك التزام الصمت والانعزال بينما يستمر قيس سعيد في نفس المسار، فسوف يجدون أنفسهم أبعد ما يكونون عن النجاح الاقتصادي في نفس الوقت الذي يكونون فيه قد ضحوا بحرياتهم الديمقراطية التي كافحوا بشدة من أجل تحقيقها.

 

إن الازدهار الاقتصادي والحقوق الديمقراطية يعزز بعضها بعضاً، وبإمكان الشعب التونسي أن يحظى بها جميعاً، وهي بالفعل تستحق أن يناضلوا من أجلها معاً.

 

التعليقات (2)
ابوعمر
الجمعة، 30-09-2022 02:07 م
هذا القرد الملون بين الاشقر او الاحمر والبياض مثل القرودفي المحيط المتجمد الشمالي...هذا القرد لايصلح معه غير الخرطوش مثل الخنازير المشاغبة
الغضبان
الجمعة، 30-09-2022 07:07 ص
الحل: خيار الدين و كفاها غربيات و تطاولا مزمنا على الله عز و جل لعنات الله على حبيب بورقيبة الذي كيان مسلم إلى غربي بامتياز كما حول الملعون اتاتورك دولة كبيرة إلى حظيرة من النصارى بل إلى سرك من العلمانيين لا عقل لا دين