كتاب عربي 21

رؤساء في مسرح العرائس

أحمد عمر
عربي21
عربي21
مبكراً.. حذّر حازم أبو إسماعيل الشعبَ المصري من السيسي في ثياب الواعظين، وكشف أنه ممثلٌ عاطفي، والشعب المصري يؤخذ بالعاطفة، والطرفة، والموعظة. وكاد الشعب المصري المتظاهر أن يتقهقر من ميدان التحرير بخطاب مبارك بالعربية "الفصحى"، عندما أبدى رغبته في الموت على تراب مصر، كأنه مقاتل في معركة، وما أن ذكر مبارك هادم اللذات حتى كادت الجماعة المجتمعة بعد فراق طويل أن تتفرق مثل حجارة كرة البولينغ.

لكل أمة خصائصها، وكانت خصيصة العرب هي في البيان الشعر والخطابة، فالشعر هو ديوان الأيام والوقائع، وسجل المفاخر والمآثر، ولم يسُدْ رئيس أو ملك إلا وله حظ من الشعر أو الخطابة، وبقي الأمر على ما هو عليه حتى ظهر الفن السابع، فسادَ على الفنون جميعاً وأزرى بها. وهو فنٌ غربي مستورد، قوامه الحكاية والكذب، وهو سلاح ذو حدين، لكن يستعمل بحدٍ واحد في الأعم الأغلب.

وكانت القاهرة أول عاصمة عربية أخذت بالفن السابع فأمست هوليود العرب، وكعبة الفنانين ومهوى أبصار العرب، وقد استعمل معبدا في مواجهة المسجد. وللسينما كل مواصفات المعبد، ونجوم السينما هم الآلهة. ليس في سجون الطغاة نجوم سينما، لكنها مكتظة بالعلماء والأدباء.

وقد تسنّم ممثلون أعلى مناصب الدولة في عدة دول غير عربية؛ مثل أوكرانيا، التي تولّى رئاستها فولوديمير زيلينسكي، وكذلك ترامب في أمريكا الذي ظهر في أدوار عابرة وبرامج تلفزيونية، والرئيس رونالد ريجان، والممثل "جوزيف استرادا" في الفليبين، وجيمي موراليس في غواتيمالا. والنواب الممثلون في البرلمانات أكثر من الرؤساء الممثلين.

كان التمثيل مستقبحاً لدى العرب أول أمره، وكانت صفة الممثل هي المشخصاتي، وهو وصف مذموم، لكن لا يثبت على حال إلا رب الأحوال، فقد دار الزمان دورته، وتردّى حال الخطيب والشاعر، وأمسى الممثل بطل الأمة، والممثل رجلا يجيد فن الكذب والخدع

أما في البلاد العربية ذات الخصائص المختلفة عن الغربية، فقد تحوّل بعض رؤسائها إلى ممثلين. وكان محمد حسنين هيكل قد ذكر أن جمال عبد الناصر مثّل في أيام الثانوية "فولتير رجل الحرية"، ومسرحية "يوليوس قيصر" لشكسبير، ولم يذكر لنا الشخصية التي لبسها عبد الناصر، فلعلها بروتوس، فقد فعل "رجل الحرية" بمحمد نجيب -أول رئيس مصري منقلب- ما فعل بروتوس بيوليوس قيصر.

وذكر الصحافي أنيس منصور أن السادات كان يهوى التمثيل، وكانت له صحبة مع أبطال مدرسة المشاغبين، ويلتقي بهم ليلة الجمعة لبحث شؤون مصر والأمن القومي ومدرسة المشاغبين.

كان التمثيل مستقبحاً لدى العرب أول أمره، وكانت صفة الممثل هي المشخصاتي، وهو وصف مذموم، لكن لا يثبت على حال إلا رب الأحوال، فقد دار الزمان دورته، وتردّى حال الخطيب والشاعر، وأمسى الممثل بطل الأمة، والممثل رجلا يجيد فن الكذب والخدع، وهو حسب أشهر ممثل أمريكي مارلون برادو، الذي ضاق بالتمثيل فرفض الأوسكار التي نالها مرتين، أنَّ الممثل يؤدي أدواراً كثيرة حتى ينسى شخصيته الحقيقية.

وقد حاولت قوى دولية تولية الممثل جمال سليمان منصب رئاسة سوريا في المنفى، فهو يجمع في النسب بين السنّة والعلوية، وهو وسيم، حرر الأقصى في دور صلاح الدين الأيوبي، وبنى حضارة الأندلس بدور صقر قريش. فإذا كان لصلاح الدين مأثرة واحدة هي حطين، فإن لجمال سليمان مآثر تعد عن الحصر والعدِّ.

ونرى مشاهد من الفيلم الطويل الذي يمثله الرئيس المصري الذي قد يناسبه عنوان: "خير فراخ الأرض" أو "أفواه وإسفلت"، وهو أكثر الرؤساء العرب براعة في التمثيل، فقد أدى شخصيات وأدواراً كثيرة، أكثر من إسماعيل ياسين ومحمود ياسين في "أيام الزمن الجميل". ومثل كل الممثلين بدأ بأدوار كثيرة أهمها دور الخادم المخلص، ودور العابد التقي الزاهد، الذي يكتفي بأحد الأسودين، وهو الماء، ثم انقلب فمثّل دور القائد الذي فتح مصر مرة ثانية وخلصها من استعمار الإخوان المنتخبين، ودحرهم بتمثيلية صغيرة، وعطل دستور مصر المختار بالاستفتاء ثم أتلفه، ولعب دور الفتى الحليوة، وفتى العرب الوسيم.

وعجب كاتب المقال كيف لم يطلب منه محبّوه أن يتقنع خوفا من فتنة الناس بجمال طلعته وحسن وجهه، وأدّى دور الراعي الكذاب، ودور الفتى الخجول الذي يأكل القط عشاءه، ودور العروسة، وهو أشهر أدواره ويناسب شخصيته الحقيقية، والرئيس البكّاء، وقد رأينا دموعه على الفتاة اليزيدية، مع أنَّ في سجون مصر فتيات يُبكى عليهن بدلا من الدموع دماء، ودموع أخرى في غير محلها، مثل دمعته في مشهد كوميدي متأثرا بالممثل أشرف عبد الباقي، ودور الداعية، ودور الفقيه، وأشهرها: قوله إنَّ امرأة غيرت "القانون" على عهد النبي، ودور الفرعون المسكين الذي لا يستطيع إطعام شعبه.

والخلاصة أنه ممثل يمثل على الطريقة الهندية المشهورة بالمبالغة في الأداء. أما دور الملك المصري الغضوب للحق، فقد مثّله حق تمثيل بتدمير سيناء غضبا لجارته إسرائيل، بل دمر مصر كلها شعباً وحضارة، وإن كان دور الغضوب يلتبس عنده، فيخلط فيه بين الحب والمناجاة، وبين التهديد والوعيد. ومثاله؛ تحذير من تحرير المدينة الليبية سرت فقال: سرت خط أحمر، وقالها وكأنها جملة في مشهد حب ومناجاة! ولعب دور الرئيس الرحيم، الذي يقف للضعفاء على الطريق ويواسيهم، ودور الرئيس الرياضي، الذي يقود الدراجة من غير أن يسقط.

وهو يحب الظهور كثيراً، حتى أنَّ المشاهد ليخلط بين الكوميديا والتراجيديا، فهي مشاهد مضحكة مبكية، أما مشاهده المضحكة، فهي كثيرة على الحصر.

وقد كرهت العرب التمثيل في أول دخوله إلى بلادهم لأنه فنٌ ضد طبائعهم وأخلاقهم، وهجموا على المسارح في الشام، لكنه استمر بقوة الحضور، وانتشار الثقافة الأمريكية بالغزو الثقافي.

وكان الأسد الأب يفضل دوراً واحداً فقط، مع أنه لعب عدة أدوار، مثل دور الرئيس التقي، الذي يحضر أعياد شعبه مثل يوم الإسراء والمعراج، ويوم المولد النبوي، ثم زهد في التمثيل واستقر على دور المخرج والبطل الغائب.

أما حفتر، فقد أحب له مخرجه دور "الكوماند"، فهو دوره الوحيد، لتناسبه مع هيئته وقامته وموقعه، ووظيفته التي انتُدب لها في فيلم ثورة ليبيا، وهو يؤدي جملة واحدة منذ أن تولى ما تولى: لقد حانت ساعة الصفر، وتشبه جملة مظهر أبو النجا: يا حلاوة. وأمس زاره مندوب أمريكي، فطلب منه طرد قوات فاجنر، مع صعود دورها في الحرب الأوكرانية.

أما الرئيس التونسي، أستاذ القانون الدستوري، فقد ارتأى له المخرج دوراً واحداً بعد أن خبر مزاج الشعب التونسي، هو دور الخطيب العربي، ابن جلا وطلاع الثنايا، وهو الدور الوحيد المقتبس من الذاكرة العربية والتاريخ المجيد.

يضطر المخرج أحيانا إلى استبدال بطل الفيلم بسبب إصابة أو حادث أو غلو في النجومية أو خروج عن النص، بنجم شبيه، وهو ما تشير إليه الوقائع في مصر وسوريا، فالفيلم يجب أن يستمر حتى يتغير المخرج، أو يغير الكومبارس ما بأنفسهم

المخرج المساعد أو المخرج المنفذ، يدير المشاهد من الإمارات، أما المخرج الأول، فهو في أمريكا، والشعب كله كومبارس، أما الأبطال الذين عرفوا الحبال من الثعابين، فكان مصيرهم السجن أو القتل. وقد طال الفيلم كثيراً، والبطل يرفض منح الكومبارس أجورهم، وقد جاع الكومبارس جميعاً، ويرون أن البطل لا يلتزم بالسيناريو. وأدركوا أن الرئيس يلعب دور الذئب في الحكاية الشهيرة، صوته صوت ذئب، وبراثنه براثن ذئب، وإن ارتدى فروة الخروف. أما ديكور الفيلم وأثاثه، فهي الجسور والمدينة الإدارية في مصر، والأنقاض في سوريا، أما تونس فالرئيس في غنى عن الديكور، فهو الديكور.

يضطر المخرج أحيانا إلى استبدال بطل الفيلم بسبب إصابة أو حادث أو غلو في النجومية أو خروج عن النص، بنجم شبيه، وهو ما تشير إليه الوقائع في مصر وسوريا، فالفيلم يجب أن يستمر حتى يتغير المخرج، أو يغير الكومبارس ما بأنفسهم.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (1)
همام الحارث
الثلاثاء، 24-01-2023 03:37 ص
الاستعمارُ ، و الأفضل القول الاستدمار أو الاستخراب ، ممقوتٌ "و المقتُ أشد البغض" سواءً كان قديماً أو حديثاً . لقد كان القديم يتولى بنفسه سياسات غزوِ العقولِ و نهبِ الثروات ثم خطرت له فكرة منح البلدان "الاستقلال الوهمي" أي أن يكون له "ممثلين" ينتدبهم لتثبيت و لديمومة السيطرة الاستعمارية و هؤلاء كانوا يتظاهرون أنهم من بني جلدة البلدان الخاضعة لذلك الاستعمار و كانوا على درجة عالية من إتقان فن التمثيل متقربين من الشعوب أعطوها هامشاً لكي تمارس حياتها العادية مع تلبية لجزء من الحاجات الأساسية و الكمالية بالإضافة إلى تصنيع برلماناتٍ أو مجالس نيابية أو مجالس أمة تختارها الشعوبُ من خلال انتخاباتٍ تبدو في الظاهر أنها حُرَة نزيهة. كان سقفُ التمثيلية انتقاد محافظ أو رئيس بلدية أو وزير أو حتى رئيس وزراء ، و كان ممنوعاً انتقاد الرأسِ - أو أكبر ممثلٍ- و أجهزته القمعية "المسماة أمنية زوراً و بُهتاناً" . بعد الحرب العالمية الثانية ، تحرك استدمارٌ او استخرابٌ - و يضاف هنا استحمارٌ – حديثٌ لينتزع السيطرة من القديم و جرى تمثيلٌ بارعٌ في البداية بأن لبِس الممثلون الجدد أدوار المحررين و بأن الممثلين مُناهضين للامبريالية . مع مرور الوقت ، قلَت براعةُ هذا القادمِ الجديدِ من حظائر الأبقار نتيجة اغتراره بقوته و من خلال نظرته الفوقية الاستعلائية و صارت تمثيلياته هزلية هندية مكشوفة لدى الشعوب . كان لي صديق دكتور من بلد استعماري قديم ، ذكر لي انه يكره مُخرِج الأفلام "القادم الجديد" فقلت له "لماذا تكرههم ؟" فقال "لأنهم أغبياء" . يقول بعض علماءنا الأفاضل أن "الغباء جندي من جنود الرحمن عزَ و جلَ" . اللعبُ على المكشوف - في إخراج التمثيليات ممن يزعم أنه "و إنَي وإن كنتُ الأخيرَ زمانَهُ** لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ"- كان مؤداه أن كثيراً من أبناء و بنات الشعوب باتوا يُدركون أن الممثلين طراطير العرائس – العاملين بدون أي هامش إيجابي – ليسو من بني جلدة الشعوب مُطلقاً و إنما من أقليات جرى تخويفها من الأكثرية فاتبع هؤلاء –عن عمد و سابق إصرار - أدوار تخريب البلاد و إفقار العباد إلى أبعد الحدود الممكنة و أحد هؤلاء هو فخامةُ الرئيس "ياسر جلال" الذي حياته عبارة عن (( كذبة كبيرة )) و فخامةُ الرئيس "القاصر الأصفهاني" عنوان التفاهة في التمثيل السينمائي !!