بورتريه

بوريل "عدو" تل أبيب يتنحى وكالاس "حليفة" كييف مكانه (بورتريه)

تسجل لبوريل مواقف متقدمة جدا من الإسلام والعرب والحوار بين الأديان والرهان على حل القضية الفلسطينية- عربي21
تسجل لبوريل مواقف متقدمة جدا من الإسلام والعرب والحوار بين الأديان والرهان على حل القضية الفلسطينية- عربي21
ربما يكونان على طرفي نقيض في الملفات السياسية الأهم التي تهم أوروبا: الهجرة، الحرب في أوكرانيا والعلاقة مع روسيا، الملف النووي الإيراني، وفلسطين ودولة الاحتلال.

اختلافهما عن بعضهما البعض ربما لا يكون واضحا بشكل نافر ومتناقض، فهما يمثلان في النهاية السياسة التي تنتهجها دول الاتحاد الأوروبي، فمنصب المفوض السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن، أقرب ما يكون إلى منصب وزير الخارجية الذي تكون مهمته الملفات المتعلقة بالشأن الخارجي للاتحاد الأوروبي الذي تتخذ جميع قراراته بالإجماع وليس بالأغلبية.

ورغم ذلك فقد أبدت تل أبيب ارتياحا غير عادي بقرب رحيل الإسباني جوزيب بوريل عن منصب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "الناقد" بلا كلل وبلا ملل للسياسة الإسرائيلية، لتحل مكانه رئيسة وزراء جمهورية أستونيا، كايا كالاس التي تبدو أكثر "تفهما" للرواية الإسرائيلية لكن دون تكلف ودون إفصاح أقرب إلى الحياد.

جوزيب بوريل، المولود عام 1947، في قرية صغيرة بأقليم كتالونيا، حيث امتلك والده مخبزا صغيرا، اضطر بسبب موقع قريته البعيد عن المدارس إلى تلقى تعليمه في المنزل بمساعدة أمه ومعلم متقاعد.

انتقل إلى برشلونة لدراسة الهندسة الصناعية، لكنه غادر المدينة إلى مدريد لدراسة هندسة الطيران في جامعة "مدريد التقنية" وتخرج منها عام 1969. وحصل على درجة الماجستير في الرياضيات التطبيقية من جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا، ودرجة الدراسات العليا في اقتصاديات الطاقة من "المعهد الفرنسي للبترول" في باريس.

ولاحقا حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من  جامعة "كمبلوتنسي" في مدريد.

دخل إلى عالم السياسة بصفته عضوا في "الحزب الاشتراكي العمالي" الإسباني خلال فترة انتقال إسبانيا نحو الديمقراطية، وشغل عدة مناصب حكومية في وزارة الاقتصاد والمالية بصفة أمين عام للميزانية والإنفاق من عام 1982 إلى 1984 ومباشرة أمين الدولة للتمويل حتى عام 1991.

 ثم انضم إلى مجلس الوزراء وزيرا للأعمال العامة والنقل حتى عام 1996.

اظهار أخبار متعلقة


فاز في انتخابات عام 1996 لكنه استقال في عام 1999، لينتقل بعدها إلى السياسات الأوروبية، ليصبح عضوا في البرلمان الأوروبي خلال الفترة ما بين عامي 2004 و2009 وتولى منصب رئيس البرلمان الأوروبي لأول نصف من مدة الولاية.

ثم عاد من جديد إلى المناصب في بلاده إسبانيا، وشغل منصب وزير الشؤون الخارجية ما بين عامي 2018 و2019، قبل أن يصبح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية منذ عام  2019.

وحين عين في منصبه الحالي كان الأمر أشبه بدلو ماء بارد سكب على رأس تل أبيب، فهذا الدبلوماسي المخضرم سريع الغضب وحاد اللسان، لا يتوقف عن الاقتراب من الرواية العربية الفلسطينية للصراع مع المحتل في كل المناسبات التي يتحدث فيها.

تسجل له مواقف متقدمة جدا من الإسلام والعرب والحوار بين الأديان والرهان على حل القضية الفلسطينية، ثم مناهضة السياسة الأمريكية خاصة في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وأعرب عن رفضه "اتفاقيات أبراهام" عام 2020، واعتبرها غير مجدية، كما أنه كان من أكبر الرافضين لنقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة.

يعد في أوروبا أكبر المدافعين عن الفلسطينيين. ويصف الحرب في غزة بأنها "حرب ضد الأطفال". واقترح تعليق الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال احتجاجا على أوضاع حقوق الإنسان في غزة، لكن جهوده لم تثمر.

وقال خلال جلسة حوارية حادة استضافتها الجامعة الأردنية في العاصمة عمان:" نحن في أوروبا قتلنا اليهود ونحن المذنبون والهولوكوست خطأ أوروبي ولا يتوجب أن يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني".

وذات احتفال بذكرى اغتصاب فلسطين قال إن "الاحتفال  بذكرى تأسيس دولة إسرائيل ملطخ بالدماء".

موقف بوريل المتعلق بالملف النووي الإيراني متوازن، فقد أكد ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي، لافتا إلى أن "التكتل سيواصل العمل مع طهران من أجل استعادة العمل بالاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015".

كما أنه يرفض إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة "الكيانات الإرهابية"، قائلا إن "هذا الأمر لا يمكن أن يصدر به قرار دون محكمة. لا يمكنك أن تقول أنا أعتبرك إرهابيا لأنك لا تعجبني".

وحين يتحدث بوريل عن الحرب في أوكرانيا فهو يستخدم مصطلحا أقرب إلى إشارة تحذير حمراء قائلا "أوروبا في خطر". مشددا على أن الاتحاد الأوروبي لن يشارك في النزاع في أوكرانيا، ولكنه سيواصل تقديم المساعدة العسكرية لكييف، ويتابع سياسة العقوبات ضد روسيا.

أما خليفته، التي قد لا تكون بالنسبة للفلسطينيين خير خلف لخير سلف، كايا كالاس، فقد ولدت في تالين عاصمة إستونيا في عام 1977، وهي ابنة سيم كالاس رئيس وزراء إستونيا ولاحقا صار مفوضا أوروبيا. وكان جدها أحد مؤسسي جمهورية إستونيا في عام 1918.

تخرجت من جامعة تارتو في إستونيا في عام 1999 بدرجة بكالوريوس في القانون. وفي عام 2007 التحقت بمدرسة الاقتصاد الإستوني، وحصلت على ماجستير في علوم الاقتصاد في عام 2010.

اظهار أخبار متعلقة


وفي عام 2010 قررت الانضمام إلى "حزب الإصلاح" الإستوني. وفازت بعضوية البرلمان الإستوني في عام 2011، ولاحقا انتخبت في عام 2014 عضوا في البرلمان الأوروبي.

في عام 2017 أعلن هانو بيفكور زعيم "حزب الإصلاح" أنه لن يترشح لزعامة الحزب واقترح كالاس بديلا عنه. وفي عام 2019 فاز الحزب بزعامة كالاس بالانتخابات العامة. وفي عام 2021، وبعد استقالة يوري راتاس من رئاسة الوزراء، شكلت كالاس حكومة ائتلافية بتحالف "حزب الإصلاح" مع "حزب الوسط"، لتكون أول امرأة تشغل منصب رئيس وزراء في تاريخ  إستونيا.

وأعلن عن ترشيحها لمنصب المفوض السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بدلا من جوزيب بوريل، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه عن استعدادها لتولي منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي.

ورغم أن تل أبيب رحبت بتعينها بدلا من جوزيب بوريل، إلا أن نوابا أوروبيين يشعرون بالقلق لأنها لم تعط أولوية كافية للوضع الإنساني في غزة.

وتعتبر كالاس من أكثر المؤيدين المتحمسين من بين قادة الاتحاد الأوروبي لنظام كييف، وأعلنت أنها ستخصص 0.25% من الناتج المحلي الإجمالي لإستونيا لتلبية الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا خلال 4 سنوات.

واقترحت كالاس أن يفرض جيران روسيا حظرا تجاريا موحدا، ووضع مجلس وزرائها قانونا لإضفاء الشرعية على الاستيلاء على الأصول الروسية.

وأصدرت وزارة الداخلية الروسية مذكرة توقيف وإحضار ضدها ووضعتها على قائمة المطلوبين بتهم جنائية. وأعلن الكرملين، أنه أدرج كالاس وغيرها من المسؤولين في دول البلطيق على قائمة المطلوبين ردا على قيامهم بـ"أعمال معادية" لموسكو.

وأصبحت إستونيا، وهي جمهورية صغيرة على بحر البلطيق وتضم 1.4 مليون نسمة، إحدى كبريات الدول المانحة عبر مساعدات عسكرية لأوكرانيا على أساس نصيب الفرد.

وباستثناء عدائها لروسيا فإنه لا يعرف لها موقف قوي وحاسم وواضح.

ويعتقد أنها ستدافع عن احترام القانون الدولي في الشرق الأوسط تماما كما تفعل في أوروبا وتتهم روسيا بانتهاكه.

اظهار أخبار متعلقة


كالاس أعربت عن دعمها لـ"حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها" و"أدانت" حماس، كما أنها دعمت حل الدولتين ودعت إلى وقف إطلاق النار.

وحين كانت في منصبها كرئيسة وزراء إستونيا فقد زادت حكومتها من تمويل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وعلى الرغم من أن إستونيا لا تعترف بدولة فلسطينية، فقد دعمت  قرارا للأمم المتحدة لترقية وضعية المراقب للأراضي الفلسطينية إلى عضوية كاملة.

وفي جلسة الاستماع إليها في البرلمان الأوروبي لم تجد كالاس ما تقوله بالنسبة لما هو حاصل في غزة سوى دعوة الطرفين إلى "ضبط النفس" ومن غير الإشارة، من قريب أو بعيد، إلى ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في القطاع.

 و"التزامها" الوحيد جاء في تأكيدها أنها ستعمل على وضع حد للنزاع في إطار حل الدولتين وهو التزام لا يقدم ولا يؤخر. وعلى عكس سلفها، فإن ملفات الشرق الأوسط لن تكون لها الأولوية. فالمسؤولة الجديدة ليس معروفا عنها اهتمامها بهذه الملفات، بل إن ما تضعه نصب عينيها هو الحرب الروسية-الأوكرانية، كما أنها أطلسية الهوى.
التعليقات (0)