مدونات

قراءة التاريخ.. حلول للدراسة (2-3)

محمد صالح البدراني
"أضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف"
"أضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف"
التقليدية مشكلة وليست حلا:

النظر إلى صُلب الحياة المدنية وكأنها من صُلب الدين كثوابت أو تقديس الأشخاص المجتهدين في عصورهم أو أيٍّ من الصحابة وآل البيت دون فصل حياتهم المدنية عن مكانتهم في الدين أو معرفتهم واجتهادهم في العبادات؛ معضلة أمام تفسير حقيقي للتاريخ والاعتبار منه أو التقدم إلى الأمام، لأن أي رأي تجد من يعيدك إلى مقدس ليس مقدسا كرأي فقيه أو مجتهد وظرف عصر مختلف.

فالمشكلة الكبرى وهي الفتنة، بدأت باغتيال لخليفة وهدأت بإدارة خليفة رفض الاستمرار (الحسن رضي الله عنه) وحل المشكلة سياسيا، بشرط عودتها للأمة وهي من قواعد الشورى الفكرية في الحضارة الإسلامية، أي حكم الشعب لنفسه من خلال حقه في تنصيب أدوات الحكم وإبدالها أو خلعها، وهي مسألة قيمية إرشاديه للحياة المدنية وأهم ما فيها هو الاستقرار بإنشاء حكم أمين رشيد.

السؤال: هل كان يمكن تفادي الفتنة؟ الجواب افتراضيا نعم، لأنها في واقع الحال مشكلة سياسية تطورت إلى الاتجاه السلبي وأخطاء بشرية من الطرفين، رغم أن موقف معاوية كان به خلل في بعض المفاصل كمواجهة جيش فيه الخليفة ونهضة العصبية القبلية، ثم بعد صلحه والحسن t لم يلتزم بشرط الصلح وهو إعادة الولاية إلى الأمة وإنما جعلها ملكا وأسس لولاية التغلب التي ما زالت فاعلة الأمر الذي تسبب في حيثيات خروج الحسين رضي الله عنه، وما زال المتغلب لحد الآن مدنيا أو مغامرا أو عسكريا يحكم الأمة، وقد أصبح كالسيد الذي يسوس العبيد بلا إرادة ويكرر ما قاله فرعون في وصف المصلحين بما وصف فرعون موسى عليه السلام "لا أريكم إلا ما أرى"، "وأخاف أن يفسد عليكم دينكم"، وهو في الحقيقة يخاف أن تزول ركائز حكمه وظلمه.

كيف تحل مثل هذه المعضلة:

في التاريخ مهما كتبنا من حلول فهي محض رأي لا ينتج عنه أمر إلا تبريرات المخالفين له وجدل بيزنطي لا غرض لنا فيه. لذا فنحن ننتقل بالحالة إلى واقع اليوم مستفيدين من التطور المدني في مسائل القيادة والسيطرة والإدارة والحكم ونظم التعامل بين الجمهور والحاكم، ليس نقلا عن نظام ليبرالي رأسمالي فهذا النظام اقتُبس من الفلاسفة اليونانيين وتجربة أثينا ليحمي أصحاب المصالح أو النظام الرأسمالي ككل؛ بل نلجأ إلى ما يوافق العقيدة من فكر مستخدمين الآليات المتاحة لحين يلد الواقع والتجربة آلية مناسبة لمجتمع التكافل وسيادة الشريعة التي ليست الشريعة المنقولة من اجتهاد البشر، وإنما ما ينتج بشكل نظام أو قوانين من خلال استقراء الواقع ثم الاستنباط من القرآن والسنة والسيرة النبوية التي هي تاريخ يحمل خصوصية سير الشريعة على الأرض، وفق نظام معرف فيه الثابت والمتغير وما هو رأي بشري وما هو قول نبوي وما هو نص منزّل، وكيف يتعامل الحاكم، وكيف يتعامل القاضي وكيف يكون تقييم الرأي الشرعي والرأي المدني ضمن فكرة الإسلام ككل لحماية الأهلية للمواطن وخياراته لأنه من سيحاسب على قراراته الخاصة، أما ما يتعلق بأعماله وأقواله وفعل ما له تأثير على أرض الواقع على الناس ومعتقداتهم والدولة والحكم؛ فهنالك القوانين التي تحاسبه وتقدر كيف يكون عقابه أو إصلاحه إن كان ممكنَ الإصلاح أو يعد خطرا على المجتمع، وعندها فكل القوانين ستكون معرّفة مستنبطة على استقراء الواقع.

الحل الأمثل:

الحكم كان فرديا عندما كانت الحياة بسيطة والدولة لا تدخل التفاصيل في حياة الأفراد، لكن اليوم تشعبت الوسائل والحاجات والمخاطر والتحديات، وأضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف، بل وضعها في نظام لا يقبل التمرد، بل يضع خيارات الأمة هي الحكم وبشكل واضح، ففقدان الفهم والوضوح نتيجة توسع الدولة بلا وسائل الإفهام والتعليم والاجتهادات المنفردة، بعيدا عن المركزية لضعف التواصل وفقدان المؤسسات أوجد تلك الحالات.

بالعمل المؤسساتي تنتهي تلك المشكلة عندما يكون كل أمر مؤسساتي من الحكم وإدارته كمؤسسة الخلافة، وفيها تفاصيل تقود حركة الحكومات، إلى مجالس توظف الخبرة، فلا يوجد حاكم مدى الحياة حتى النظام الملكي، بل هنالك تغيير وفق إرادة الشعب، لكن منظومة الحكم لا تتبدل وإنما تحدّث وتبقى المشاريع متابعة وعن طريق مجلس التخطيط الاستشاري يتابع كل أمر دون أن يتدخل في إدارة الدولة، وإنما يستمر العمل والمخطط بحيث يكمل كل جديد من سبقه ويضع مشروعاته لينفدها ويكملها أو يكملها من يليه (هنالك مقالات للكاتب حول هذه الحلول مفصلة؛ ومنشورة سابقا) وكل فقرة بها شرح مهام وتفاصيل.

ألم بلا عواقب:

إن الإحساس بألم الظلم أولى الخطوات التي تحرك نحو الحرية، لكن لهذا شروط وأهمها الفهم ووضوح الرؤية، وكسر قيود التقليد والتحجر، وإبعاد التأليه والتقديس لكل ما هو قديم وبناء مدنية تعبر عن المجتمع ذاته من مخرجاتها وتشارك العالم في بنائها.

هذا الكلام هو مقدمة لما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من قراءة التاريخ..
التعليقات (0)