وجهت الخارجية الروسية تحذيرا لرعاياها في
ليبيا من استمرار البقاء في البلاد، كما أنها حذرت من يرغبون في السفر إليها من الروس من
ذلك، وقد تزامن هذا التحذير مع حادثة توقيف روسي من قبل السلطات الأمنية في طرابلس
بطلب من النائب العام. واستصحبت الخارجية الروسية قرار المنع الصادر منذ العام
2011م، واستثنت من لهم مهام رسمية من هذا التحذير، وعللت قراراها بالظروف الأمنية
في ليبيا خاصة في المنطقة الغربية.
الخارجية الليبية ردت ببيان يحتج على السلوك
الروسي، واعتبرت أن ما وقع ضد المواطن الروسي في العاصمة طرابلس هو إجراء أمني
اعتيادي تم بطرق قانونية، وأن التحذير الروسي يضر بالمصالح الليبية ويقوض مساعي
دفع البلاد باتجاه الاستقرار.
والحقيقة أن اندفاع الخارجية الروسية إلى
التحذير من البقاء أو الذهاب إلى ليبيا لمجرد توقيف مواطن روسي على خلفية اتهامات
طلب النائب العام التحقيق فيها يشي بتسيس ويشير إلى أن الحادثة في نظر موسكو أكبر
من مجرد الاحتجاج على فعل ضد مواطنها.
بعض المصادر ذكرت أن القبض على الروسي في
طرابلس تم بمساعدة أمريكية عبر تسريب معلومات تخص الروسي المذكور، وأن له علاقة
بنشاط أمني وعسكري لروسيا في أفريقيا، وهنا ربما تأخذ الحادثة بعدا أكبر من مجرد
مخالفة قانونية. خصوصا أن هناك سابقة ـ ربما أكثر من واحدة ـ تعلقت بالأشخاص
الذين تم اعتقالهم من سنوات مضت ينتسبون إلى مركز بحثي ويبدو أنه قد وقع تواصل
بينهم وبين سيف الإسلام القذافي، والمعلومات دللت وقتها أن القضية أكبر من عمل
بحثي علمي.
يوازي الحادثة تطورات مهمة تتعلق بالوجود
الروسي في شرق ووسط وجنوب البلاد وموقف الأطراف الدولية الغربية منها، فبعد سقوط
النظام السوري الحليف لموسكو وشروع الأخيرة في تفكيك ترسانتها العسكرية هناك، أكدت
مصادر أنها يمكن أن تُنقل إلى السواحل الليبية في شرق البلاد.
قد يكون من الصعب اجتثاث الوجود الروسي من البلاد عبر عمل عسكري تقوم به قوة محسوبة على أحد أطراف النزاع الليبي، وأنه ما لم يقع تأييد في مناطق وجود الروس في الوسط والجنوب والشرق، فإن العمل العسكري قد يؤزم الوضع أكثر، وعليه فإن التركيز ربما سيكون على الفصل بين روسيا وحليفها في الشرق والجنوب، وهذا إما أن يكون بضغوط شديدة أو صفقة تظهر عبر تسوية سياسية شاملة في البلاد.
الاستراتيجية الروسية التي خططت منذ عقود
للوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، ونجحت في العام 2013م في سوريا،
واتجهت إلى السواحل الليبية بعد العام 2019م، سيكون من المنطقي بعد خروجها من
سوريا أن تتمسك بليبيا لتكون البديل عن قاعدة طرطوس وغيرها من المواقع الحيوية.
ليس من المستبعد التحليل الذي يخلص إلى أن
من بين أهداف تمرير خطط المعارضة السورية لإسقاط بشار، وربما دعمها، هو ضرب المخطط
الروسي في البحر المتوسط ومنه إلى القارة الأفريقية، وخلخلة القاعدة الصلبة التي
تقف عليها وتنطلق منها الاستراتيجية الروسية.
في حال تأكد أن الغرب وجد في الحراك العسكري
ضد نظام بشار فرصة لتقويض الخطط الروسية في البحر المتوسط وأفريقيا، فإنه من
الطبيعي بعد نجاحها التخطيط لكيفية حشر الروس أكثر والتضييق عليهم في ليبيا، وهنا
يكون سياق تحذير الروس من البقاء في ليبيا أو الذهاب إليها يأخذ بعدا سياسيا،
ومؤشرا على إمكانية تطور الوضع أكثر.
عاد في اليومين الماضيين الحديث عن القوة
العسكرية في العاصمة طرابلس التي تتحصل على تدريب غربي، وكانت مصادر قد تحدثت عن
تجهيز هذه القوة للقيام بعمل عسكري ضد الروسي في وسط البلاد كمرحلة أولى، وجنوبها
كمرحلة ثانية، حيث الوجود الأكبر للقوات الروسية.
الجزم في هذا الملف يحتاج إلى معلومات دقيقة
وصحيحة، وهذا غير متأتي حتى الآن، لكن وقع أن طالب وزير دفاع أحد العواصم الغربية
العام 2020م القوات في غرب ليبيا، وذلك بعد هزيمة قوات حفتر المدعومة من موسكو في
دخول العاصمة طرابلس، بالقيام بعمل عسكري ضد القوات الروسية في وسط وجنوب البلاد،
وأبدى استعداد بلاده لتقديم الدعم لهذا العمل، ولم يلق الطلب تأييدا وقتها.
قد يكون من الصعب اجتثاث الوجود الروسي من
البلاد عبر عمل عسكري تقوم به قوة محسوبة على أحد أطراف النزاع الليبي، وأنه ما لم
يقع تأييد في مناطق وجود الروس في الوسط والجنوب والشرق، فإن العمل العسكري قد
يؤزم الوضع أكثر، وعليه فإن التركيز ربما سيكون على الفصل بين
روسيا وحليفها في
الشرق والجنوب، وهذا إما أن يكون بضغوط شديدة أو بصفقة تظهر عبر تسوية سياسية شاملة
في البلاد.