استعرضت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الخيارات المتاحة أمام الإدارة الأمريكية في التعامل مع الوضع السوري، مرجحة توجها إلى حوار متجدد مع النظام السوري، يتبعه آخر في
العراق وإيران.
وأشار الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل في مقالته في الصحيفة، الثلاثاء، إلى الحرب الإقليمية القائمة في العراق وسوريا، معتبرا أن هناك تهديدا استراتيجيا غير الحسابات، وهو الاحتلال السريع للمناطق السنية غربي العراق من قوات مشتركة للقبائل السنية ونشطاء داعش.
كما تطرق الكاتب إلى وضع المعارضة السورية المسلحة، وما أسماه "الفوضى في المليشيات الإسلامية"، مؤكداً عدم النجاح في العثور على مليشيا واحدة ذات مغزى يمكنها أن تدفع إلى الأمام التطلع إلى إسقاط
الأسد.
وعلى جانب المعارضة السياسية أكد برئيل أن "الأمور صعبة وتقف على شفا الانفجار"، مشيراً إلى نهاية ولاية رئيس "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة" أحمد الجربا، التي أنتجت النزاعات الداخلية على خلفية تبادل علني للاتهامات بين مندوبي الحركات التي تشكل الائتلاف.
وفيما يلي نص المقال:
أوضح الرئيس الأمريكي باراك
أوباما في مقابلة مع شبكة "سي.بي.إس" الأمريكية، خلاصة غياب سياسة له في سوريا: "فكرة أن بوسع المعارضة أن تسقط ليس فقط نظام الأسد بل أن تقاتل ضد الجهاديين المتوحشين والمدربين جيدا، فقط لو بعثنا لنا ببعض السلاح، هي فكرة مغرقة في الخيال". وعلى ما يبدو أن أوباما محق – فارسال "بعض السلاح" لـ "المعارضة المعتدلة" ما كان ليجدي نفعا، ولكن هذا لم يكن طلب المعارضة.
في هذه الأثناء تدور حرب إقليمية، ليست حربا تخوفت منها الإدارة ولكن لعلها ضروس بقدر لا يقل. العراق، وليس سوريا، يعتبر التهديد الاستراتيجي بسبب الاحتلال السريع للمناطق السنية غربي الدولة من قوات مشتركة للقبائل السنية ونشطاء داعش.
لقد طلبت المعارضة في سوريا سلاحا نوعيا، صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات. وقد طلبت قبل سنتين ونصف تدخلا عسكريا أو على الأقل إقامة مناطق حظر طيران حماية للاجئين وللمناطق التي احتلتها. وطلبت من أوباما فقط أن ينفذ تهديده في الهجوم على النظام اذا تبين أن الأسد يستخدم سلاحا كيميائيا.
ولكن هذه المطالب انزلقت على زجاج مبنى الأمم المتحدة حيث سيطرت بيد عليا روسيا والصين، واصطدمت بجدران البيت الأبيض حيث ثار خلاف شديد بين وزارة الخارجية التي أيدت التدخل العسكري والبنتاغون الذي عارضه. بين من كان قلقا من الحرب الإقليمية، التي من شأن ايران أن تكون شريكا فيها، وبين من رأى أمام ناظريه قتل الشعب الفظيع الذي جبى حتى الآن حياة أكثر من 160 ألف شخصا ونثر إلى مهب الريح بأكثر من 3 ملايين لاجئ ونازح.
واذا كانت الولايات المتحدة انشغلت قبل بضعة أسابيع في أن تختار من أصل نحو دزينتين من المليشيات في سوريا، "المنظمات المعتدلة"، التي يمكن أن تعقد معها الصفقات، فلا معنى الآن لهذه الصفقات. فالاختيار آخذ في التقلص.
في الحالة السورية هذا اختيار بين تأييد جارف للأسد واللامبالاة. في الحالة العراقية، الاختيار هو بين ضغط عديم الجدوى على نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، كي يشكل حكومة وحدة تمنح السنة نصيبا مناسبا في الحكم، والتصريحات العليلة ضد داعش. هجوم أول أمس من سلاح الجو السوري في العراق وقتل 57 مواطنا، يوضح جيدا إلى أين يتجه الأسد. فهو يرغب في أن يثبت للغرب، وبالأساس للولايات المتحدة، بأنه هو الزعيم الوحيد الذي يستطيع العمل ضد المتطرفين.
ومقابل الغرب، فانه ليس مقيدا بقيود سياسية حيث أن ايران والعراق يتطلعان إلى سحق داعش، ومقابل الأسد فهما لا يرغبان في أن يعلقا أو يثيرا حربا طائفية. ومع أن ايران بعثت بعدة وحدات صغيرة إلى العراق لكنها ستمتنع عن حرب جبهوية ضد السكان السنة. لقد سبق للعراق أن أثبت ضعفه، وهو سيكتفي في المرحلة التالية بقيادة بغداد والمحافظات الشيعية في الجنوب. وأوضح المالكي أمس: "لم ندعُ الهجوم (السوري)، ولكننا راضون عنه". الأسد بصفته "رسول مكلف" هو بالتالي حل معقول، حتى من ناحية الولايات المتحدة. وهكذا يجري تعاون غير رسمي مع ايران، دون أن تضطر واشنطن إلى التبشير عن تغيير في سياستها.
على الأرض ينشأ ظاهرا واقع مفزع تبدو فيه داعش كمن تحتل دولا عربية وتصب منذ الآن أساسات لدولة بلا حدود. ولكن الواقع مختلف قليلا. في سوريا تسيطر داعش على أجزاء في شرق سوريا، وهذا الأسبوع استكملت المنظمة سيطرتها على معبر الحدود بين العراق وسوريا قرب مدينة البو كمال، وهكذا انتقلت إليها كل نقاط العبور بين الدولتين. وخلافا للعراق، تتعاون داعش في سوريا مع النظام بل وتبيعه النفط من حقول النفط قرب دير الزور. تقاتل داعش السورية ضد مليشيات إسلامية أخرى في سوريا، تلك التي يصعب على الأسد القضاء عليها، مثل جبهة النصرة التي "رسميا" تتفرع عن القاعدة.
لقد أدارت داعش حتى نهاية أيار معركة ضروس ضد جبهة النصرة، وكل محاولة للمصالحة بين المنظمتين فشلت. وعُلم هذا الأسبوع بأن جناح الجبهة في البو كمال أقسم الولاء لداعش في هذه المدينة واتفق الطرفان على أن تسيطر داعش في الجانب العراقي، وجبهة النصرة – في الجانب السوري. ولكن، لا يوجد يقين في أن هذه المصالحة تمثل كل الجبهة، وذلك لأنه في الأراضي السورية لا تزال المنظمتين تتقاتلان. وهذا فقط مثال واحد على الفوضى في المليشيات الإسلامية التي يتعاون بعضها مع الجيش السوري الحر الذي وإن كان ثبت نفسه في عدة مواقع، إلا أنه لا ينجح في العثور على مليشيا واحدة ذات مغزى يمكنها أن تدفع إلى الأمام التطلع إلى إسقاط الأسد.
في المعارضة السياسية أيضا، التي تعمل خارج سوريا، الأمور صعبة وتقف على شفا الانفجار. ففي نهاية الشهر سينهي رئيس "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة" احمد الجربا، ولايته. وأنتجت النزاعات الداخلية على الخليفة تبادل علني للاتهامات بين مندوبي الحركات التي تشكل الائتلاف. "الإخوان المسلمون" السوريون، العنصر الكبير في المعارضة، غاضبون من الجربا، لأنه تمنى النجاح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمناسبة انتخابه. السيسي العدو اللدود للإخوان المسلمين، ولا يحتمل، كما يعتقد زملاؤهم السوريون، أن تهنئه المعارضة. وحقيقة أن السيسي يسمح للمعارضة بالعمل في مصر لا تعتبر في نظرهم سببا كافيا لتأييده. وفي نفس الوقت، أعلن معاذ الخطيب، رئيس المعارضة قبل الجربا، بأن إرسال السلاح للثوار سيزيد فقط سفك الدماء ولن يؤدي إلى حل، في الوقت الذي يواصل فيه الجربا جهوده لإقناع الولايات المتحدة بإرسال سلاح نوعي.
في واشنطن تنطلق أصوات تدعو إلى إقامة ائتلاف سياسي بين الولايات المتحدة، ايران، العراق، سوريا وروسيا ضد داعش، التي أصبحت الآن العدو اللدود. وحسب تقارير مختلفة، يوجد منذ الآن تعاون استخباري بين ايران والولايات المتحدة، رغم أن ايران تعارض التدخل العسكري في العراق، بينما المعركة في سوريا بدأت تبدو هامشية، وأقل خطرا من المعركة في العراق. ولكن في العراق بالذات أوضح بعض من رؤساء القبائل السنة بأنهم مستعدون لمقاتلة داعش والقضاء عليهم اذا قامت حكومة جديدة.
المعارك بين أبناء القبائل في شمال محافظة الأنبار وقوات داعش بدأت منذ الآن تحتدم في اليومين الأخيرين، وحسب تقارير من العراق نجح أبناء القبائل في قتل قائد داعش في المنطقة. ويُعد تنكرهم لداعش الأمل الذي تعول عليه الولايات المتحدة في خطواتها السياسية للي ذراع المالكي نحو إقامة حكومته في بداية تموز. ويصد المالكي الضغط حاليا، ولكن يحتمل أن يستجيب للمطالب مع ضغط إيراني. والسؤال هو اذا كانت الولايات المتحدة ترغب وتستطيع تغيير الاستراتيجية، وبدلا من تعليق آمالها على المعارضة في سوريا و"المنظمات المعتدلة"، تتجه إلى حوار متجدد مع الأنظمة في سوريا، في العراق وفي ايران.