تحولت الموائد
الرمضانية التي تقيمها الجمعيات الأهلية والإنسانية في
بيروت وكذلك توزيع السلال الغذائية يوميا على آلاف العائلات المحتاجة هذا العام، إلى ساحات محبة جمعت المحتاجين من دون تمييز بين لبنانيين أو
لاجئين سوريين وفلسطينيين هجرتهم الحروب.
ومع حلول رابع رمضان منذ بدء الانتفاضة الشعبية في سوريا في آذار/ مارس 2011، يستضيف لبنان نحو 1.2 مليون لاجئ سوري مسجلين رسميا لدى الأمم المتحدة بالإضافة إلى نحو 400 ألف لاجئ فلسطيني، ما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، وكرّس معادلة جديدة تساوت فيها العائلات اللبنانية المحتاجة مع تلك السورية اللاجئة وحتى الفلسطينية لجهة حاجتها جميعا الى التبرعات المادية أو العينية على أيدي أصحاب الخير في هذا الشهر المبارك.
ومع ازدياد الحمل والأعباء توزعت الجمعيات الأهلية والإغاثية والإنسانية الأدوار فيما بينها لتقديم
المساعدات من وجبات رمضانية وسلال غذائية وصولا إلى تأمين الطبابة وغيرها من الخدمات الحياتية الضرورية سواء في شهر الصوم أو على مدار العام، بين من ركز نشاطه على اللاجئين السوريين أو للبنانيين الفقراء، ومن لم يميّز بين الفقراء والمحتاجين وإلى أي بلد انتموا، باعتبار أن الحاجة لا تحددها الجنسيات و الطوائف.
في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعتبر أهم معاقل "حزب الله"، تحول أحد المراكز الحزبية، الى مطبخ رمضاني كبير حيث يسابق شبان وفتيات ونساء متقدمات في العمر الوقت منذ ساعات الصباح الأولى حتى العصر، حتى يتمكنوا من تحضير وجبات الإفطار والسلال الرمضانية لتكون جاهزة لتوزيعها على العائلات المحتاجة بحلول آذان المغرب.
تفترش امرأة وابنتها الصغيرة الأرض والى جانبها جارتها وهن يعملن على فرز الفواكه والخضار، في حين ينشغل الشبان بنقل الصناديق، في الوقت الذي تقوم مجموعة من النسوة اللاتي يلبسن قفازات بأيديهن بإعداد وجبات الطعام في أوعية طبخ كبيرة خصصت لهذه الغاية.
بعد انتهاء كل الأعمال تبدأ عملية تجهيز الوجبات الرمضانية وتوضيبها بأكياس الفواكه والخضار والطعام ليبلغ عدد الوجبات الرمضانية 2000 وجبة يومياً ترسل إلى الفقراء والمحتاجين من هذا المركز لوحده.
يوضح عباس الحركة، وهو المسئول في "حزب الله" والمشرف على هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم "مائدة زين العابدين"، أن 700 عائلة تستفيد من المشروع، مشيراً إلى أن كل من هذه السلال الغذائية مؤلفة من حصة خضار وفاكهة أسبوعية بحيث تكفي أكثر من 4 أيام بالنسبة للعائلة الواحدة"، يضاف إليها حصة أسبوعية أيضاً من اللحوم ومواد غذائية كالسمنة والزيت والأرز.
ويلفت الحركة في تصريحه لوكالة "الأناضول"، إلى أن اختيار المستفيدين يتم وفق إحصاءات دقيقة ومعايير خاصة ومحددة وضعها حزب الله، مشيراً إلى أنه نظراً لكون الكثير من العائلات السورية المهجرة تستفيد من المساعدات التي تقدمها منظمة الأمم المتحدة فإن المشروع يستهدف إعانة العائلات اللبنانية الفقيرة والمحتاجة.
ويقول إن القيمين على المشروع "لا يسألون عن المذهب أبداً ولا نفرق بين شيعي أو سني أو مسيحي"، لكنه يشير الى ان "ثلث المستفيدين من المشروع هم من الطائفة السنية".
ويكشف الحركة انه بالإضافة إلى كسوة العيد التي ستوزع على هذه العائلات المستفيدة من الوجبات الرمضانية حاليا، فإن مشروعا جديدا يسمى "كفالة الجار" أطلق هذه السنة ويعتمد على تحديد العائلات الفقيرة في الأحياء حيث يقوم أغنياء الحي نفسه بمساعدتهم وتقديم طعام الإفطار لهم على أن تتولى لجان الأحياء تنظيم العملية.
من جهته، يستهدف اتحاد الجمعيات الإغاثية في لبنان، والذي يضم نحو 100 جمعية تنتشر في كل محافظات الشمال والبقاع (شرقا) والجنوب وبيروت، بشكل خاص دعم اللاجئين السوريين ويخصص بعض المشاريع التي تشمل العائلات اللبنانية الفقيرة وكذلك الفلسطينية سواء كانت لاجئة من سوريا أو مقيمة في لبنان، كما يقول محمد نور قرحاني، مدير فرع الاتحاد في شمال لبنان.
وفي تصريح لوكالة "الأناضول"، أشار قرحاني إلى أن نحو 100 ألف عائلة سورية لاجئة في لبنان تستفيد على مدار السنة من المساعدات المقدمة من الاتحاد.
وشدد على ان الاتحاد يتّبع معايير محددة ليحصل اللاجئ على الدعم، لافتا إلى شرطين يجب توفرهما لدى اللاجئ ليستفيد من المساعدة وهما أن يكون مسجلا لدى الأمم المتحدة ومعروفا لدى إحدى الجمعيات الإغاثية التي تكون مطلعة على وضعه، لتحديد فيما إذا كان مؤهلا للاستفادة من معونات الاتحاد.
ولفت قرحاني إلى أن ازدياد الحاجيات التي يجب تلبيتها في شهر رمضان، دفعت الاتحاد إلى تنظيم عمله بحيث يستطيع إيصال المساعدات إلى كل العائلات، فتتولى فرقه توزيع وجبات الإفطار على السوريين المسجلين لديه داخل المخيمات، في حين تقوم الجمعيات المنضوية تحت اسمه بتوزيع هذه الوجبات على السوريين المنتشرين خارج مخيمات اللجوء.
وأضاف أن الاتحاد سعى كذلك إلى إيواء وكفالة بعض العائلات التي تستظل عدداً من الجسور الرئيسية في بيروت لكن تلك العائلات "رفضت الفكرة"، وهو "ما يطرح علامات استفهام ما إذا كانوا من المحتاجين فعلا او ممن قرروا استغلال شهر الخير من خلال التسول واستعطاف المارة"، على حد قوله.
من جهة أخرى، لفت مدير الفرع أن المساعدات التي يقدمها الاتحاد لا تقتصر على المساعدات الغذائية والعينية، وأشار إلى الدعم الطبي من خلال دفع بعض التكاليف للعمليات الجراحية التي تتم في المستشفيات والمستوصفات التي يتعاقد معها الاتحاد أو إجراء عمليات للجرحى الذين ينقلون من سوريا نتيجة الحرب فيها، موضحا أن 27 مركزا طبيا بين مستشفى ومستوصف ومركز طبي تقع تحت مظلة الاتحاد.
وأضاف بأن الاتحاد يعمد حاليا إلى تحضير كسوة العيد لتوزيعها قبل قدوم عيد الفطر المبارك بعدة أيام لإدخال الفرحة والبهجة إلى قلوب النازحين.
وحول مصدر الدعم والمساعدات، أوضح المدير إلى أنه خلال شهر رمضان تزداد أموال التبرعات التي يتلقاها الاتحاد ممن أسماهم بـ"المحسنين" وكذلك دافعي الزكاة، مشيرا في الوقت نفسه إلى مصادر دعم مادي وعيني يتلقاها الاتحاد من دول عربية خاصة دول الخليج العربية عن طريق الهيئات والجمعيات المعروفة في هذه الدول، بالإضافة إلى جمعيات تركية وأوروبية ودولية في بعض الأحيان.
ومن بين التجارب التي دخلت إلى لبنان حديثا في مجال العمل الإغاثي، "بنك الغذاء اللبناني" الذي يعمل على مدار السنة في مجال تأمين الطعام للعائلات الفقيرة التي تقع تحت خط الفقر، بما في ذلك بعض العائلات السورية النازحة في لبنان.
وقال رئيس مجلس إدارة "بنك الغذاء" كمال سنو إن عدد المستفيدين الأساسيين من خدمات البنك 3 آلاف شخص يومياً لكن مع حلول شهر رمضان ارتفع هذا الرقم ووصل إلى ما بين 3300 و3400 شخص يومياً، مشيراً إلى أن الهدف الذي يضعه البنك أمامه هو التمكن من مساعدة 6 آلاف مستفيد بشكل يومي قبل نهاية العام الجاري.
وفي تصريح لوكالة "الأناضول"، شرح سنو طريقة العمل التي تتبعها المؤسسة في تأمين المساعدات حيث أنه يتم الاتفاق مع عدد من الفنادق أو الجمعيات للحصول على فائض الطعام من خلال الوجبات التي لم تستهلك، مقابل تكفل البنك بتأمين خدمات تغيير غطاء الطاولات أو الستائر أو حتى ثياب عاملي الخدمة في الفنادق.
وحول طموح "بنك الغذاء"، لفت رئيس مجلس الإدارة إلى أن الهدف الأبعد للبنك هو مساعدة 300 ألف شخص في لبنان ممن يعيشون تحت تحت خط الفقر، والذي تحددهم المنظمات الدولية بأنهم أولئك الذين يعيشون بأقل من دولار أميركي واحد في اليوم.
كما كشف سنو عن سعي البنك من خلال مباحثات مع شركة ضخمة فضّل عدم تسميتها، لتوزيع مليون ونصف مليون وجبة غذائية خلال 3 أيام قبل نهاية شهر رمضان، دون أن يذكر تفاصيل أكثر.
بعدما وحدتهم المأساة، يبدو أن ضغط الحياة والوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب في لبنان، يعيد جمع اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين على موائد شهر رمضان التي تجبلها سواعد الخير بالمحبة فتفيض خيراً يقهر جوعاً لا يرحم.