في محاولة من بين المحاولات الكثيرة التي تمارسها
إسرائيل الرسمية لتوسيع "دائرة اليمين"؛ قال وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، في تصريح له أمام أعضاء كتلة "الليكود" باجتماعها الأسبوعي المغلق، إنه منذ عودة "الليكود" لسدة الحكم عام 2009، تضاعف عدد المستوطنين في
الضفة الغربية المحتلة من 280 ألف مستوطن إلى 407 آلاف مستوطن.
وأكد "يعلون"، بحسب صحيفة "معاريف" العبرية، أن بناء المستوطنات مسألة شائكة ومعقدة بسبب التعقيدات الدولية والإقليمية التي تُفرض على إسرائيل، مشددا على أن الحكومة الإسرائيلية تسير بحذر شديد.. وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت وقف بناء المستوطنات.
وعبّر وزير الحرب الإسرائيلي عن قلقه إذا ما طرحت قضية
الاستيطان في المحكمة الدولية في "لاهاي". لكنه أكد في النهاية أن الاستيطان مستمر ومتواصل رغم كل العقبات التي تفرض.
وفي الوقت ذاته، يصّر رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، على ضرورة التنسيق الأمني وأهميته متحديا الفصائل
الفلسطينية وانتفاضة القدس وشبابها الذين يطالبون بوقف التنسيق، الذي يُسلّم الفلسطيني لإسرائيل على يد "الفلسطيني"، وأكد عباس أن سلطته تقوم بعملها على أكمل وجه، دون تقصير وتمنع "أي عمل يمكن أن يحدث هنا وهناك"، وفق تعبيره.
تأتي هذه التصريحات المتواترة في ظل ثورتين، الأولى في الشارع الفلسطيني، والثانية داخل الأروقة الإسرائيلية الرسمية التي تتجه يوما بعد يوم إلى المزيد من التطرف والعنصرية واليمينية، دون اعتبار لا لقانون دولي أو حالة إنسانية أو أخلاق سياسية.
وهنا يمكنني أن أتفهم ما تمر به الأروقة الإسرائيلية من "تطور طبيعي" للاحتلال الذي من المفروض أن يزداد في ظلمه وممارساته وقمعه، وحتى يمينيته يوما بعد يوم، فالمشروع الصهيوني ولُد ووجد للسيطرة على المنطقة العربية وليس فقط على فلسطين أو حتى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومن السذاجة أن نطالب كفلسطينيين المحتل في التخفيف من احتلاله وظلمه وممارساته.
لكن ما أستغربه وما لا يمكنني تفهمه، كيف للفلسطيني الذي يعتبر نفسه مسؤولا عن شعب تُمارس عليه كل أنواع الظلم والتهجير والقتل، أن يقبل على نفسه وعلى شعبه أن يكون خادما لمحتله ويقدّم له المعلومات عن الفلسطيني الآخر الذي يرفض الاحتلال.
ولست هنا بصدد أن أهاجم سلطة رام الله وقيادتها أو حتّى سرد الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية الموثقة من مؤسسات إسرائيلية قبل الفلسطينية، بل هو طرح للتفكر في آليات العمل ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، وحتى مستقبل الدولة الفلسطينية وما تطرحه بعض الفصائل الفلسطينية، بما فيها سلطة رام الله على الأقل بقيام دولة فلسطينية على أراضي ال1967.
وهنا نعود إلى تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، الذي أكد أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة (دون القدس المحتلة) 407 آلاف مستوطن، وإذا ما تفكرنا قليلا بهذا العدد الكبير للمستوطنين وتضاعفهم بشكل كبير خلال فترة تعتبر قليلة بتاريخ الدول والشعوب، نجد أن إسرائيل بتوجهها للاستيطان في الضفة تؤكد أنها لا تعترف في الحقيقة بقيام كيان خاص للفلسطينيين على أراض محدودة من أراضيهم.
وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة غير معنية بالتسوية مع الفلسطينيين على الأقل بجزء بسيط من الأراضي الفلسطينية.
ونستنتج من هنا أن المشروع الفلسطيني الحالي الذي يطالب بقيام دولة فلسطينية على أراضي الـ 1967 بما فيها شرقي القدس، لم يعد ممكنا اليوم بعد هذه الأرقام الضخمة، فإسرائيل التي تتجه يوميا نحو اليمين لن تفكك مئات البؤر الاستيطانية، ولن تطرد 407 آلاف مستوطن من الضفة المحتلة عدا عن مستوطني القدس.
تفكيك المستوطنات وإيجاد بدائل "داخل إسرائيل" لعيش 407 آلاف مستوطن أمر يعتبر مستحيلا اليوم، حتّى إن مستوطني الضفة والقدس لا يمكنهم التكيّف والتعايش مع جو المدينة الذي يُعتبر آمنا عكس البؤر الاستيطانية.. فلا يمكن للمستوطن الذي يعيش بسلفيت أو بسلوان وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية أن يتجوّل في تل أبيب، دون أن يحمل سلاحه على جنبه وأصابعه على الزناد تستعد لإطلاق النار بحالة أن أحدا أطلق نارا عليه أو ضرب حجره بجانبه.. لا يمكنهم التكيّف..!