الكتب السماوية وكتب التاريخ القديمة والحديثة وصفت
اليمن بأنه بلاد الإيمان والحكمة وهذا ليس غريبا عن اليمن وأهله الكرام. ففي القرآن الكريم ذكر الله تعالى في سورة سبأ قصة الملكة بلقيس وكيف أذعنت لسليمان ليس خوفا من سليمان ولكن من أجل مصالح شعبها.
عندما سمع سليمان بالملكة بلقيس أرسل لها رسالة نسرد نصها هنا كما وردت في بعض نصوص الإنجيل: "سلام عليك مني أنا سليمان وعلى نبلائك وخاصتك. اعلمي أن الرب عينني ملكا على العالم. على الوحوش في الأرض، والطير في السماء والجن والعفاريت والأشباح جميعا. ملوك الدنيا من الشرق للغرب تأتي إلي لتعظيمي. فإن قدمت لأكرمنك أكثر منهم أجمعين وأن أبيت أرسلت إليك الملوك والجحافل والركبان. إذا ما تساءلتِ من هم ملوك وجحافل وركبان سليمان؟ الملوك هم الوحوش في الأرض، والطير ركباني والجن والعفاريت جحافلي". عندما قرأت الملكة بلقيس الرساله قامت فورا بالاجتماع بكبار مستشاريها وحكماء اليمن وطرحت الأمر عليهم وهذا يدل على حكمتها وحنكتها وذكائها الخارق، وبهذا الاجتماع هي تعزز مبدأ الشورى وليس الانفراد بالقرار كما يفعل زعماؤنا اليوم، المهم كانت الإجابة من مستشاريها غير منطقية وغير معقولة عندما أشاروا عليها بأن نبي الله سليمان (...) لا يستطيع أن يفعل شيئا بمملكة سبأ وعرشها العظيم. لم تقتنع الملكة بلقيس بهذا الرد غير الموفق وغير الحكيم من مستشاريها، فقامت بإرسال أكثر من ستة آلاف مملوك الى سليمان ووعدته أنها سوف تحضر ليس خوفا من سليمان ولكن خوفا على أبناء مملكتها فعندما هددها نبي الله سليمان بأنه سوف يرسل لها جنودا من الجن والإنس أخذت الملكة بلقيس التحذير بمحمل الجد ولم تستهن بالأمر فأسرعت بالموافقة فورا وهذا قمة الحكمة والصبر والشجاعة. وهكذا الملكة بلقيس جنبت شعبها وحفظت ماء وجهها وملكها وأصبحت قصتها مخلدة في كتب التاريخ والكتب السماوية.
لكن حكماء ومراهقي اليمن الجدد عندما كانت تحذرهم المملكة العربية السعودية قبل عاصفة الحزم ودعتهم إلى حوار في الرياض لم يأخذوا التحذير بمحمل الجد، بل بالعكس سخروا من إمكانيات المملكة السعودية بل وسموا جيشها بجيش الكبسة، ولذلك حصل ما لم نكن نتوقعه. نحن هنا لا نمجد المملكة العربية السعودية لكنها الحقيقة المرة. وبالمناسبة أود أن أذكر حكام اليمن اليوم أنه عندما سربت الاستخبارات العالمية بأن حركة
الحوثيين تهدد أمن السعودية القومي لم تتوان المملكة ولم تستهن بقدرات خصمها الحوثي بل جمعت أكبر قدر من الدعم الدولي وقامت بمهاجمة الحوثيين، وخلال دقائق قضت على دفاعات اليمن الجوية في كل المحافظات وهنا الفرق!!!!! لكن حكامنا للأسف لم يعيروا المملكة أي اهتمام بتهديدها بالتدخل لحماية أمنها القومي وحماية الشرعية الدستورية اليمنية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور
هادي وهنا قمة الغباء السياسي. ليت هولاء الذين استهانوا بتحذيرات السعودية قرؤوا قصة الملكة بلقيس مع نبي الله سليمان وتعلموا من قصتها الكثير من الحكم والعبر والفوائد ومن ثم أخذ القرار الصائب لصالح البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل سوف يغيب حكماء اليمن عن مؤتمر الكويت أم إنهم سيكونون حاضرين وبقوة؟ وهل سيظهر أنصار الله والرئيس السابق والحكومة الشرعية المتواجدة في المنفى مرونة في هذا المؤتمر؟ الأيام القادمة ستظهر ذلك وما علينا إلا الانتظار. في المقابل كاتب هذه السطور يعتقد أن مؤتمر الكويت هو الفرصة الأخيرة للخروج من هذه الحرب ولذلك هناك احتمالات عديدة لإنجاح مؤتمر الكويت الذي ينعقد في ظروف حساسة وضبابية تمر بها اليمن: أولا الكويت لها دور بارز في حلحلة أزمات اليمن فقد استضافت الكويت عدة حوارات بين اليمنيين وكان لها دور لا يستهان به في هذا المضمار.. ثانيا المملكة العربية السعودية ستدفع بكل ثقلها من أجل إنجاح المؤتمرل أنها تريد حلا جذريا للمشكلة اليمنية، كما أنها تريد أن تخرج من هذه الحرب. ثالثا سلطة الأمر الواقع بصنعاء ممثلة (بأنصار الله الحوثيين والرئيس السابق علي صالح) تسعى جادة من أجل الحصول ولو على الشيء القليل من أجل حفظ ماء الوجه. رابعا السلطة الشرعية تحاول أن تخرج من عنق الزجاجة بأي وسيلة لأنها لا تريد استمرار الحرب.
ما أود قوله أيضا هو أنه يجب على الأطراف اليمنية المتحاورة أن تجعل مصلحة اليمن فوق كل اعتبار وأن تستفيد من كل الأخطاء السابقة. مؤتمر الكويت يمثل فرصة لا تعوض بثمن لحفظ ماء الوجه لكل الأطراف المتناحرة على كرسي الرئاسة.ل ا نريد من الأطراف المتحاورة رفع مطالبها الذاتية والأنانية في هذا المؤتمر. الشعب اليمني لم يعد يتحمل المزيد من المعاناة والحصار والقهر والغبن والقتل، فهناك أطفال يموتون بسبب سوء التغذية، وهناك مرضى يموتون قهرا بسبب عدم توفر الدواء، فمرضى الفشل الكلوي يعانون ومرضى السرطان يعانون، المستشفيات الهندية تعج بالمرضى اليمنيين الذين لديهم القدرة على السفر إلى الهند، أما المريض الضعيف فهو يموت قهرا في اليمن ولا يجد من ينقذه أو حتى يتألم لمرضه... يكفي الذي حصل وعلى جميع الأطراف أن تدخل هذا المؤتمر بنية صادقة ومخلصة ومنحازة لصالح المواطن المغلوب على أمره. على المتحاورين أيضا أن يعلموا أن
الحوار الحقيقي ليس حبرا على ورق ومجرد أخذ صور تذكارية هنا وهناك من أجل الاستعراض الكاذب. عليهم أن يفهموا جيدا أنه إذا وجدت النية الصادقة والمخلصة فإن الحوار سوف ينجح بدون ولد شيخ أو مجلس أمن أو غيره.
كما أنه ينبغي على جميع الأطراف المتناحرة أن تعلم علم اليقين أنه إذا فشل مؤتمر الكويت فسيكون مصير اليمن مثل مصير أشقائه في العراق وسوريا والصومال ولبنان إن لم يكن أسوأ. ولكن نسال الله أن لا يحدث هذا السيناريو.
لدي أمل بأنه لا يزال في اليمن بعض الحكماء من أحفاد بلقيس، وأتمنى أن أرى هولاء الحكماء يظهرون في مؤتمر الكويت وينحازون لصالح بلادهم اليمن السعيد مهد العرب الأول. كما نأمل أن يكون هذا المؤتمر فاتحة خير وبارقة أمل لحلحلة جميع الخلافات والأزمات ومن ثم الخروج بوثيقة تاريخية تحفظ للجميع ماء الوجه.
* كاتب يمني مقيم في الهند