بات استخدام البطاقات البنكية الإلكترونية بدلا من
النقود أمرا شائعا في العديد من البلدان، كونها المسيطرة على مشهد البيع والشراء.
ففي هولندا مثلا لا تلقى النقود السائلة اهتماما يذكر؛ والعديد من الأماكن، لم يعد يعترف بها كأداة للتعامل القانوني.
وبحسب BBC capital فإن أعدادا متزايدة من أصحاب المتاجر الهولندية، باتوا يتعاملون فقط ببطاقات الخصم المباشر البنكية؛ حتى إن بعض باعة التجزئة يصفون التخلي عن التعامل بالنقد بأنه "أنظف" أو "أكثر أمانا".
ويقول معد التقرير: "أخفيت
بطاقة الخصم المباشر البنكية الخاصة بي بعيدا عن متناول يدي، وقررت اكتشاف إلى أي مدى سأتمكن من التعامل بحزمة من النقود السائلة. لم تعد المدفوعات الكبيرة تتم بالأوراق النقدية، ومن بين ذلك على وجه التحديد إيجار سكني، وفواتير هاتفي"..
وأضاف أن "التعاملات الأصغر من ذلك هي التي تسبب لي صداعا أقوى؛ فلست فقط عاجزا عن شراء بعض المنتجات العضوية من متجر "ماركت" نقدا، بل إني أجد نفسي مجبرا على الانتظار في طوابير طويلة جدا مخصصة لزبائن النقد عند شراء احتياجاتي من الأسواق المركزية، في وقت أرى فيه حاملي بطاقات الخصم المباشر البنكية وهم يدفعون لقاء مشترياتهم بسرعة، وينطلقون إلى بيوتهم لتناول العشاء".
السبيل لكسب المال
وتجاوز الدفع بالوسائل الإلكترونية في متاجر وأسواق هولندا الدفع نقدا لأول مرة في عام 2015 بنسبة ضئيلة؛ فقد بلغت نسبة الدفع عن طريق بطاقات الخصم المباشر البنكية 50 في المئة، بينما كان الدفع نقدا بنسبة 49.5 في المئة، أما النسبة المتبقية، وهي 0.5 في المئة، فقد كانت ببطاقات الائتمان.
ويوجد تحرك نشط لمجموعة تتكون من عدد من البنوك وباعة التجزئة الهولنديين ممن يريدون زيادة نسبة الدفع بالوسائل الإلكترونية، لتصل إلى 60 في المئة مقابل 40 في المئة للعملة النقدية المتداولة بحلول عام 2018؛ ويقولون إن الدفع غير النقدي هو أرخص وأكثر أمانا وملائمة.
ومثل هولندا وجيرانها من الدول الإسكندنافية، تعتبر السويد ضمن دول الصدارة في السباق للتخلص من العملة النقدية في مقابل التعامل بالبطاقات الإلكترونية، لكن لا يحبذ الجميع ذلك الأمر.
فبالنسبة "لأصحاب الأعمال الصغيرة، يكلف إيداع النقود في البنوك والمصارف الكثير من المال"، حسبما يقول غويدو كارينتشي، رئيس مؤسسة "تومر" للأعمال الصغيرة.
ويصف كارينتشي الوضع بأنه "مفزع"، قائلا إن عليه دفع رسوم تصل إلى 300 كرونا سويدية (قرابة 35 دولار أمريكي) كل شهر لشركة ما كي تقوم بإيداع النقد في حسابه المصرفي.
ويتعلق الأمر كله بهامش صافي الأرباح؛ فهو يقول إن "البنوك السويدية تحصل على أرباح ضخمة، من الرسوم التي تفرضها على التعاملات التجارية لباعة التجزئة عند الدفع بالبطاقات الإلكترونية، تصل إلى ملايين الكورونات سنويا، في وقت لا تكسب فيها أي إيرادات من النقود. ولا يوفر هذا الوضع حافزا كبيرا للبنوك لكي تقبل بالتعامل بالعملة النقدية".
ونظرا للنفقات الباهضة للتعامل بالنقد، والمخاوف الأمنية، فقد تخلّت العديد من المتاجر السويدية فعلاً عن أجهزة التعامل بالنقود، بما فيها شركة "تيليا" العملاقة للاتصالات، حيث توقفت مراكزها الـ86 المنتشرة في طول البلد وعرضه عن قبول النقد في عام 2013.
أما باصات النقل في البلد فقد توقفت عن قبول النقد من المسافرين منذ سنين خلت. حتى باعة مجلات المشردين، فإنها تقبل الدفع بالبطاقات وأجهزة الهواتف النقالة في أيامنا هذه.
وقد أصبحت المشكلة كبيرة إلى درجة أن الكثير من المقيمين في السويد، ممن يواجهون مأزق التصرف مع كميات النقد التي لا تريدها المصارف والبنوك، أصبحوا يعمدون إلى "إخفائها في أفران المايكروويف"، حسبما يذكر بيورن أريكسون، رئيس تحالف تجاري يعرف باسم "ساكيرهيتسبرانشون" في قطاع الائتمان.
روابط ثقافية
ورغم ما ذكر، فإننا نرى تفاوتا كبيرا في السلوكيات والمواقف عبر أوروبا والعالم. ولا تزال بعض المجتمعات والثقافات مترددة بقوة بشأن التخلي عن النقد، بما فيها ألمانيا التي يعتقد المستهلكون فيها، بحسب دراسة حديثة أجراها البنك المركزي للبلد، أن استعمال النقود يعطيهم تحكما أفضل في عملية الإنفاق.
ففي بلد يُعتبر القوة الاقتصادية العظمى لأوروبا، لا تزال أكثر من 75 في المئة من المدفوعات تجرى عن طريق العملة النقدية. أما في إيطاليا، حيث تمتد جذور عميقة للتعامل بالنقود، فإن تلك النسبة تقفز إلى 83 في المئة.
وبقدر ولع الأمريكيين بعملة الدولار حتى وقتنا الحاضر، فإن السير خطوة نحو التخلي عن النقد بدأ يترسخ عبر الأطلسي أيضا، مع أنه تم اعتماد بطاقات الائتمان المحتوية على شريحة إلكترونية في العام الماضي فقط في الولايات المتحدة، بعد عقد كامل مما جرى في الكثير من الدول الأوربية.
وفي كانون الثاني/ يناير، توقفت عدة فروع لسلسلة مطاعم "سويتغرين"، المؤلفة من 48 فرعا، عن قبول الدفع نقدا، بما فيها فرعها الكائن في "وول ستريت".
القضاء على العملة النقدية
ويستطرد معد التقرير قائلا: "شخصيا، أكره أن أرى تحمل الناس من أمثالي تكاليف تداول النقود بشكل متزايد، ومع ذلك، أتجهُ صوب الفرع المحلي للبنك لأجمع بعض المغلفات الخاصة بالنقود المعدنية".
ويقول: "في البنك الذي أودع فيه أموالي، يفرضون عليّ رسوما تبلغ 6 يوروهات (5.38 دولار أمريكي) لقاء كل عملية إيداع بعد المرات الست الأولى في كل سنة".
ويضيف: "وبينما تكسر ابنتي خزنتها المصنوعة من الفخار وتحصي بعناية كل خمسة يوروهات معدنية، أدركت أن نفقات إيداع مبلغها الضئيل في حسابها البنكي سيقضي على كل ما ادخرته".
"وعند حديثي إلى موظفة البنك الذي أتعامل معه، حاولت أن أشرح لها أنني بصدد الحصول على أغلفة ورقية صغيرة مليئة بفئات مختلفة من النقود المعدنية كنت أستخدمها عندما كنت صغيرا.. لكن يبدو أنها لم تفهم ما أقصده بسرعة، وبسؤالها عن عمرها، أخبرتني أن عمرها 25 عاما، ما قادني إلى الاستنتاج بأن مشكلة العملة النقدية قد تحل نفسها بنفسها عبر العقود القادمة، عندما يتولى الأمور جيل جديد من الشباب"، كما يروي معد التقرير.