لم يبق إلا أن يصدر قرارا بعزل البابا والتحفظ عليه في أحد الأديرة،
لنصبح في مواجهة أيام السادات الأخيرة!
فالسادات
اعتقل كل ألوان الطيف السياسي في أيلول/ سبتمبر 1981، وكذلك يفعل عبد الفتاح
السيسي في هذه الأيام، وبشكل غير مفهوم، لا سيما وأن الأمر قد دان له، فلم يعد
هناك سوى نوع من التنفيس عبر صفحات التواصل الاجتماعي، لكنه مع ذلك بدا غير مستعد
لأن يسمع ولو كلمة، فأصبح وهو يستقبل ولايته الجديدة، أكثر انزعاجا، ولو من الهواء
العليل!
مؤخرا، تم الحكم على "إسماعيل الإسكندراني" بالسجن عشر
سنوات، كما اعتقل "شادي الغزالي حرب"، و"هيثم محمدين"، و "وائل عباس"، وهم من غير الإسلاميين
الذين استباحهم عقب انقلابه، كما تم اعتقال مقدم برنامج هزلي هو "أبلة
فاهيتا"، فذكرنا بقرارات التحفظ التي أصدرها السادات، وقال: لقد أخذت العاطل
في الباطل يا ولاد. فشهية قائد الانقلاب باتت مفتوحة لافتراس كل معارضيه، بمن فيهم
من يصمت الآن!
المعلن
في أيام السادات أن الدافع لهذه القرارات هو "الفتنة الطائفية"، وكانت
نكتة أضحكت الثكالى، فما علاقة زعيم الوفد "فؤاد سراج الدين"، والكاتب
"محمد حسنين هيكل"، والوزير السابق "عبد العظيم أبو العطا"،
بحوادث الفتنة الطائفية؟!
الجامع
بين المعتقلين الآن هو الاتهام بالانضمام لجماعة إرهابية تعمل على قلب نظام الحكم،
وتعطيل الدستور، وهدم الدولة، فأي قيمة لدولة يهدمها "بوست"؟!
الاعتقالات
التي تشمل الجميع هذه الأيام تؤكد أن الوضع لم يستتب بعد لعبد الفتاح السيسي، وعلى
غير الشائع، كما تؤكد أنه قلق من شيء ما، وقد كتب "ياسر رزق" عن قلق
الحكم، وهو المقرب من شخص عبد الفتاح السيسي، ولسانه الذي ينطق به!
القلق
كما يعبر عنه "رزق" من عدم وجود "الكادر السياسي" المؤهل
للحكم، وباعتبار أن هذا "الكادر" لا بد أن يكون قد تخرج في مدرسة عبد
الفتاح السيسي، وحصل على الإجازة منه بأهليته لتولى الرئاسة، وكأن السيسي كان
كادرا سياسيا عندما استولى على الحكم، وكأنه جرى تأهيله سياسيا ليصلح للرئاسة
لدورة ثانية!
بحسب
"ياسر رزق"، فإن عدم وجود "الكادر السياسي" يجعل المؤهل لشغل
الفراغ هو "جمال مبارك" بتحالفه مع الإخوان، وهو هنا يستخدم الطرفين
فزاعة، فمن لم يفزعه الإخوان، سيفزعه عودة النظام القديم في ذات الشخوص التي قامت
عليها الثورة، فيكون السيسي هو صمام الأمان على نحو يجعل من تعديل الدستور ضرورة!
بعيدا
عن الفزاعة، وعدم وجود الكادر الذي لا يمكن تصنيعه خلال السنوات الأربع القادمة،
هي ولاية السيسي الجديدة، فإن تعديل الدستور يصبح ضرورة، بما يسمح للمذكور بخوض
الانتخابات لدورة ثالثة ورابعة، وقد ظل مبارك ثلاثين عاما يرجع إعادة ترشحه لعدم
وجود البديل!
ومن
هنا يأتي قلق السيسي، الذي لا يمكنه أن يتصور نفسه خارج الحكم، ولا توجد ضمانة
لعدم تقديمه للجنائية الدولية على المجازر التي ارتكبها، فلا بديل أمامه إلا
الاحتماء بالكرسي، وهو لهذا لا بد من يهندس الحياة السياسية على نحو يمكنه من
تعديل الدستور، الأمر الذي لا يمكن تمريره إلا بموافقة أمريكية وباستفتاء شعبي
عندما يلجأ إليه لن يكون في أقوى حالاته، لذا فلا بد من تأميم الحياة السياسية،
وباعتقال أي خطر محتمل!
كما
أن أمامه معضلة أخرى تتمثل في الانتخابات البرلمانية، ولو ترك الأمر على حاله،
فسوف يجد نفسه أمام انتخابات لاختيار أعضاء البرلمان في السنة الأخيرة له، ولن
يكون في أقوى حالاته في هذه السنة، لا سيما إذا لم يكن قد عدل الدستور. وهو وإن
كان يضمن البرلمان الحالي، فليس متأكدا من قدرته على تصنيع البرلمان الجديد
داخل الأجهزة الأمنية، لذا فلا بد من قمع الجميع ومنع الأحزاب من أن تستعيد
لياقتها فتخوض هذه الانتخابات بعيدا عن وصاية أجهزته!
وهناك
رأي داخل السلطة بضرورة حل البرلمان خلال هذا العام، وخلال الشهور الستة المقبلة،
بما يمكنه من أن يصنع البرلمان الجديد على عينه، وفي السنة الأولى له من دورته
الجديدة، ليتفرغ بعد ذلك لتعديل الدستور، والاستعداد للولاية الثالثة، إن لم يمد
في عمر الدورة الرئاسية من أربع إلى ست سنوات. وهذا يدفعه لإسكات كل الأصوات
المحتملة.
ومن
المقرر أن الشهور القليلة القادمة ستشهد ارتفاعا في أسعار كل الخدمات؛ لأن الاتجاه
هو إلغاء الدعم كلية، وإحالة أعداد كبيرة من الجهاز الإداري للدولة للتقاعد، وهذا
من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الاحتقان والغضب، ولا أحد يمكنه أن يتوقع ردة فعل
المصريين. وقد كان الإجماع منعقدا على أنهم لن يثوروا البتة، لكنهم مع ذلك خرجوا
وأسقطوا مبارك. وهناك تصور لدى السلطة بأن السياسيين لديهم القدرة على توجيه الرأي
العام، وبدون ذلك فإن الغضب لن ينتج ثورة، ولهذا لا بد من اعتقال كل من لهم علاقة
بثورة يناير وإن كانوا الآن خلايا نائمة أو كامنة!
لم
ينتبه القوم إلى أن الأزمة ليست في النشطاء، ففي ثورة يناير بنى النظام خطته
الأمنية على حركات وسط البلد، ولعلمه بحدود قدرات أعضائها لأنه يعرفهم جيدا، فقد
اعتقد أنه قادر على مواجهة الموقف وتداعياته، وهو ما قاله مدير أمن القاهرة لأحد
رؤساء تحرير الصحف، لكن في اليوم الأول للثورة وجدنا أنفسنا أمام شباب لا نعرفه
ولا يعرفنا، فكتبت مقالي "هذا خلق جديد".
إن
اعتقال النشطاء البارزين لن يزيل أثار القلق، ولن يجلب الطمأنينة إلى القلوب
الخائفة، فلو كان مقدرا لثورة أن تقوم في مصر الآن فلن يقوم بها أصحاب السوابق الثورية.
فالشهية
المفتوحة لالتهام المعارضين لن تمنع الثورة!