قضايا وآراء

القضية الفلسطينية بين أولويات بايدن وإرث ترامب

1300x600

انتهى "كابوس ترامب" الذي استمر فترة أربعة أعوام، تعاظمت خلالها الشعبوية والعنصرية والانحياز المُفرط للديكتاتوريات في كثير من دول العالم.

 

وتكتسي نتائج الانتخابات الأمريكية هذه المرة أهمية بالغة نظراً للسياق الدولي الذي تتنامى فيه ظواهر تحولات تمس بنية النظام الدولي في ظل ازديادٍ لحدة التنافس بين القوى الدولية ونمو قوى إقليمية تسعى لتعزيز نفوذها.


ثمة أمور لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند قراءة تأثيرات فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية على القضية الفلسطينية، منها تسليط الضوء على أولويات بايدن بشكل عام، وديناميات الصراع في المنطقة، واستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتحولات التي فرضها ترامب كصفقة القرن، واتفاقيات التطبيع، والانسحاب من الاتفاق النووي. 

الأولوية: ترميم الداخل
لقد بدا واضحاً خلال الحملة الانتخابية والجدل المرافق لها أن التباين في الموقف بين بايدن وترامب قد تركز بشكل كبير على القضايا الداخلية أكثر مما هو عليه الحال فيما يخص السياسة الخارجية.

 

والتي رغم ذلك شهدت تباينات في المواقف بين الجانبين لا يمكن تجاوزها. فمن الأرجح أن يتأخر ظهور معالم السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية المقبلة خلال الأشهر الأولى لصالح عملية الإصلاح للظواهر التي فرضتها السياسات الفوضوية التي انتهجها ترامب، كضرورة إحداث ترميمٍ في أروقة البيت الأبيض ومؤسسات صنع القرار، لا سيما على صعيد قضايا مواجهة وباء كورونا والإصلاحات الاقتصادية والرعاية الصحية والمناخ وتطوير البنية التحتية ومعالجة ظواهر تنامي العنصرية والتصدعات داخل المجتمع الأمريكي.

 

وهي القضايا التي شكلت الدافع الأساسي للناخب الأمريكي في انتخابات شهدت أعلى نسبة تصويت منذ أكثر من مئة عام.


فعلى سبيل المثال، لعبت جائحة كورونا الدور الأكثر محوريةً في منع فوز دونالد ترامب، حيث تخلق الجائحة تحدياً حقيقياً أمام بايدن خلال الفترة المقبلة، لترافقها مع أزمات اقتصادية حادة وحاجة لإدارة سياسات أكثر فاعلية بالبعد الداخلي والعالمي.

 

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن مهمة بايدن الداخلية لن تكون سهلة في ظل بقاء أغلبية مجلس الشيوخ بيد الجمهوريين وحاجته للاعتماد على القرارات التنفيذية واختيار شخصياتٍ مؤهلة لإدارة الأزمات والتعامل مع التناقضات الداخلية.

الشرق الأوسط: استكمال مسار استراتيجي 
تعكس شخصية الرئيس الأمريكي الجديد وقناعاته أهمية لناحية فهم محددات واتجاهات السياسة الخارجية، ويساعد على فهم هذه الاتجاهات مواقفه المعلنة أثناء الحملة الانتخابية وعقيدة أوباما الذي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس لثمان سنوات.

 

ونظرا لذلك، من المرجح أن تتقدم أولوية النزاع مع الصين وإدارة العلاقة مع أوروبا وفرض مزيد من الضغوطات على روسيا في سلم أولويات بايدن الخارجية. وهي القضايا التي شهدت العديد من الأزمات في ظل إدارة ترامب.

 

إضافة لمحاولة استعادة الدور العالمي للولايات المتحدة من خلال العودة لاتفاقية باريس وإيلاء الأهمية اللازمة للمؤسسات الدولية التي أهملها ترامب.

 

ويمكن الإشارة هنا إلى بعض مواقف بايدن وتوجهاته حيث يُعرف عنه عدم حماسته للخيارات العسكرية أحادية الجانب، حيث سبق أن تبنى موقفاً ضد توسيع الحضور الأمريكي في أفغانستان خلال إدارة أوباما كما عارض التدخل في ليبيا.


المحددات أعلاه تدفع للوراء منطقة الشرق الأوسط على سلم أولويات السياسة الأمريكية بعد كل من أوروبا، والصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وربما أمريكا اللاتينية.

 

ودعا بايدن إلى زيادة تواجد القوات البحرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتقوية التحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وإندونيسيا.

 

مشدداً على ضرورة إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأفغانستان، لكنه يعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الاحتفاظ بقوة صغيرة هناك لمكافحة الإرهاب. وذلك يعود في جزء منه لتراجع أهمية نفط الخليج للولايات المتحدة مقارنة بالعقود الماضية.


غير أن هذا كله لا يعني تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين وحماية المصالح الأمنية والنفطية، ومنع حدوث تحولات لا تتسق والرؤية الأمريكية للمنطقة.

 

إذ أن زيادة الضغط على بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر لا يعني تخلياً عنها. كما أن مهمة التفاوض مع إيران لن تكون سهلة في ظل نقاط الاشتباك المفتوحة والأزمات المتصاعدة في المنطقة. 

موقف بايدن من تطورات القضية الفلسطينية
في ظل هذا المشهد، من غير المتوقع أن يذهب بايدن لتبني سياسات يمكن التعويل عليها فلسطينياً، سواء لناحية العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي أو لتحسين دور الولايات المتحدة في المنطقة بما يخدم تشكيل بيئة إقليمية لصالح القضية الفلسطينية، وإن كان مجرد مغادرة ترامب يعد بحد ذاته أمر إيجابياً.


أما عن ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية فمن المرجح أن يتبنى بايدن مواقف الحزب الديمقراطي التقليدية بشأن السياسة الخارجية، على اعتبار أن بايدن كان نائباً للرئيس في ظل إدارة أوباما (2009-2017) كما أن العديد من الشخصيات المرشحة للعمل في فريقه للسياسة الخارجية سبق أن عملوا في إدارة كل من باراك أوباما وبيل كلينتون. 

 

كما أن بايدن يتجه لتبني سياسة مفادها ضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ "إسرائيل" باعتبارها دولةً يهودية. وهو ما صدر على لسان كبير مستشاريه للسياسة الخارجية، أنطوني بلينكن، الذي قال: "إن بايدن سيصرُّ على أن يمتنع الفلسطينيون عن التحريض، وسوف يصمِّم على أن يعترفوا بحق وواقع دولة إسرائيل اليهودية".

 

مؤكداً أن بايدن "لن يربط المساعدة العسكرية المُقدَّمة إلى إسرائيل بأيِّ قراراتٍ سياسية تتَّخِذها. وهذا أمرٌ مفروغٌ منه". 


وتؤكد تصريحات بايدن عدم نيته التراجع عن الخطوات المرتبطة بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.

 

كما من المتوقع أن يُشجع مسار التطبيع بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي، محافظاً في الوقت ذاته على التفوق العسكري والتكنولوجي للاحتلال في المنطقة. 


وفي المقابل، تشير تصريحات بايدن وفريقه إلى احتمالية تراجعهم عن الخطوات التي أقدم عليها ترامب، والتي تعتبر الأقل خطورة، مثل إعادة فتح مقر منظمة التحرير في واشنطن وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس، مع الإشارة إلى وجود بعض التعقيدات الفنية والقانونية لإنفاذ هذه الإجراءات.

 

إضافة لإعادة تفعيل قنوات الدعم المالي المرتبطة بالتنسيق الأمني والتنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية، إلا أن هذه الجهود قد تصطدم بمصاعب مرتبطة بقانون "تيلور فورس" الذي جرى إقراره عام 2018 والذي يحظر وصول المساعدات الأمريكية إلى بعض المؤسسات الفلسطينية ما دام أن السلطة الفلسطينية تمنح رواتب لعوائل بعض الشهداء الفلسطينيين.


أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فإن بايدن يتمتع بتاريخ طويل من العلاقات المتميزة مع المسؤولين الصهاينة، ولكنه لن يكون بمستوى ترامب، في انحيازه المفرط، وغالباً ما يبرز بايدن باعتباره وسطاً بين سياسات ترامب وأوباما.

 

مع ضرورة قراءة التطورات السياسية لدى الاحتلال بحذر في ظل الانعكاسات المتوقعة لفوز بايدن على فرص نتنياهو الداخلية واحتمالية الذهاب لانتخابات رابعة، إضافةً لزيادة ضغوط المستوطنين على نتنياهو للاستعجال بإعلان الضم. 

خيارات السلطة الفلسطينية ورهانتها 
ترك ترامب خلفه إرثاً سياسياً ثقيلاً في المنطقة، لعل أبرز معالمه عملية التطبيع المستمرة بمعزل عن الموقف من القضية الفلسطينية والتزاماتها، ما أسهم في تشكل معالم جديدة للمنطقة شملت خلق ديناميات للتعاون الأمني والاستراتيجي بين الاحتلال وبعض الدول العربية والتي قد تأخذ مساراً متصاعداً في حال شرعت الإدارة الأمريكية في استعادة الاتفاق النووي الإيراني.

 

كما أن ما قام به ترامب جعل الدول العربية مكشوفةً أكثر من ذي قبل لناحية إمكانية ابتزازها والاستثمار في نقاط ضعفها الداخلي. 


ويعد التسليم بالتعاون فلسطينياً مع الإدارة الأمريكية الجديدة وفقاً لما أملته الإدارة السابقة من اعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ونقلٍ للسفارة اعترافاً ضمنياً بما تم إنفاذه، وهو ما يستدعي تبني استراتيجية فلسطينية قائمة على تعظيم عوامل الصمود الذاتية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي دون الركون والتعويل المبالغ فيه على الإدارات الأمريكية التي ما فتئت تحفظ للاحتلال نفوذه وأمنه القومي. 


والملاحظ أن قيادة السلطة لم تُخفِ تعويلها على فوز بايدن، لاعتبارات سياسية مختلفة، غير أن هذا التعويل قد لا يكون في محله، نظراً للإرث السياسي الثقيل الذي تركه ترامب خلفه، ونظراً لأولويات الرئيس الأمريكي الجديد التي تركز على أزمة كورونا ومحاولة عدم الاصطدام بالاحتلال الإسرائيلي في المدى القريب.


ويرتكز تعويل قيادة السلطة على مجيء بايدن على اعتبارات الفرصة السياسية بإمكانية استعادة مسار التسوية، الذي أصبح الانخراط فيه سبباً لذاته وحاجة لإثبات الشرعية السياسية، معولة في ذلك على البعد الدولي، ومستحضرة في الوقت ذاته البعد المحلي بدرجة أقل، من خلال محاولة رئيس السلطة محمود عباس تجديد شرعيته أمام الإدارة الجديدة، والذهاب لعقد الانتخابات البرلمانية بما يمكنه من امتلاك ورقة تمثيل غزة سياسياً. 


لا شك أن فوز بايدن بالانتخابات الأمريكية يساعد قيادة السلطة في النزول عن الشجرة، عبر العودة لاستلام المقاصة وإعادة التنسيق الأمني إلى سابق عهده.

 

ولكن من غير المرجح عودة العلاقة بين السلطة والإدارة الأمريكية إلى سابق عهدها، فيما يجب أن يكون تعامل إدارة بايدن مع الخطوات التي أقدم عليها ترامب خلال السنوات الأربع الماضية المعيار الذي يستند له الموقف الفلسطيني في خياراته للتعامل مع إدارة بايدن.