أكد الجنرال
الإسرائيلي المتقاعد والمستشار السابق للأمن القومي يعقوب عميدرور، أن تغيير النظام في
سوريا من حكومة علوية ذات خصائص علمانية إلى حكومة من المنظمات الجهادية السنية لديه هو تغيير سيكون له تأثير كبير على مستقبل الشرق الأوسط.
وقال عميدرور، في مقال نشرته صحيفة "
معاريف"، إنه "بالنسبة للأغلبية السنية في سوريا، فإن هذه بالتأكيد لحظة شعور بالنصر، لأن قِلة من السنة يتعاطفون مع حكم الأقلية العلوية، ولكن يجب أن نرى هنا تغييرا أوسع نطاقا، دعونا نبدأ مع الخاسرين الكبار، يبدو أن هناك ثلاثة في المقدمة: إيران، وحزب الله، وروسيا".
وأضاف عميدرور، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي" أن إيران "بنت محورا أصبح أقوى، رأسه في طهران وطرفه في البحر الأبيض المتوسط، مع العراق الخاضع لنفوذها، وسوريا التي تعتمد عليها في حكمها، ولبنان الذي استولى عليه حزب الله، الذي بناه وموّله.. لقد تم القضاء على هذا المحور، وبالتالي فإن إيران سوف تجد صعوبة في تسليح التنظيم الضعيف في
لبنان".
واعتبر أنه على أرض الواقع "فقدت إيران قدرتها على ضرب إسرائيل عبر حدودها الشمالية، ما جعلها عرضة للمواجهة المباشرة مع إسرائيل من دون أي وساطة من وكلاء مقربين من إسرائيل (الجزء الآخر من قدرتها على ضرب إسرائيل تم تدميره في غزة). ويبدو أن الحلم الإيراني بمحور شيعي يقودها إلى البحر الأبيض المتوسط ويشكل جزءاً مهماً للغاية من حلقة النار حول إسرائيل بدأ يتلاشى. علاوة على ذلك، فإن حزب الله الضعيف في لبنان قد يكون هدفاً آخر لتلك المنظمات السنية التي تسيطر على سوريا، نظراً لوجود حساب دموي بينها وبين المنظمة الشيعية التي قاتلتها بوحشية في سوريا".
وأشار إلى وجود شيء أعمق، ففي لحظة الاختبار، فشلت إيران في مساعدة حزب الله الذي تلقى ضربة موجعة في الحرب ضد إسرائيل، كما أنها فشلت في حماية النظام السوري المتعاطف معها والمعتمد عليها، ويتردد صدى هذا الفشل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في العالم العربي، الذي كان يخشاها تاريخيا".
وقال إن "إيران بلد جدي، وسوف يدرسون الوضع ويستخلصون الدروس ويحاولون تحديد نقاط ضعف جديدة في المنطقة (ربما الأردن) ويحاولون التصرف انطلاقا منها، ولن يتنازلوا بسهولة عن حلمهم بسبب الوضع الصعب، فهل سيؤثر الفشل الإيراني الذي يتردد صداه أيضا في شوارع طهران على المواطنين الإيرانيين، وهل سيعملون على تغيير النظام الفاشل؟ من الصعب أن نعرف، ولكن من الواضح أن حجرا قد تحرك في جدار النظام الإيراني، وأصبح أكثر عرضة للخطر".
وقال: "إدراك أن استثمار الكثير من الأموال والدماء على مدى أربعين عاماً، حتى على حساب احتياجات الشعب الإيراني، ذهب هباءً بهذه الطريقة المهينة، من شأنه أن يغير وجهات النظر العالمية حتى بين الإيرانيين".
وأكد أن "الخاسر الواضح الآخر هو روسيا.. لقد خسر فلاديمير بوتن بشكل مخزٍ قبضته الوحيدة على الشرق الأوسط، بعد وقت قصير من إثبات أن العملية الإسرائيلية في إيران دمرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية، وقد استثمرت موسكو مبالغ كبيرة من المال في سوريا، وبالنسبة لها أيضًا ذهب كل شيء هباءً، ومن الممكن أن تؤدي النتيجة السيئة إلى تصلب مواقف بوتين في أي محاولة للتفاوض بشأن أوكرانيا، والفشل ليس أساسًا جيدًا للإيماءات والمرونة في البلدان الدكتاتورية المتغطرسة".
وقال: "إذا حاول النظام الجهادي في دمشق تصدير مفاهيمه، فإن الأردن سوف يواجه مشكلة خطيرة، وفي الانتخابات الأخيرة، أصبح من الواضح مرة أخرى أن بين الأردنيين، بما في ذلك داخل القبائل البدوية، هناك نواة من المؤيدين للآراء الإسلامية، وتعزيز هذا الاتجاه في تشجيع السوريين على عبور الحدود من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الأردن، الذي يعاني، بغض النظر عن هذا الحادث، من ضغوط داخلية كبيرة بسبب أزمة اقتصادية حادة ومشاكل تشغيل غير قابلة للحل".
وأوضح أن "تصدير الأفكار الإسلامية من قبل النظام السُنّي إلى العراق، جارة سوريا من الشرق، قد يشكل أيضاً مشكلة حقيقية للنظام العراقي، الذي يعتمد على الشيعة (أكبر مجموعة سكانية في العراق)، وكانت تركيا هي التي نظمت وسلحت ودفعت المتمردين للقتال ضد نظام الأسد، ويتناسب هذا النجاح مع النظرة العثمانية والإسلامية للحكومة التركية الحالية، التي بذلت الكثير من الجهود لتوسيع نطاق النفوذ التركي في جميع أنحاء العالم العربي ممثلة بالقوات العسكرية التركية موجودة حاليا في قطر والصومال وليبيا".
واعتبر أن "وصول المنظمات المدعومة من تركيا إلى مرتفعات الجولان من شأنه أن يزيد من الاحتكاك والتوتر بين إسرائيل وتركيا، التي تعادي إسرائيل بشدة، لكنها لم تصطدم معها بشكل مباشر بعد.. وتعزيز تركيا في المنطقة من شأنه أن يسمح لها بإيذاء الأكراد، وخاصة في سوريا، وهم حلفاء الولايات المتحدة حاليًا في حربها ضد داعش في شرق سوريا، وأي نهج تركي عدواني من شأنه أن يشكل تحدياً لهذه العلاقة ويضع الإدارة الأمريكية الجديدة أمام قرار صعب ما بين التخلي عن الأكراد وإضعاف موقف الولايات المتحدة في المنطقة، باعتبارها دولة لا تقف إلى جانب حلفائها الذين سفكوا دماءهم في تعاون طويل الأمد مع الولايات المتحدة".
وأضاف أنه "من وجهة نظر إسرائيل، فإن الوضع الجديد يشكل ارتياحاً كبيرا، في ظل عدم وضوح المخاطر في المستقبل، واستبدال النظام العلوي بنظام معاد لإيران وحزب الله سوف يجعل من الصعب للغاية على المنظمة إعادة تسليح نفسها، والتي قد تضطر إلى استثمار الموارد في الدفاع عن مصالحها ضد سوريا السنية، التي يخوض حكامها صراعا دمويا مع إيران وحزب الله".
ورجح عميدرور أن هذا "يبدو هو السبب وراء تزايد نفوذ إيران في المنطقة، وفي الوضع الجديد فإن تهديد حزب الله لإسرائيل سوف يتراجع بشكل كبير وسوف يزداد ضعفه، وربما تكون هذه فرصة لإسرائيل لتقويض قوته أكثر، ولكن حكم التنظيمات التي يعود جزء كبير منها إلى تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ليس سيناريو واعداً في ما يتصل باستمرار الصراع مع سوريا الجديدة، وخاصة في مرتفعات الجولان".
وأكد أنه "سوف يكون من الضروري الاستعداد للدفاع في مرتفعات الجولان واستخلاص الدروس من الهجوم الذي شنه المتمردون على سوريا تحت حكم الأسد، وتطبيق هذه الدروس على خطوط التماس مع إسرائيل، وإلى حد كبير، تشبه الدروس المستفادة من هجوم حماس، فإسرائيل هي التي شنت الهجوم على سوريا في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولهذا السبب أيضاً تعمل قوات الدفاع الإسرائيلية على تدمير الأسلحة المهددة التي كانت بحوزة الجيش السوري على نطاق واسع، حتى لا تقع في أيدي النظام الجديد. ولن يفاجئ عداء إسرائيل أحدا".
ولفت إلى أنه "من الممكن أن يأتي الانفراج في مكان ما (ضد حزب الله) مع مرور الوقت على حساب تفاقم الوضع في مكان آخر (هضبة الجولان)، لذلك لا بد من مراقبة التطورات في سوريا بعناية فائقة، ومواجهة التهديدات منذ بدايتها، ولإسرائيل مصالح أخرى في المنطقة، بعضها يتعلق بسلوك سوريا الجديدة".
وقال: "لعل أهم هذه المصالح هو على الأرجح مصلحة الحفاظ على استقرار الأردن، الذي يشترك مع إسرائيل في أطول حدود، لأن استيراد التطرف الإسلامي من شأنه أن يقوض استقرارها، وهذه الأحداث تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار وتشكل تحديات خطيرة لإسرائيل، ولذلك، يتعين على إسرائيل أن تفكر في كيفية مساعدة الأردن في منع تسرب الضغوط السُنّية المتطرفة من سوريا إلى الأردن".
وأضاف: "من الممكن أن يكون هذا الاهتمام مرتبطاً برغبة إسرائيل في ضمان سلامة الدروز في سوريا أيضاً، الذين يتركز معظمهم في الأردن، في جبال الدروز جنوب شرق الجولان، حيث تشكل الأقلية الكردية في الشرق أيضا عاملا يجب على إسرائيل أن تأخذه في الاعتبار في تفكيرها بشأن مستقبل سوريا".
وذكر أن "الأسئلة كيف يمكن خلق أمن أفضل للدروز ورعاية الأكراد والجمع بين هذا والمساعدات المقدمة للأردن.. هي التحديات التي يتعين على إسرائيل مواجهتها، بالتوازي مع جهودها لضمان السلام في مرتفعات الجولان، وهي الجهود التي تشكل تحديا كبيرا بالنسبة لها.. الوضع في سوريا متقلب، ولكن من الواضح أن المحور الشيعي الذي بنته إيران على مدى أكثر من جيل قد انكسر".
وختم بالقول: "الآن أصبح من المحظور السماح بتشكيل
محور سني تكون سوريا في مركزه، وهو المحور الذي لا يمكن أن يتشكل إلا في حالة الحرب.. محور ذو إمكانات كبيرة للضرر من وجهة النظر الإسرائيلية".