الحركة الإسلامية في البلاد العربية لم تدعي أنها هي من صنعت الربيع في بلادها، أو هي من خططت له، غير أنها كانت من أكبر المساهمين فيه، بغض النظر عن مرحلة الالتحاق بركبه، مباشرة أو بعد تردد، المهم أنها التحقت به، وسخرت كوادرها ومقدراتها وجهودها في سبيل إنجاحه، وتحقيق أهدافه، والوصول إلى غاياته.
وفي الحقيقة لا أحد ينكر جهود الحركات الإسلامية ودورها في المساهمة في
الربيع العربي، في البلاد التي قطفت ثمار سعيها، أو غيرها التي مازالت تصارع في سبيل ذلك، بسبب عسكرة ثوراتها.
وبغض النظر عن المآلات التي آل إليها الربيع العربي، وبخاصة في
مصر، بعد تجربة للحركة الإسلامية هناك دامت سنة كاملة، وتجربة شهدت تنازلات كبيرة في تونس، أعتقد أن الواجب يفرض على الحركة الإسلامية في كل أقطارها أن تقف في هذه المحطة وقفة طويلة، ليس بهدف محاكمتها، وإظهار المصيب والمخطئ فيها، أو لغايات توجيه أصابع الاتهام لشخوصها، بل لغايات دراستها وتمحيصها، واستخلاص الدروس والعبر منها، والاستفادة من أحداثها ومحطاتها، للبناء المستقبلي عليها، فهي محطة على الطريق وليس الطريق كله حتى يجمد القوم فيها، ما بين متأسف ومتألم ومعاتب ومتهم، أو مبرر مدافع، أو معترف وناكر، المفيد باعتقادي هو الوقوف المتأمل والمتأني في هذه المحطة بعيداً عن المجاملات والعواطف، يتم تناول أجزائها وتفاصيلها، وإخضاع ذلك كله لدراسة علمية تجمع أطراف علم الإدارة والقيادة والحكم والثوارت وتجارب الآخرين.
فلا يكفي في هذه المحطة أن نعترف هنا، ونبرر هناك، بل هي محطة كبيرة بغض النظر عن مآلاتها، تستحق من الحركة الإسلامية أن تمنحها الوقت الكافي والوقوف اللازم، والدرس العميق، والفكر المتأمل المتجرد، كي تجعل منها قاعدة للانطلاق، وأساساً للبناء عليه من جديد. فلا فائدة في اتخاذ هذه المحطة طللاً نقف باكين على مشارفه.
وهنا أود أن أؤكد على أن لا تحيد الحركة الإسلامية بعد هذه التجربة عن مسارها الذي رسمته منذ أمد طويل في الإصلاح والتغيير، إلا إلى مزيد من التطوير في الأداء، والتميز في التخطيط، والجرأة في التنفيذ، والسعي لامتلاك الأسباب، والعمل بمكر الساسة ودهائهم، في ميدان السياسة والحكم.
أما أن تتحول الحركة الإسلامية الآن إلى حركة تطلب ثأراً، أو تسعى لاسترداد حكم مغتصب، فإن هذا يعني أن الحركة حادت أو كادت عن سبيلها، وربما ستضيع الكثير من جهودها، سيطرة هاجس الحكم الضائع ربما سيفقد الحركة الكثير، وهو أمر لا بد أن يخضع لدراسة حقيقية، بعيدة عن الانفعالات والعواطف، وتطرح من خلالها المزيد من الحلول، وأن لا تجمد على إحداها، وتحشر نفسها في زاوية قد تكون هي الحق، لكن الوصول إليها بشكل مباشر قد يكون مكلفاً، وباهض الثمن، يستهلك الجهود والأوقات وغيرهما، وربما كان في الأمر متسع لغيرها من الحلول والبدائل المناسبة.
حتى لا أفهم خطأ في أحسن الأحوال، وحتى لا أتهم في أسوئها، فإن دعوتي هنا للحركة الإسلامية أن تبني مواقفها التي تتخذها على أساس من البحث والدراسة المتأنية والعميقة، التي تضع النقاط على حروفها الصحيحة، لأننا لمسنا وبصراحة أن كثيراً من المواقف والقرارات التي اتخذت سابقاً لم تقم على أصل ثابت، بقدر ما كانت تستند إلى عواطف ومشاعر، بالإضافة إلى الاستفادة من التجربة السابقة بعيداً عن الجمود عليها.