"والله إنتا ما تنجا".. بلهجته البدوية، أكد أحد عناصر "
الدولة الإسلامية" للرجل الخمسيني الحاج "عبد الله" أنه لن ينجو، ومعنى ذلك أن عقوبته القتل، فقد كان يحمل في جيبه أوراقاً وصوراً تتعلق بابنه الذي قتل بعد أن ألقت إحدى كتائب
الجيش الحر القبض عليه، بينما كان ينقل في شاحنة صغيرة طعاماً لجنود النظام السوري الذين كان واحداً منهم منذ أكثر من عامين.
لم يعترف النظام بابنه كــ"شهيد" كونه فقد ولم يتم العثور على جثته، كما لم يسلم اللواء الذي اعتقله وقام بتصفيته الجثة للوالد الكهل، بل اكتفى بتسليمه صورة يظهر فيها ابنه وهو ممدد (مقتول)، لكنها لم تقنع النظام بأنه قد قتل، بل اعتبروا أنه قد فر من الخدمة وهو من المطلوبين.
في إحدى وسائط النقل العامة شرقي محافظة حلب، وبالتحديد بالقرب من بلدة مسكنة، أوقف حاجز لــ "الدولة" سيارة الأجرة المتجهة إلى مدينة الباب في الريف الشرقي، وطلب البطاقات الشخصية للركاب ومن ثم أنزلهم من السيارة ليقوم أحد العناصر بتفتيشهم تفتيشاً جسدياً، ليتم فوراً إلقاء القبض على الحاج عبد الله بتهمة "التعامل مع الكفار"، وأنه يحمل في جيبه كل "الإثباتات" على صحتها.
ويسيطر عناصر "الدولة الإسلامية" على مساحات شاسعة من ريف حلب الشرقي، ويقومون بتنظيم شؤون الحياة في تلك المناطق وفق أسلوب "دولة حقيقية"، فلديهم أرشيفهم وورقياتهم ومعاملاتهم ومؤسساتهم، كما لديهم سجونهم وفروع التحقيق الخاصة بهم، إلى جانب المدارس والموظفين المدنيين.
اعتقل الحاج "عبد الله" في سجن بمدينة مسكنة عدة أيام، ومن ثم تم نقله إلى دير حافر وبعدها إلى سجن مدينة الباب، حيث قضى هناك أكثر من شهر ونصف، تم التحقيق معه خلالها عدة أيام، ليثبت للتنظيم أنه بريء مما وجه إليه من تهم، حيث إنه لا يتعامل مع "الكفار" بل كان يحاول الاستفادة من بعض المبالغ البسيطة التي يقدمها نظام بشار الأسد لأهالي القتلى، الذين كانوا يحاربون ويخدمون في صفوفه.
وبعد الإفراج عن الرجل وكما جرت العادة، الخضوع لدورة شرعية مكثفة تجاوزها بنجاح، ومن ثم تم إطلاق سراحه ليذهب حيث يشاء، وليصل أخيراً إلى مدينة أنطاكيا التركية، حيث التقينا به، وروى لنا بعض تفاصيل قصته.
يقول الحاج "عبد الله" في حديث لـ"عربي21": "شعرت بالاختناق عندما أخبرني أنني لن أنجو، لكنني فوضت أمري إلى الله، إذ ليس باليد من حيلة أبداً". ويضيف: "تم احتجازي في مكان قذر ووسخ لخمسة أيام في البداية، دون أن يسألني أحد أي سؤال. وكان السجانون غير مهتمين بأمري، وغالباً أنهم نسوا تهمتي، فقمت بتذكيرهم وبأنني متهم بالتعامل مع النظام، فنقلوني إلى سجن ثانٍ فثالث".
ويضيف: "كان التحقيق مرعباً إذ إن النتيجة لا تحتمل الحل الوسط أبداً، فإما مذنب وإما بريء، وإما أن أعيش أو أموت. لقد حدثت القاضي بما حدث بالفعل ودون أن أكذب مطلقاً، وباغتني بالعديد من الأسئلة التي لولا أنني كنت حذراً لوقعت فيما لا يحمد عقباه، حيث سألني.. ابنك شهيد أليس كذلك؟ فأجبته بسرعة: لا ابني قتيل لم يستشهد.. ليجيبني بعدها.. لعنة الله عليه.. لعنة الله عليه".
وحسب الحاج عبد الله، فإن "نتيجة التحقيق كانت نزيهة"، فهو، كما يقول، لم يكذب والقاضي برّأه من التهمة التي وجهت إليه وأطلق سراحه، لكنه يرى أن الكثير من الذين يُقتلون من التنظيم يتم قتلهم "ظلماً وعدواناً".. أو "جهلاً" حسب وصفه، لا سيما أن من يقومون بالتحقيق ليسوا من المختصين بذلك، بل كثير منهم لا يجيدون القراءة والكتابة بشكل جيد، فوفق الحاج عبد الله "المنصب ليس لصاحب الخبرة بل لصاحب النفوذ".
أما عن ابنه، فقد كان الحاج عبد الله يدعو الله أن يغفر له، وفي الوقت نفسه أن ينتقم من قاتليه، فهو، من وجهة نظر والده، ليس مجرماً بل كل ما كان يقوم به نقل الطعام، ولم يحمل سلاحاً أو يحارب أو يقتل أي مواطن سوري. ويقول: "كان يرغب (ابنه) ويحاول الانشقاق، كما أن بعض العناصر في الجيش الحر حاولوا مساعدته على ذلك، إلا أنه لم ينجح، وشاء الله أن يتم اعتقاله من الجيش الحر قبل أن يتم انشقاقه عن جيش النظام".