يرى الكاتب الأمريكي جاكسون ديهيل أن الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، فشل فشلا ذريعا في سياسته الخارجية، ابتداء من
سوريا والتي جرت بعدها تدخلات كبيرة في الشرق الأوسط.
يقول ديهيل في مقاله في "
واشنطن بوست" إنه "عندما اختار الرئيس أوباما تجنب القيام بإجراء عسكري في سوريا في عام 2013، وأبرم صفقة للتخلص من معظم مخزون السلاح الكيماوي التابع للنظام، بدا لي محتملا أن يكون الرئيس قد أحرز نصرا تكتيكيا. خاصة أن الضربات الجوية التي وعد بها وزير الخارجية جون كيري كانت ستكون (صغيرة جدا)".
ولكن ما بدا للكاتب الأمريكي نصرا في البداية لم يعد كذلك، ويضيف: " غيرت رأيي بعد أن سمعت من عشرات الوزراء الأجانب وغيرهم من كبار المسؤولين في الدول الحليفة للولايات المتحدة أثناء زيارتهم لواشنطن خلال الشهور والسنوات التالية. فالمسؤولون الزائرون من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وحتى الهند أسروا بأنهم على قناعة بأن فشل أوباما في استخدام القوة ضد بشار الأسد كان السبب المباشر وراء الاعتداءات التي صدرت عن الصين فيما بعد في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي".
"أما المسؤولون في بولندا وليتوانيا وفرنسا"، فيشير ديهيل إلى أنهم "رسموا خطا بين إخفاق أوباما من جهة وغزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا من جهة أخرى. أما فيما يتعلق بالسنة العرب والأتراك والإسرائيليين، فيعتقدون جازمين بأن قرار أوباما سرع من النكبات التي حلت بسوريا وبمعظم بلدان الشرق الأوسط".
ويوضح: "وهؤلاء لديهم حجة واضحة: لقد مات مئات الآلاف، ويواجه الاتحاد الأوروبي خطر الانهيار أمام الأمواج المتدفقة من اللاجئين، وما يزال تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد عصيان على الاندحار. من ذا الذي لا يعتبر مثل هذا الوضع نتيجة وخيمة؟. إنه أوباما كما ثبت لنا".
وأشار إلى مقابلة الصحفي جيفري غولدبيرغ في مجلة "ذي أتلانتيك" مع أوباما، وما كشفت عنه من تقدير خاطئ، حيث قال: "أنا فخور جدا بهذه اللحظة.".
ويؤكد ديهيل: "تنبئ كلماته عن حالة من الغطرسة الدفاعية. ولكنها في الوقت ذاته تكشف عن أن أوباما ما يزال، وحتى يومنا هذا، جاهلا -أو في حالة إنكار- بشأن تداعيات ما يعتبره المؤرخون على وجه التأكيد واحدا من أخطائه القاتلة".
"بحسب الوصف الذي أورده غولدبيرغ نفسه، يعتبر الرئيس شهر أغسطس 2013 لحظة "تحرره" من مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة التي طالما ازدراها هي و "كتاب قواعد اللعب المعتمد في واشنطن" الذي يتطلب القيام بإجراء عسكري من أجل الحفاظ على "المصداقية" الأمريكية"، يقول الكاتب.
ويشير إلى أنه "إذا كانت هذه رؤية أوباما للأمر فإنها لا تزيد عن كونها رؤية ضيقة الأفق. ما من شك في أن المتعارف عليه في أوساط مراكز البحث والتفكير وفي أوساط المسؤولين السابقين والمثقفين في واشنطن أن أوباما ارتكب خطأ جسيما جدا. إلا أن تلك هي أيضا رؤية مؤسسات صناعة السياسة الخارجية في معظم أقطار العالم".
وأوضح أنه "إذا كان المسؤولون في الهند وفي اليابان وفي بولندا وفي لاتفيا وفي إسرائيل وفي السعودية مقتنعين بأن الولايات المتحدة أضرت بقدراتها الردعية وطمعت الآخرين في الاعتداء على مصالحها وبأن عليهم أن يعيدوا صياغة سياساتهم بناء على ذلك، فإنه لم يعد ثمة قيمة لما إذا كان أوباما محقا في الإصرار على أن بوتين وزي جينبينغ لم يتحركا بناء على إشارات تلقياها منه. لقد أوجد العرف الدولي الواقع الخاص به. وقد عززت الأحداث الأخيرة الزعم التالي: إذا كان الرئيس يعتقد بأن مغامرة بوتين الأخيرة في سوريا لم يكن لها علاقة بالقرار الذي اتخذه في عام 2013، فإنه يقف في ذلك وحيدا".
في الحقيقة، ورغم كل ادعاءاته، يبدو أوباما مطاردا من قبل قراره النأي بنفسه عن سوريا، وقد بلغ به الأمر أن يلفق ما يشبه المذهب السلبي تجاه ذلك، ومفاده كما يقول غولدبيرغ أن الشرق الأوسط "لم يعد ذا قيمة تذكر بالنسبة للمصالح الأمريكية"، وأنه حتى لو كان ذا قيمة، فلا تملك الولايات المتحدة القيام بالكثير "من أجل تحويله إلى مكان أفضل مما هو عليه الآن"، وأن أي محاولة للقيام بذلك فإنها لن تؤدي إلا إلى الحرب وستؤدي في نهاية المطاف إلى "استنزاف مقدرات وطاقات الولايات المتحدة الأمريكية."
ويضيف ديهيل: "أول ما يمكن قوله إزاء ذلك هو أن أوباما يؤمن فعليا بأنه خدع نفسه من خلال قراره إرسال أربعة آلاف جندي وعشرات الطائرات إلى العراق وسوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية. فمثل هذا القرار لا يمكن أن يفهم منه سوى أنه ما يزال للولايات المتحدة مصالح حيوية في المنطقة وأن العمل العسكري الأمريكي له تأثير إيجابي".
ويدل أيضا على أن السؤال الحقيقي لا يتعلق بما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة التفاعل مع قضايا الشرق الأوسط، أو حتى ما إذا كان يتوجب عليها القيام بذلك عسكريا، وإنما يتعلق بمقدار ذلك ولأي أهداف يتم ذلك.
ويتابع: "وفي هذا الخصوص، يمكن القول إن أوباما قد وقع ضحية لما يعتنقه من أيديولوجيا. وكما تشير تامارا ويتس من معهد بروكينغ في مقال رائع نشرته ذي أتلانتك، لقد كان لمحاولة الرئيس تقييد مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تأثيرا مشوبا بالتناقض من خلال شد البلاد نحو مستنقع أعمق. وتقول إن أوباما لم يكتف برفض اتخاذ إجراء ضد الأسد ولكنه تخلى عن الجهود الأمريكية التي تبذل في سبيل بناء نظام سياسي جديد في كل من العراق ومصر وليبيا".
والنتيجة، بحسب ديهيل، هي أن أوباما ملزم الآن بقتال "الدولة الإسلامية وتنظيماتها الآخذة في التوالد والانتشار في أرجاء المنطقة دون أن تلوح في الأفق إمكانية لاستبدالها بدول تملك القدرة على الاستمرار. بينما يتضاءل حلفاء أوباما لا يبدو أن لديه أي استراتيجية للانسحاب".
ويختم بقوله: إن "التحرر" من الشرق الأوسط الذي يحتفل اليوم بإنجازه هو الذي أوجد المستنقع الذي لا مفر من أن يرثه الرئيس القادم.