سياسة عربية

إلباييس: الشرق الأوسط "الجديد" يعاني فراغا استراتيجيا خطيرا

تمرد الحوثيين سيقود إلى تنافس استراتيجي في وضح النهار مع إيران - أرشيفية
تمرد الحوثيين سيقود إلى تنافس استراتيجي في وضح النهار مع إيران - أرشيفية
قال جوشكا فيشر، وزير الخارجية ونائب المستشار الألماني غيرهار شرودر في الفترة 1998-2005، إن الشرق الأوسط "الجديد" يعاني من فراغ استراتيجي خطير، وذلك في مقال تحليلي له نشر اليوم بجيردة إلباييس الإسبانية تحت عنوان "إيران في مواجهة العربية السعودية".

وأضاف فيشر في مقال رأيه المنشور على الموقع الإلكتروني للجريدة الإسبانسة، بالقول "إنه من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد راغبة أو عاجزة عن لعب دورها السابق في المنطقة".

 وقال فيشر في هذا الصدد "على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تذهب في اتجاه السحب الكامل لقواتها العسكرية من المنطقة، إلا أنه في ظل كارثة العراق فإن التدخل العسكري المباشر وخصوصا بالقوات البرية، لم يعد ممكنا. فهي لن تكون لاعبا عسكريا طالما لا ترى ما يهدد جذريا التوازن الاستراتيجي في المنطقة (وهو ما يفسر الضربات الجوية على الدولة الإسلامية في العراق وسوريا)".

  "وفضلا عن ذلك"، يتابع كاتب المقال، "فإنها تناور من خلال الدبلوماسية من أجل الحل، أو على الأقل، احتواء التهديد الاستراتيجي الرئيسي المتمثل في الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني".

ويضيف الكاتب أن عددا من الفاعلين الحكوميين وشبه الحكوميين حاولوا ملء الفراغ الناجم عن هذا الحذر "الجديد" لدى الأمريكيين، مشيرا إلى أن معظم الجهات شبه الحكومية تعول أساسا على دعم القوتين الإقليميتين في المنطقة: إيران والمملكة العربية السعودية.

 وأوضح أن "صراع هاتين الدولتين من أجل السيادة الإقليمية يمكن ملاحظته من خلال الحروب بالوكالة في لبنان والعراق وسوريا واليمن حاليا"، معتبرا أن تمرد الحوثيين في هذا البلد يمثل مرحلة جديدة من صراع إقليمي أوسع سيقود إلى تنافس استراتيجي في وضح النهار مع إيران.

ويشير جوشكا فيشر إلى أنه وكما هو الحال دائما في الشرق الأوسط، فإن العوامل الدينية والعرقية تلعب دورا هاما في هذا التنافس، معتبرا أن الفجوة بين الشيعة والسنة في الإسلام تنعكس على الجغرافيا السياسية للمنطقة.

وأكد أن المصالح الجيوسياسية والطائفية الدينية والانقسامات العرقية تشكل مزيجا خطيرا في الشرق الأوسط الجديد، موضحا بالقول "ولأن التاريخ أثبت أن التدخل العسكري الخارجي لا يمكن أن يحل أو يحتوي مثل هذه الصراعات، فعلى القوى الإقليمية أن تعمل على حل الأمر فيما بينها، على الرغم من أن قول ذلك أسهل بكثير من فعله".

 وتابع: "سيفترض ذلك فترة طويلة من العنف لا يمكن التنبؤ بها، مع ارتفاع خطر أن يتسبب ذلك في تصاعد الصراع العالمي، وعلى الأرجح قد يتسبب في كوارث إنسانية مثل تلك التي نعاني منها حاليا في سوريا. وحتى إذا لم ينطلق هذا التصعيد خارج هذا المجال، فإنه من المحتمل أن ينطوي على مخاطر اقتصادية وازنة، نظرا للاحتياطات الطاقية في المنطقة وأهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمي".

أما بالنسبة الأمن الدولي، يقول الكاتب، فإن الصراع الطويل الأمد من أجل الهيمنة الإقليمية سيرفع تهديد الإرهاب العالمي، طالما أن كلا الطرفين يستخدمان الجماعات المتطرفة التي تبحث عن إضفاء الشرعية الدينية على ممارساتها، أما الخطر الأكبر بحسبه، فيكمن في أن الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا الصراع تسعى للحصول على قنابل نووية، معتبرا أن المنطقة التي تعرف عدم استقرار ستعيش كابوسا عندما يبدأ فيها السباق نحو التسلح النووي. 

لذلك، يقول فيشر، ليس من قبيل المصادفة أنه في الوقت الذي تجري فيه مواجهة عسكرية مباشرة بين القوى الإقليمية في اليمن، يحاول المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض على اتفاق نووي مع إيران. ويسعى هذا الاتفاق إلى أن يكون البرنامج النووي الإيراني تحت إشراف دولي في مقابل خفض العقوبات الاقتصادية الدولية ضد إيران.

ويلفت الكاتب الانتباه، إلى أن خطط الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن لقيت انتقادات مهمة من إسرائيل والمملكة العربية السعودية أقرب حلفائها في المنطقة، لكن بحسبه يبقى "الخيار الواقعي الوحيد لتجنب حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة هو إشراف دولي أوسع وأشمل بقدر الإمكان".

تحقيق هذا الهدف، حسب وزير الخارجية الألماني الأسبق، لم يقنع إسرائيل أو المملكة العربية السعودية، الذين يخشيان من كون إيران تستعمل أي اتفاق يتم التوصل إليه من أجل تعزيز هيمنتها في المنطقة. وبالتالي فإن النتيجة النهائية يمكن أن تمضي في اتجاه أن تغير الولايات المتحدة الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة،  وهو ما قامت به بشكل واضح في صراعها مع الدولة الاسلامية.

وخلص جوشكا فيشر، في مقاله، إلى أن الشرق الأوسط الجديد لا يحتاج إلى سباق تسلح نووي، ولا إلى مزيد من الكراهية الدينية و لا إلى سياسة خارجية تقوم على التدخل العسكري، بل يحتاج إلى تصميم على الجلوس والتفاوض بين الجميع وتطوير نظم الأمن الجماعي التي تخدم المصالح المشروعة لجميع الأطراف المعنية، "فبدون الديبلوماسية ورغبة في التقدم نحو التفاهم المتبادل المستدام، كما حدث للتو في الاتفاق مع إيران، سيظل فتيل الصراع مشتعلا" يؤكد الكاتب.
التعليقات (0)