كتاب عربي 21

أسبوع بوتين السوري

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
إذا صح الكلام الأخير لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن الولايات المتحدة أصبحت أكثر تقبلا للموقف الروسي إزاء الصراع في سوريا، فإن ذلك يعني تفويضا أمريكيا لروسيا باجتراح خطة لإنهاء الصراع المسلح الدائر لتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق دولي بشأن سوريا، وهو اتفاق لن ينفصل عن مآلات الوضع في الجار الأكبر العراق الذي قال عنه قبل ثلاثين سنة الرئيس اللبناني الأعمق رؤية كميل شمعون: "إذا شاهدتم العراق يتقسم، فهذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة، وليس في لبنان فقط". وثمة كثيرون يعتقدون، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الرئيس السوري بشار الأسد يريد تأسيس سوريا صغيرة، وهي دويلة خاصة به تبدأ من دمشق وتمتد عبر حماة وحمص إلى اللاذقية، وهي منطقة تشكل 15% من مساحة سوريا، وتدعمها قوى سيادية معينة (في إشارة إلى روسيا وإيران)، وهذه المنطقة تنفتح على البحر الأبيض المتوسط. وفي تصريحاته ذاتها صبيحة عيد الأضحى أكد الرئيس أردوغان أن بلاده تدافع عن وحدة التراب السوري، وتريد لشعب سوريا أن يحصل على منطقة آمنة خالية من التنظيمات الإرهابية، ليتمكن اللاجئون السوريون في تركيا من العودة إليها. وأضاف أنه تحدث مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين حول ذلك خلال لقائهما أمس في موسكو. وتم الاتفاق بينهما على أن يبدأ وزراء خارجية أنقرة وموسكو وواشنطن العمل معا على الملف السوري، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على ذلك يمكن فيما بعد ضم الرياض وطهران إذا رغبتا، ولاحقا الاتحاد الأوروبي وعمّان والدوحة.

هذه التصريحات المتعددة المنصات حول عواصم القرار، يُضاف إليها تعزيز الجيش الروسي حضوره العسكري الجَوبَرمائي في محافظة اللاذقية وشاطئ طرطوس ومطار حمَيميم قرب القرداحة (بلدة عائلة الأسد)، بالتفاهم الكامل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال لقائهما الأخير قبل أيام قليلة في موسكو، تشي بملامح نشوء دويلة ذات أغلبية علوية بحماية روسية كاملة، ودعم إيراني مضطرد، وتفهمٍ إسرائيلي معقول. في مقابل تحديد تركيا بالتفاهم مع شركائها الدوليين روزنامة البدء في إنشاء المنطقة الآمنة، التي تهدف لاحقا إلى إقصاء التنظيمات الراديكالية المتشددة عن مناطق واسعة في محافظتي حلب وإدلب، كمقدمة لتشكيل دويلة سنية "معتدلة" بغطاء تركي كامل، ودعم أوروبي لبرامج مكافحة الإرهاب فيها. على أن تستمر الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لإقصاء نفوذه عسكريا عن مناطق الحسكة والرقة ودير الزور وتدمر، بالانطلاق من الدويلتين الجديدتين. وفيما ستغيب إيران عن النفوذ المباشر في سوريا، فإنه ستحضر في شراكة أخرى بينها وبين روسيا في لبنان، تحت بند حماية الأقليتين الشيعية والمسيحية، في ظل اعتكاف تركيا عن تفاصيل المشهد اللبناني إفساحا في المجال لدور سعودي يتمتع بالنفوذ الكامل على الكتلة "السنية" في البرلمان اللبناني. 

كان أسبوعا سوريا بامتياز حافلا لفلاديمير بوتين الرئيس المتعدد الأبعاد سياسيا وأمنيا واقتصاديا لروسيا الاتحادية، الذي نجح في قيادة بلاده إلى مواجهة الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، وهو الآن يشرَع في تحويل إرث القاعدة العسكرية "السوفياتية" في مياه سوريا المتوسطية التي فرضتها حاجة الرئيس حافظ الأسد لحماية نظامه من أي ثورة داخلية، إلى نفوذ كامل على ما يقرب من خمس مساحة سوريا، وهو الخمس الأكثر استراتيجية وحيوية. كما يدشّن بوتين مرحلة جديدة من التحالف مع "إسرائيل"، تحت العنوان نفسه وهو حماية الأقليات من "وحش" خلافة "داعش" التي تصف نفسها بأنها باقية وتتمدد.    
التعليقات (0)