كتاب عربي 21

امسحي دموعك يا آمال.."قرامي"!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
أوشكت أن أجعل من عنوان هذا المقال، "شايفة القمر يا آمال"، مستلهما ذلك من العبارة التي وردت في "السيرة الهلالية": "شايفة القمر يا خضرا"، لولا أنني انتبهت في الوهلة الأولى إلى أن هذا العنوان يحتاج إلى ديالوج، فخضرا كما في "السيرة"، ردت: "شايفاه يا أبو اسماعين"، والتراجع هنا مرده أن يكون التحوير هو ما وصل "آمال"، وأعني به تمصير هذا الرد، عندما يقول الحبيب لحبيبته: "شايفة القمر يا فلانة"، فترد عليه: "شايف النيل يا منيل"، إيذانا بأن زمن الرومانسية قد ولى. إنها تريد ألا يشغلها بالشاعرية عن الموضوع، فمتى سيأتي ليطلب يدها رسميا؟ وكيف سيعد بيت الزوجية؟ وما هي خطته لإقناع أمه بها؟!.

التراجع ليس سببه تذكري لأن التمصير انتقل بالرد ليكون تهكما وازدراء لصاحب مقولة: "شايفة القمر يا آمال"، ولكن لأنه سيقلب علينا المواجع، بعد أن ضحى السيسي بحصة مصر التاريخية من نهر النيل، وإذا استمر في السلطة حتى الانتهاء من بناء سد النهضة، فإن مأثورات كثيرة سوف تسقط في الممارسة، ليس فقط الرد "الجاف": "شايفة النيل يا منيل"، ولكن ستسقط مقولات أخرى مثل "مصر هبة النيل"، وهي التي صدعوا بها رؤوسنا في كل مراحل التعليم، وما تم الرد به على صاحبها من أن "مصر هبة المصريين" في قول، "وهبة النيل والمصريين" في قول آخر. 

مقولة "مصر هبة النيل"، صاغها المؤرخ الإغريقي "هيرودودت"، الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، ولأن الرجل حمل لقب "أبو التاريخ"، فقد كانت مقولته مقررة علينا في مادة التاريخ في كل عام تقريبا، وكذلك الرد السابق عليه، وقد آن الأوان لنختبر صحة هذا الرد، لنعرف هل مصر فعلا هبة المصريين، كما قال المؤرخ المصري "محمد شفيق غبريال" ردا عليه، بعد أن يجف النيل بعد توقيع عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ لسد النهضة، الذي يعترف بشرعية السد ولا يتفق على ضمان وصول المياه إلى مصر، ليس بحصتها التاريخية، فهو لم يتفق حتى ولو على ضمان وصول زجاجة مياه من هناك!

"النيلة"، في مقولة "شايف النيل يا منيل"، سنتعرف عليها حتما، عندما يتم الانتهاء من بناء سد النهضة، ولا يوجد مانع من الاستمرار في بنائه الآن. و"النيلة" وهي مفردة سب لا يفهم كثيرون معناها، فهي مشتقة مما عرفه المصريون من اختلاط ماء النيل بالأرض، وما يخلفه الفيضان السنوي، قبل بناء السد العالي!

لقد رأيت من الأسلم أن استخدم أحد المقولات ذائعة الصيت في الدراما المصرية، هي "امسحي دموعك يا آمال"، والمذكورة هي "آمال قرامي" أستاذة علم الاجتماع، وضواحيه، بجامعة منوبة، وهي جامعة تونسية عريقة، تستمد عراقتها عندي، من أن كل من أعرفهم من التونسيين إما أنهم تخرجوا في جامعة منوبة، وإما أنهم يقومون بالتدريس فيها. فقط مذيعة قناة "الجزيرة"، صابرين الحاج فرج، هي من تخرجت في معهد الصحافة وعلوم الأخبار.

"آمال" تلقت دعوة من مكتبة الإسكندرية؛ لتحاضر في مؤتمر عن الإرهاب، وهي مؤسسة حكومية تابعة للسلطة التي تعين رئيسها، الذي عينه مبارك، ورضيت عنه سوزان، واستمر في عهد ما بعد الثورة وما بعد الانقلاب، دأب كل المسؤولين الذين عينهم مبارك وارتبطوا بعلاقة بالمجلس العسكري، ومعنى هذا أن الرجل على علاقة جيدة بالسلطة القائمة، ولهذا هو مستمر في موقعه لم يؤثر فيه أن عثر البنك المركزي على حساب سري باسم المكتبة، في أحد البنوك، من لها حق التوقيع للتصرف فيه هي "سوزان مبارك" حرم المخلوع، وكان مدير المكتبة يعلم ولم يبلغ بعد الثورة!

ولكي تلبي "آمال" الدعوة، فإن هذا يلزمه أن تذهب للسفارة المصرية لتحصل على تأشيرة، ومن المؤكد أن السفارة تعرفها، وتتابع كتاباتها في الصحف، فهي نجمة من نجوم ما بعد الثورة، وهذا مما سهل من عملية منحها التأشيرة، كما سهل من المهمة أنها تحمل دعوة من مؤسسة رسمية، فلم يكن طلبها للتأشيرة مرتبط بأنها تريد زيارة القاهرة سائحة!

في مطار القاهرة، حدث ما لم تتوقعه "آمال قرامي" فقد جرى إيقافها، وظنت أن عملية الإيقاف ربما لتشابه اسمها مع اسم الناشطة السياسية "ماهينور المصري"، وربما اعتقدت أنها لحظات انتظار لا تعكر الصفو، بعدها يتم الاعتذار لها، وتدخل مصر على الرحب والسعة، ولما لا؟.. ومن يحكم مصر هو "السيسي"، ومن يحكم تونس هو "السبسي"، وهي مؤيدة لهما، نكاية في الإسلاميين!

لكن حدث ما لم تتوقعه، لقد جرى احتجازها ليلة كاملة، وُصفت خلالها كما تقول بـ"المحجوزة"، وقد باءت محاولات إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية بالفشل، وهو يحاول التوسط لها، ليُسمح لها بالدخول والمشاركة في مؤتمر الإرهاب، الذي يعقد تماشيا مع روح المرحلة التي دشنها السيسي، الذي يقدم نفسه للمجتمع الدولي بوظيفة وحيدة، وهي أنه يناهض الإرهاب!

السبب الأمني في منع المذكورة، أنها تمثل خطرا على الأمن القومي المصري، وهذا رغم أنها مؤيدة للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر، وكانت من الذين سعوا لتقليد ما جرى وتطبيقه في تونس، فأطلقوا جبهة "الإنقاذ" وحركة "تمرد"، وربما فكروا في إطلاق أسماء "توفيق عكاشة، ولميس الحديدي، و أحمد موسى"، على الإعلاميين التونسيين، وهم يخططون للثورة المضادة، فاتهم أنهم حتى لو أسسوا حزب "الوفد الجديد" في تونس برئاسة السيد بن البدوي شحاتة، فلن ينالوا بغيتهم، فكل هذا لم يكن في مصر أكثر من غطاء لانقلاب الجيش، ولهذا لم تنجح الثورة المضادة في "الخضراء" ونجحت في "المحروسة"!

"آمال قرامي" مؤيدة لما جرى في مصر، حتى بعد أن علم الجنين في بطن أمه أنها ثورة مضادة وانقلاب عسكري، ولها نص تستنكر فيه تصريحات لزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، بأنه لن يستقبل عبد الفتاح السيسي إذا زار تونس، ومع أن كل إنسان من حقه أن ينام على الجنب الذي يستريح له، وأن يتخذ من المواقف ما يتفق مع قناعاته، فإن صاحبتنا استنكرت ذلك، في مقال لا تعرف له "وجها" من "ظهر"، وبعبارات هائمة، تشبه خطابات السيسي، فالطيور على أشكالها تقع، ومع ذلك يقولون إنها تكتب مقالا أسبوعيا في صحيفة "الشروق" التونسية، ولا بأس فمجدي الجلاد من كتاب المقالات في مصر!

سألت عن "آمال" فقيل لي إنها يسارية، ولم أكن بحاجة إلى المزيد من المعلومات، فقديما كنت أتصور أن اليسار المصري هو أزمة الحياة السياسية، وهو الذي قرر أن يبيع بالرخيص في عهد مبارك، ومن لم يجد له مكانا في عهده باع الثورة، وشارك في القضاء على التحول الديمقراطي والانحياز لحكم العسكر وللثورة المضادة بحثا عن مكانة، قبل أن أطلع على الحالة التونسية، فاليسار الفاشل هناك، فعل ما فعله زميله المصري تماما؛ لأنه وجد أن الديمقراطية ستحمل خصومهم للسلطة. 

وبعد ذلك تابعت موقف اليسار التركي، الممول من آيات الله في طهران، وهو ليس فقط منحازا لإيران التي تمثل "الحكم الديني" المرفوض يساريا، ولكن في تمني قطع المسار الديمقراطي بانقلاب عسكري. عندئذ أيقنت أن الحالة اليسارية المستعصية شأن يتجاوز الحدود المصرية!

لو أن ضابطا في مطار القاهرة، كتب على "جوجل"، "آمال قرامي" لطلب من قياداته أن تخاطب "عبد الفتاح السيسي"؛ لأنه عثر له على من يمكن أن تسانده في مهمة تجديد الخطاب الديني، ونشر الإسلام الوسطي، وهى التي أزرفت الدمع الهتون، لأن تونس لم تعد -من وجهة نظرها- نموذجا يحتذى فيما يتعلق بحقوق المرأة، ودليلها على هذا هو ارتداء المرأة للحجاب وبما أسمته "العودة للشريعة"!

بيد أن قدر "آمال" أن ترى بنفسها كيف أن حكم العسكر كالدبة، التي قتلت صاحبها، وهو يحكم بالأجهزة الأمنية، وهذه الأجهزة رأت أنها خطر على الأمن القومي، فلم تشفع لها آراؤها المتماهية مع آراء قائد الانقلاب، ولم يشفع لها عداؤها للإسلاميين، ولم تشفع لها الدعوة التي تحملها، أو التأشيرة المطبوعة على جواز سفرها، أو واسطة مدير مكتبة الإسكندرية بكل قيمته لدى السلطة، وقد فاتها أنه عندما يحكم العسكر فإنه لا كرامة لأحد، فهي رغم كونها أستاذة جامعية، إلا أنه جرى اختزالها في ليلة كاملة في وصف "المحجوزة"، ومن قبل اعتقل حكم العسكر مسيحية على أنها من الإخوان، وسجنوا أعمى بتهمة قنص الضباط!

ولها أن تحمد الله، فقد كان يمكن أن يتم اعتقالها، بتهمة أنها إخوانية، أو خلايا إخوانية نائمة، وقد يتم إلحاقها بقضية قطع طريق قليوب، مع أنها لا تعرف أين تقع قليوب على الخريطة، وهل يعرف الموتى المتهمون من حركة حماس بالقضايا التي تم إدانتهم فيها رغم أنهم موتى؟!

هو حكم العسكر، الذي ستغفر له "آمال" حتما، فقد غفر له "الرفاق" في مصر، وهو من استباح أعراضهم في سجونه، حسبهم أن حكم عبد الناصر يواجه القوى الاستعمارية، وكأن مواجهة هذه القوى لا تمر إلا على كرامتهم هم.

ستفكر "آمال" وستجد أن السيسي ليس هو عبد الناصر، فهو مندوب الاستعمار، ولعلها ستغفر له، فيكفي أنه واجه الإخوان، وستنسى ليلة حجزها، عندما هبط قدرها ولم تعد سوى "المحجوزة آمال"، وربما سقطت دموعها في هذه الليلة، لكن من المؤكد أنها ستمسح دموعها وتتمنى أن يكون انقلابا عسكريا قد وقع في تونس ليطارد النهضة، ولا يشركها معه في الحكم، ويدفع بقياداتها للسجون، ويصادر أموالهم، ويحاربهم دار دار.. زنقة زنقة!

امسحي دموعك يا آمال، وتفرغي لمشروعك الوطني الكبير، في رفض الديمقراطية، وإرادة الجماهير، واحلمي بانقلاب عسكري في تونس، يشل حركة البروليتاريا "الرثة" التي تنتخب الخصوم ولا تنتخبكم!
التعليقات (7)
حبيب الكل
الجمعة، 08-01-2016 10:38 م
للأسف حتى من نحبهم لن تجمعنا معهم بعد اليوم صله يوثق بها في ظل حكم الزباله العسكر بمصر سنحاول نسيانهم
nabil al fayoumy
الجمعة، 08-01-2016 07:39 م
الله عليك يا استاذ سليم ربنا يبارك فيك ويكرمك وينصرك
هانى المعلم
الجمعة، 08-01-2016 06:36 م
امال دى قالت بعد ما حدث لها و اذا المحجوزة سئلت بأى ذنب حجزت و انا من هذا المكان ارد عليها قولا واحدا من أعان ظالما ذل على يديه
محمد الرحموني
الجمعة، 08-01-2016 05:02 م
المقال متميز ولكنه احتوى معلومات خاطئة فآمال القرامي ليست أستاذة علو اجتماع وإنما أستاذة حضارة إسلامية بقسم العربية كما أنها ليست يسارية
جويدة
الجمعة، 08-01-2016 02:40 م
الحقيقة ان المشكلة ليست فى اليسار كفكرة ولكنها دائما فى الاشخاص وبكل اسف لقد اساءةا كثيرا جدا بالفكرة وجعلوها مقترنة بالديكتاتوريات. واصبحوا مع الوقت يخشون الديموقراطية وكل توابعها..

خبر عاجل