كتاب عربي 21

ليست القمامة صالحة للنشر

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
يروى عن صاحب دار الصياد الصحفي اللبناني الكبير الراحل سعيد فريحة، أنه قابل ذات مرة خريجا جامعيا متقدما للعمل في إحدى مطبوعاته بوظيفة محرر، فسأله بأي وسيلة سيكتب لو تم قبوله للوظيفة، استعجل الطالب الجواب التقليدي: "بالقلم طبعا.. سأكتب بالقلم"، فأخبره فريحة أنه يبحث عن محرر يكتب بالمقص فلديه الكثير من الأخبار والبيانات والمرسَلات والقصص، وهو يبحث عمن يجيد اختصار واختيار الأنسب منها، انطلاقا من حاجة القارئ لمثلث أهداف رسالة الصحافة "الإخبار والتوعية والتنمية". 

يدرك الراسخون في مهنة الإعلام تضاعُف أهمية حيازة "مقص فريحة" في الوقت الراهن، بوجود تراكمات لحظية فلكية من المواد السابحة في غيوم الإنترنت المفتوح، التي تنتشر دون ترتيبٍ تصنيفي عادل على سلم يتراوح من فئة المعرفة الواعية، ثم هبوطا بالتدرج وصولا إلى مستوى المعرفة الباعثة على تدمير المجتمعات. 

هذا الدرك الأخير لم يشغر في تاريخ الإعلام بلبنان، فقُيض له على الدوام من يشيد مقامه ويرفع لواءه بشرف الانحدار إلى الكعب، إلى مُربّع تتكسر فيه الأقلام وتثلم المقصات لتحضر المكانس والملاقط فقط، يغرف بها سدنة المِكَب مما رمته جميع ألوان الرقابة الذاتية البشرية من نفايات المواضيع التي تُعالَجُ عادة بالطّمر، فينبشونها ويتكوّمون معها في بؤرة تتماهى فيها نفوسهم مع وساوس واختبارات صنعوها علّها تصنعهم، فأخذت منهم وأخذوا منها حتى تفرّدوا مع نتاجهم في عروض إعلامية لا تحمل إلا الضرر الخام.

وفي مجتمعات شرقية وإسلامية خصوصا، لا شيء يلفت الانتباه مثل مسبة الله تعالى والرسل الكرام والكتب المقدسة، بل تتحول الشتائم هذه إلى قنابل صوتية لها وظيفة واحدة، هي استدراج العاطفيين الموتورين إلى أعمال تخل بالسلم الأهلي، القيمة الثابتة في ميثاق الشرف الإعلامي.

أما في لبنان القابض على جمر الخوف من تمدد استثمارات الإرهاب إليه، والرابض على كف عفريت الطائفية منذ أكثر من نصف قرن، فتتضاعف مسؤولية المنصات الإعلامية عند اختيار المواضيع والمتحدثين، خصوصا أن أرشيف الأخبار حافل بأعمال عنف دموي وقعت على خلفيات إساءات لمقدسات دينية.

ليس المطلوب من وسائل الإعلام المعنية أن تُعمي عيونها وتكم أفواهها وتصم آذانها عما يجري في هذا العالم. لكن المطلوب منها أن تخرج من البرميل، فليست القمامة صالحة للنشر. 
التعليقات (0)