كتاب عربي 21

العرب يستثيرون تخاريف الغضب

1300x600
ومبعث الضيق والغضب، هو الحال الذي عليه العرب، حال يغني عن السؤال، بسبب الرزايا التي عليهم تنهال، وهذا ما جنوه على أنفسهم، بقعودهم وتقاعسهم وبداية الفصل الأخير من مسيرة بئس المصير كانت في العراق، حين جرى الدم المهراق بمحاذاة دجلة والفرات، وكان مصير من أفلتوا من الموت النزوح والشتات. ففي عام ثلاثة بعد الألفين، هبط الغزو الأمريكي ببلاد الرافدين إلى أسفل سافلين، عندما تحركت البوارج والراجمات، ومارست لعبة "خذ وهات" بالصواريخ والقنابل، وأعادت العراق إلى عصر ما قبل حضارة بابل، ثم آلت مقاليد الأمور إلى ورثة مسرور، سياف هارون الرشيد، المختص بقطع الأعناق من الوريد إلى الوريد.

وتخلصت ليبيا من حكم الطاغية معمر، ليتناهشها أهل مصراتة والزنتان وحفتر، وتخلص اليمن من الشاويش صالح، ودخل عصر التسلط الطالح، وفي سوريا جاء الدور على درعا، ليسقط المئات فيها صرعى.

حال لخصه سوط من لا صوت له شعرا، أعني أحمد مطر: فهمت الآن يا ولدي لماذا قلت لا تكبر/ فمصرُ لم تعد مصرا/ وتونس لم تعد خضرا/ وبغدادٌ هي الأخرى/ تذوق خيانة العسكر/ وإن تسأل عن الأقصى/ فإن جراحهم أقسى/ بني صهيون تقتلهم/ ومصرٌ تغلق المعبر/ وحتى الشام يا ولدي/ تموت بحسرةٍ أكبر/ هنالك لو ترى حلبا/ فحق الطفل قد سُلِبا/ وعِرض فتاة يُغتصبا/ ونصف الشعب في المهجر..

صغيري إنني أرجوك لا تكبر/ فأُمتنا مُمزّقةٌ/ وأمتنا مقسّمةٌ/ وكل دقيقةً تخسر/ وحول الجيد مشنقةٌ/ وفي أحشائها خنجر.

أنصحكم يا نسل عدنان وقحطان، من أكبر شارب إلى رزان، أن تولوا وجوهكم شطر البيت الأبيض، ومؤخراتكم صوب تل أبيب على البحر الأبيض، كي ذاك يصفعكم بأسوأ النعوت، وهذا "يعطيكم الشلوت بالبوت"، فذاك فيما يقال، يجعل حالنا عال العال، فأنتم أصحاب مقولة إن ضرب الحبيب، أحلى وألذ طعما من الزبيب، فاحرصوا على تجنب مصير صدام، والاتهام باعتناق الفكر الهدّام، وبلاش التوسل والبكش المستتر، الذي نمارسه منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.

يعني عانقوا واشنطن بالمكشوف، وبوسوا بني صهيون "بدون كسوف"، فمن سبق لبق، والمتقاعس أحمق ونزق، وغنوا لترامب الجهلول: بابا أوبح، ولنتنياهو: السح الدح، وما إلى ذلك من ملاحم شعرية، نسجناها كما تنسج الشعيرية، لتُعبر عن حالنا خلال نصف القرن المنصرم، حيث كنا نتلقى الصفعات بالصِّرم، واحذر أشعار أحمد مطر ودرويش، وكل ما يذكرك ببيت لحم والعريش، وبلاش المطبق والهريس والكبسة، فهي مجاز من قبيل تسمية الهزيمة "نكسة"، فهذا ما يقوله قاموس ويبستر السياسي الذي يضع العرب في مرتبة دون الكلبة "لاسي"، واحذروا الفول وكافة صنوف البقول، لأنهم يعتبرونها طعاماً للخيل والعجول، ويعتبرون من يتعاطاها فئران تجارب، يستحق السحق والسحل ضربة لازب.

لا بديل للحاق بركب الحضارة، ليس بالفهلوة والشطارة، ولكن بالممارسة والتقليد، واستبدال كل ما هو طارف بكل ما هو جديد، فاجعلوا الرقص مادة إجبارية، من الروضة إلى الثانوية، وأحيلوا الجامعة العربية إلى التقاعد، وسلموا مهامها لحسناء كاعب ناهد، واقبلوا بتحويل فلسطين إلى صالات روليت وملاعب إسكواش، يتبارى فيها اليهود والأمريكان بالفيش والكاش. وعلى كلٍ فصفقة القرن، باتت جاهزة في الفرن.

لدينا بلدان وجودها مثل عدمها، وما فيها شيء أن يشرب الأمريكان من دمها، ويتم تأجيرها بكامل الفرش، بواقع الكيلومتر المكعب بقرش، لتتحول إلى قواعد عسكرية أو ديسكو، لا مجال فيها لخصوصية ثقافية أو يونسكو، فهذا زمان تحول فيه عمرو دياب، إلى نظير وند للجنرال الفيتنامي جياب، وأصبحت شعبية كاظم الساهر أضعاف ما كان يحلم به عبد الناصر، وصارت فيفي عبده الهرم الرابع، والشاب المزمن خالد أشهر من لويس السابع، أما المفكرون والكتاب والشعراء، فأمتنا منهم براء، وتتعامل السلطات مع كلماتهم وكأنها ألغام، وتعاملهم بأسوأ من الأنعام.

هذا زمان يستأسد فيه السوقة والسفلة، بعد أن دهمتنا سحائب الخنوع والغفلة، وأصحاب العقول مقموعون، والجاهل الغرّ فرعون. هذا زمان السكس والساكسفون، والعهر المقنن عبر التلفزيون، والنجومية للمخنث ونصف العاهر، والتربية الوطنية "علكة" في فم فاجر، أفل نجم العلماء وسطع نجم "العوالم"، واستحالت الأوطان إلى أسلاب وغنائم.

تعظيم سلام لترامب وتيريزا ماي، وقولوا لكرامتكم باي باي، فقادة الغرب قوم ملء السمع والبصر، تحت إمرتهم حشود من عسكر التتر، كلامهم "ماشي" على أكبر راس، من جزر القمر إلى فاس، ويخشاهم العنتري ابن عباس؛ لأنه رضع الخوف وفُطم بالوسواس، ولا يأمن الشيوعيين أو جماعة حماس.

وإذا كان أرباب بيوتنا ضاربين للدفوف، فلا تثريب علينا، لو أطلنا في انتظار اللوتري الوقوف.