قضايا وآراء

الذكرى الخامسة لمذبحة رابعة.. وماذا بعد؟

1300x600
آثرتُ الابتعاد مجددا عن الذكرى الخامسة لمجزرة رابعة العدوية (14 من آب/ أغسطس 2013م) ليمكنني محاولة لملمة أطراف الحدث من جوانبها، وأذكر أن فعلت الأمر من قبل في العام قبل الماضي، فتركتُ ذكرى مذبحة "رابعة العدوية" تمر ثم كتبتُ.

هذا العام تظهر الحقائق وتبدو بصورة أكثر سفورا ووضوحا، بل استفزازا، ويبقى الانقسام دليلا وهاديا وقائدا للمسيرة، إلا أن يشاء الله تعالى أمرا. وليس الانقسام الذي يعنيه كاتب هذه الكلمات بخاص بمعسكرين: مؤيدي الشرعية ومؤيدي الانقلاب كما يُفترض؛ مع الاعتراف بظهور طارئ حتى على المعسكرين.

بوضوح، استقر خلال الذكرى الخامسة لمذبحة رابعة انقسام داخل الانقسام، ومعسكران داخل كل معسكر، وهو ما يستوجب أخذ المزيد من الحذر ودق المزيد من أجراس الخطر لعل الجمع الأقرب إلى الحق والشرف (من معارضي الانقلاب العسكري)، يتنبهون، وإن كان ذلك في حسباننا صعبا الآن، لكن الأمر ضروري في نطاق الرسالة التي نتمنى أن تصل لمن يهمه الأمر.

لما شاهدت جزءا من الاحتفال الأبرز بذكرى رابعة في "إسطنبول"، وهو الاحتفال الذي كان يُحشد له الجمع سابقا ولا يتأخر أحد عنه، ولما أبصرتُ فتور الهمم عن الذهاب إليه، أدركتُ بصورة جلية واضحة أن المدينة التاريخية اختصرت الانشقاق الشديد داخل الصف الإخواني؛ وحرص المُمسكين بمقود ودفة السفينة على البقاء في المقدمة، وإن تراجعت المسيرة كلها إلى أرجاء لم تكن تخطر على قلب أشد القوم تشاؤما.

باختصار، صار لدينا داخل معسكر الإخوان ومَنْ خرجوا معهم من مصر اعتراضا على سفك الدماء والمبالغة فيه.. صار لدينا معسكران: أولئك المتمسكون بما يسمونه النصر المنشود، وإن لم تقم عليه حجة ولم يوجد عليه دليل سوى الأحلام.. ورفع الرايات الرافضة لأي حل مع إملاء حل وحيد لعله يتمثل في المبادرة التي صدرت قبل الاحتفال بيوم (13 من آب/ أغسطس الماضي) وقرأها الأمين العام للجماعة في كلمته بالاحتفال.

وأمام المعسكر الأول المحتفل الحريص على اللقطة السنوية وإنزال آيات الذكر الحكيم على موقفهم اليوم من قرب النصر، تنامي معسكر أدرك بوضوح أن الذين قادوه إلى المهالك لا حل أمامهم ولا رؤية ولا استراتيجية أو حتى مجرد خبرة أو حتى تجربة سياسية في مثل هذه المصائب أو أقل.. وإنما الأمور تسير خبط عشواء؛ منذ حدثت المأساة ومنذ مقدماتها إلى النتائج واستمرارها لخمس سنوات. ويكفي أن القوم يجتمعون فيحتفلون وينزلون آيات الذكر الحكيم الخاصة باستخلاف الأرض والنصر فيها على أنفسهم، رغم انعدام عملهم وفكرهم واستمرار ذلك.

أما أسباب الاحتفال الإخواني من الطرف الأول، فإنما هي افتقاد وجود الأسباب.. والقوم يجتمعون لإثبات أنهم موجودون.. ونكاية في عدوهم لا أكثر، واستثمارا لبعد الهوة والمسافة بين الدبلوماسيتين التركية والمصرية.. مع عدم الاتعاظ بعام مرت الذكرى فيه مرور الكرام لتقارب السياستين أو مجرد الأمل في ذلك.

إذن، فماذا عن آلاف الشهداء والمصابين والمطاردين والمُشتتين في الأرض؟

باختصار لهم الله تعالى..

القوم خاضوا معركة هم غير مؤهلين ولا قادرين ولا مجرد مستوعبين أو فاهمين لها أو لأبعادها، وراهنوا على نصر الله لهم، ثم الانشقاق الدولي وعدم قبوله الانقلاب الذي تطور مع الوقت فصار نظاما بامتياز.. والقوم في النهاية حريصون على أخذ صورة لنضالهم المفترض، وإلا فأين ظله وصداه أو حتى ما شابه على أرض الواقع؟!

أما أتباع قائد الانقلاب الذي تطور فصار نظاما، فإن فيهم المئات ممن يفيقون ويعودون إلى رشدهم.. ولكن ليس بأيديهم حل أو فك ما عقدوه من تفويض وخروج للتظاهر ثم صمت عن خطايا النظام المصري.

إننا في النهاية ننتظر حلا إلهيا قد يطول أمده وتمر سنوات طوال قبل أن يأتي إلى أرض الواقع. ننتظر حلا إلهيا يدفع بالفريقين المناصرين للشرعية للتوحد حول عمل يعلي رايتهم، بعد أن يتم تنقيح صفهم، ويصلهم بأولئك المتخلفين عن ركب الظلم والطغيان الذي تسبب "السيسي" فيه بحبه لشهوة الملك والسلطة!