كتاب عربي 21

لا تنصروا حماس!

1300x600
تتعرض حركة حماس بين فترة وأخرى لانتقادات حادّة، من جهات متعددة، جرّاء بعض التصريحات والتعبيرات التي تبديها حركة حماس تجاه إيران وعلاقتها بها. وهذه الجهات لا تنتظمها دوافع واحدة، فهي ممتدة من أقصى كارهي الحركة والمختلفين جذريّا معها، إلى بعض من ينطلق من دوافع العتب والمحبة، وما بين هؤلاء وهؤلاء آخرون لهم دوافع أخرى، ولا شك أن الأكثر اقترابا من الحركة هم الأولى بالاهتمام والعناية والمناقشة.

كانت آخر تلك التصريحات التي عرّضت الحركة لشيء من ذلك النقد؛ إدانتها للعملية التي استهدفت القوات الإيرانية في الأهواز، وتعزيتها بضحايا ذلك الهجوم. ومع أن بعض ما يُوجّه لحماس من نقد يفتقر للمصداقية بغضّه الطرف عن السلوك ذاته في حال صدوره عن جهات أخرى، بل وحتى تبريره في بعض الأحيان، فإنّ مناقشة المسألة جوهريّا وبعيدا عن السجال ضرورية.

ثمّة مقدمة ضرورية لا بد من البناء عليها، أو اتخاذها أساسا لفهم سلوك حماس، وهي أن إيران هي الجهة الوحيدة التي تدعم حماس اليوم بالمال والسلاح، وهذا الدعم بأي من شقيه لا يأتي الحركة الآن من غير إيران، لا من دول أخرى، ولا من قوى شعبية وحزبية، ولا من قدرات الحركة الذاتية، والتي تقاسي حصارا لا يقتصر على وضعها في قطاع غزّة، وإنما يتطاول ليشمل كلّ أماكن عملها ووجودها. وبالرغم من الخلاف الحادّ الذي حكم علاقات حماس بإيران من بعد الثورة السورية، إلا أن إيران، وعلى خلاف كثير من الدول العربية، لم تقطع علاقتها بحماس، وأبقت على قدر من الدعم ولو كان ضئيلا وتخصصيّا في حينه.

بعد تلك المقدمة، ينبغي القول إن حماس لا تقاتل إلى جانب إيران في أيّ من ساحاتها العربية، وهي بالضرورة تختلف معها في سياساتها تلك بدليل الفجوة التي اتسعت بين الطرفين من بعد الثورة السورية. وبناء على ذلك، يظلّ السؤال الذي ينبغي طرحه على منتقدي حماس المخصوصين بهذه المناقشة: ما هي الفائدة المرجوّة للأمّة من انتحار حماس، والدفع نحو تصفية القضية الفلسطينية، أو في الحدّ الأدنى من زيادة فقر الحركة وضعف مساحات اشتغالها، طالما أنّ أقصى ما يُنتقد على حماس وجود علاقة لها بإيران، أو بعض المواقف والتصريحات التي قد تتخذ غطاء دعائيّا لإيران لا أكثر؟!

من نافلة القول، إنّ حماس هي القوّة الفلسطينية الوحيدة الوازنة التي تعاند اليوم مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وإنّ ترويض الحركة بحصارها وإفقارها، أو كسرها بالحرب عليها، من متطلبات المشروع التصفوي الآن، وحماس - وهي حركة فلسطينية محدودة القدرات - وتحتاج إلى أيّ قدر من الدعم لتعزيز صمودها، لا تملك من الطاقة ما يؤهلها للانخراط في القضايا الإقليمية.

وطالما أن المسألة مسألة توازنات في ظل موازين قوى فاحشة الاختلال، فليس أمام الحركة من سبيل سوى تكريس انشغالها على الثغر المستأمنة عليه، أي فلسطين، ومن كان يملك طاقات وإمكانات للإحاطة الفعلية والعملية بقضايا الأمّة كلها؛ فليتفضل ولا يطالب حماس بما هو أعجز عنه، إذ المزايدات الكلامية واللفظية لا تغني المحتاجين شيئا، والإحاطة بقضايا الأمة لا تعني أبدا مطالبة القائم على ثغره بتدمير ذاته لأغراض غير مفيدة عمليّا!

ومن نافلة القول وحماس على هذا الثغر، بهذه القدرات، لا يمكنها أن ترى عدوّا مقدّما في العداء سوى الاحتلال الإسرائيلي، الذي تكابد هي وشعبها وجوده وعدوانه، وهذه من البدهيات الإنسانية، التي ينبغي ألا تحتاج إلى مزيد بيان، فإنْ رأى البعض أن إيران تستوجب مكانة من العداء تليق بأدوارها المتعددة في غير مكان من بلاد العرب، فهذا أمر تحكمه موازين القوى، ومن هو أقوى من حماس إمّا أنه ما يزال يحتفظ بعلاقات سياسية واقتصادية مع إيران، بل علاقات تنسيق ترقى في بعض أحوالها إلى التحالف، أو هو متخاذل في الحقيقة، ويعادي حماس أكثر مما يعادي إيران.

ولو قلنا إنّ بعض تلك الدول تدير سياساتها في إطار مشبوه من التبعية والاستبداد، فكيف الأمر بدول أخرى تحظى بقدر من الشعبية وحسن الظن لدى الجماهير العربية ولدى بعض من هؤلاء منتقدي حماس، وهي في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات وثيقة بإيران ولا تقدّم لحماس دولارا واحدا؟!

والحديث عن الدعم، يعني تعزيزا لصمود شعب يقاسي الاحتلال، وعملا على إفشال مخططات تصفوية، ومواجهة لمحاولات التركيع والإخضاع، ولا يعني مصلحة ضيقة لبعض أفراد ينتمون لتنظيم فلسطيني صغير غير مؤثّر. فالواجب في حقّ تلك النخب والشخصيات، أن تفكّر لحماس وتقترح عليها الحلول العملية المبنية على أوضاع الحركة وظروفها الحقيقية ومسؤولياتها، لا المبنية على تصورات متوهّمة لا حظ لها من حقيقة الحال.

فإن كانت هذه الشخصيات عاجزة عن محاولة الفهم والتفكير لصالح حماس، فلتكفّ عمّا تحسنه من نقد تحطيمي، فحماس بحاجة لمن يرحمها بكفّ هذا النوع من النصرة عنها!

لا ينفي ذلك أنّ حماس تتحمل قدرا كبيرا عن سوء الفهم الذي يقابلها بها الكثيرون ممن يفترض أنهم محبون في الأصل أو قريبون، كما أن ممارستها لا تخلو من أخطاء فادحة في مجالات ومسارات متعددة، وذلك كلّه يستوجب نقدا جادّا غايته التصحيح في إطار ظروف الحركة ومسؤوليتها، لكن ذلك أيضا بدوره لا ينفي مسؤولية من يتصدر للحديث في شؤون العامّة عن جهله أو سوء مسلكه أو خطأ تعبيره عن دوره!