صحافة دولية

هل يمكن إعادة إضفاء الشرعية على بشار الأسد؟

أشار الكاتب إلى أن جميع المعطيات تشير إلى أن نهاية الحرب لن تجلب بالضرورة السلام لسوريا والسوريين- جيتي

نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية مقال رأي للكاتب إيغناسيو أسوريو ألفاريث، بين فيه أن مرور الجرائم المرتكبة في سوريا دون عقاب، يحمل بين طياته رسالة خاطئة إلى بقية الزعماء العرب، مفادها أن استخدام العنف ضد مواطنيهم لا يعرضهم للمحاسبة، بل مبرر للبقاء في السلطة.

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، الذي فسرته دمشق على أنه اعتراف ضمني من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفوزها العسكري، يعد من أهم الأخبار التي تصدرت عناوين وسائل الإعلام مؤخرا.

وذكر الكاتب، أن أكثر ما يدعم صحة هذه الفرضية فتح كل من الإمارات والبحرين سفارتيهما من جديد في دمشق، واستئناف الأردن تجارته مع سوريا عبر معبر نصيب.

 

كما أعادت تونس الرحلات الجوية المباشرة إلى سوريا، واستقبلت مصر رئيس مكتب المخابرات السوري علي مملوك، بينما زار الرئيس السوداني عمر البشير سوريا ليصبح أول رئيس عربي يقوم بذلك منذ اندلاع الحرب سنة 2011.

وبيّن الكاتب أن كل هذه الأحداث اقترنت بنقاش حاد حول ما إذا كان الوقت قد حان لجامعة الدول العربية لتعيد إلى سوريا عضويتها، بعد أن أُقصيت على خلفية القمع الوحشي للمظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاحات والحريات.

 

ويحظى هذا الخيار بدعم متزايد من قبل عدة دول، من بينها لبنان والعراق ومصر والسودان والجزائر.

وكالعادة، ستكون الكلمة الأخيرة في هذه المسألة للسعودية، القوة العربية الرئيسية التي على الرغم من تجاوزات ولي عهدها في اليمن وقطر وقضية خاشقجي، مازالت متماسكة بفضل الثروة النفطية.

 

وعلى الأرجح، يتطلب اتخاذ قرار بهذه الأهمية نيل الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، حيث لم يراهن أوباما ولا ترامب على سقوط الأسد خوفا من الفراغ السياسي الذي ستغتنمه الجماعات المتطرفة.

وأضاف الكاتب أنه على الرغم من أن الحرب لم تنته بعد، إلا أنه لا شك في أن نظام الأسد قد فرض نفسه على خصومه بفضل المساعدة الحاسمة التي تلقاها من روسيا وإيران، اللتين لم تترددا في التدخل عسكريا لحماية حليفهما الاستراتيجي، ليتمكن بهذه الطريقة من تعزيز وجوده في الشرق الأوسط.

 

في المقابل، لا يزال هناك الكثير من القضايا العالقة، وعلى رأسها مستقبل محافظة إدلب التي يقطنها حوالي 2،5 مليون شخص، والتي تخضع حاليا لسيطرة تحالف جهادي بقيادة جبهة النصرة سابقا.

وأورد الكاتب أن تركيا تخلت عن مطالبة الأسد بالتركيز على قتال الميليشيات الكردية، التي تنوي شن هجوم عليها لإبعادها عن حدودها.

 

اقرأ أيضا : هل تتحول المعارضة السورية إلى حزب سياسي أم تبقى مسلحة؟

 

ومن الضروري تحديد درجة الحكم الذاتي الذي ستتمتع به منطقة كردستان السورية، وهي المسألة التي تزعج أردوغان الذي أعرب عن استعداده لإعادة إضفاء شرعية على الأسد إذا تعهد بنزع سلاح وحدات حماية الشعب.

وحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، فإن ما لا يقل عن 27 بالمئة من المنازل السورية قد تعرضت لأضرار جزئية أو كلية خلال الحرب، ومن المتوقع أن ترتفع فاتورة إعادة الإعمار إلى حوالي 300 مليار يورو على الأقل.

 

ولكن لا تملك روسيا وإيران موارد كافية لتمويل عملية إعادة الإعمار، كما يبدو أنه من غير المرجح أن يكون الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج على استعداد لتوفير الأموال بينما لا يزال الدكتاتور في السلطة.

ونوه الكاتب بأنه يمكن أن تتأخر عملية إعادة الإعمار لعقود، الأمر الذي من شأنه أن يعرقل عودة ستة ملايين لاجئ الموزعين على البلدان المجاورة، وبدرجة أقل في أوروبا، إلى بلدهم.

 

وفي حين ترى روسيا أنه بإمكان حوالي 1.5 مليون لاجئ، نصفهم من لبنان، العودة إلى وطنهم على المدى القصير، تعتقد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه لا يمكن سوى لحوالي 250 ألف شخص العودة في سنة 2019 بسبب عقبات النظام السوري.

ومع الضغط المتزايد من جانب البلدان المضيفة، فإن الغالبية الساحقة من اللاجئين تعتقد أن الشروط الأساسية للعودة الآمنة غير متوفرة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن القانون 19 لسنة 2012 لا يضطهد فقط أولئك الذين قاتلوا في صفوف الجماعات المعارضة، بل يجرّم أيضا النشطاء الذين يعارضون النظام بالوسائل السلمية، بمن فيهم أولئك الذين يبثّون صورا للمظاهرات الحاشدة عبر الشبكات الاجتماعية.

وأفاد الكاتب بأن العديد من اللاجئين ليس لديهم مكان يعودون إليه، نظرا لهدم الأحياء الموجودة في المناطق المعارضة التي قامت الحكومة بمصادرتها تطبيقا للقانون 10 لسنة 2018، حيث تقوم بتعديل التكوين الطائفي للبلاد وتوزيع المناطق التي احتلتها على أتباعها، بذريعة إعادة بناء أكثر المناطق تضررا.

 

ومن بين الأرقام التي لا ينبغي إغفالها هو أن أكثر من 40 ألف سوري قد شاهدوا كيفية حجز وزارة المالية على أصولهم في سنة 2017 بتهمة التورط في أعمال إرهابية.

وأكد الكاتب أن كل هذه الظروف تجعل العودة الجماعية للاجئين بالكاد ممكنة، خوفا من مواجهة انتقام النظام الذي أرسل تحذيرات بشأن كل أولئك الذين يشككون في قيادة الأسد.

 

وقد كشف آخر استطلاع رأي للاجئين في الأردن أن 57 بالمئة من السوريين لا يريدون العودة إلى سوريا في المستقبل على الرغم من الظروف القاسية التي يواجهونها في المنفى.

 

ويؤكد بقاء الأسد في السلطة والنشاط المحموم لأجهزة المخابرات الموجودة في كل مكان وشعبة الاستخبارات العسكرية أن العودة الآمنة إلى البلاد غير ممكنة.

وفي الختام، أشار الكاتب إلى أن جميع المعطيات تشير إلى أن نهاية الحرب لن تجلب بالضرورة السلام لسوريا والسوريين.

 

في المقابل، من شأن محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت منذ سنة 2011 أن تساعد على شفاء الجرح العميق الذي خلفته الحرب في نفوس السوريين.