مقالات مختارة

العراق.. الولادة المتعسّرة!!

1300x600

لا يختلف الوضع في العراق عن نظيره في لبنان، المحاصصة السياسية والتكتل الطائفي هو العامل الأساسي في اتخاذ القرارات المهمة، الوضع في لبنان قديم، ولكنه بدأ في العراق منذ عام 2003، البلدان شهدا في الأشهر الأخيرة حراكا شعبيا ضد الفساد وحكم زعامات الطائفية، الاحتجاجات في لبنان بدأت في 17 أكتوبر الماضي، وسبقها العراق، والذي بدأ في الأول من الشهر نفسه، التوجه واحد لدى الطبقة الحاكمة في البلدين، في محاولة للصمود في مواجهة الحراك الشعبي، والإبقاء على الأوضاع على حالها.

 

قاوم سعد الحريري فترة من الزمن حتى استقال، وهو نفسه ما حدث مع عادل عبدالمهدي الذي صمد في منصبه لحوالي شهرين، بدعم تحالفات معينة مرتبطة بأجندة من خارج الحدود العراقية، حتى أُجبر على الاستقالة في 29 نوفمبر، التشابه بين الحالتين اللبنانية والعراقية أبعد من ذلك بكثير، فالنخب الحاكمة في البلدين تتعامل مع اختيار رئيس الوزراء على أنه ليس شأنا داخليا، كما هو الحال في كل بلاد الدنيا، في إطار الحوار بين المكونات السياسية، وتنفيذ الآليات الدستورية التي ترسم طريقة اختياره، وموافقة البرلمان، لكنها وللأسف الشديد تسمح بتدخلات إقليمية ودولية، ويصبح الأمر كما لو كان اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، تشارك فيه كل دول العالم، والأمر ظاهر للعيان في الأسابيع الماضية في دولة بحجم العراق، بكل تاريخها وقدراتها وثقلها السياسي والاقتصادي، ولعل أهم من أشار إلى تلك الحقيقة، هو المرجع الشيعي الأعلى في العراق على السيستاني، عندما طالب بضرورة اختيار رئيس الوزراء الجديد ضمن المدة الدستورية، بعيدا عن أي تدخل خارجي.


وعزّز الدستور العراقي من سلطات رئيس الوزراء بعد سقوط نظام صدام حسين، وأصبح هو -وليس رئيس الجمهورية- رئيس السلطة التنفيذية، والقائد العام للقوات المسلحة، ويقبض على كل زمام الأمور في الدولة، وهو بحسب الانقسام التقليدي المعهود من حصة المكون الشيعي منذ العام 2005 وإلى الآن، واستمرت الأمور على حالها منذ ذلك التاريخ، وشهدت الحكومات الست السابقة وجود دور حاسم لإيران في اختيار رئيس الوزراء، مثلما جرى في زمن نوري المالكي مثلا، والوحيد الذي حظي بتوافق إيراني أميركي، هو رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي نجح في التعاون مع واشنطن، ولم يهمل المصالح الإيرانية، وجاءت الاحتجاجات الأخيرة التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 450 قتيلا وأكثر من 17 ألف جريح، لتفرض واقعا جديدا على اسم رئيس الوزراء السابع، وطرحت اشتراطات على الشخص، فلا بد أن يكون مستقلا وغير متحزب، وأن يكون أكاديميا، ولا يكون من الذين اشتركوا بالعملية السياسية كجهة تنفيذية خلال الفترة الماضية، ولا يحمل جنسيتين، إيران والأحزاب الموالية لها في العراق قاومت الطرح الخاص بتشكيل حكومة إنقاذ تتولى مهمات عدة، أبرزها سنّ قانون انتخابات عادل، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة، بعد ذلك يتم حل البرلمان والذهاب باتجاه إجراء انتخابات مبكرة، والكل يستشعر الخوف من نتائج هذه الانتخابات، خاصة في ظل شارع منتفض منذ أقل قليلا من 3 أشهر، والتي لن تكون في صالح كل تلك المكونات السياسية الحالية، التي تُحمّلها الجماهير المنتفضة مسؤولية كل ما جرى.


الأيام الأخيرة كشفت أن الطبقة الحاكمة تتعامل مع اختيار رئيس الوزراء الجديد، كما لو كان «كرة لهب» يتقاذفها الجميع، الخلافات بين المكونات السياسية والمنعكسة على البرلمان، التي تنازلت عن دورها في التسمية، لتدفع بها إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي يصرّ على أنه لن يقبل بطرح مرفوض من الشارع المنتفض، ويلجأ إلى المحكمة الدستورية لتفصل في التحالف الذي يحظى بالأكثرية، فيأتي الحكم «حمّال أوجه»، ويتعرض الرئيس نفسه لحملة شرسة من طهران، واتهامه بالتواطؤ مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتنصيب رئيس وزراء عراقي جديد، مناهض للنفوذ الإيراني في العراق، ويهدد هو بالاستقالة، وتتعقد الأزمة وسط أسماء مرشحة لم يتم حسم أيّ منها..


الأزمة في العراق أكبر من اسم رئيس الوزراء، بل هي في المحاصصة والطائفية السياسية.