مقالات مختارة

ألغام في طريق الحوار!

1300x600

هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد أن نجحت في خلق فكرة المحاصصة والطائفية، وهي دخيلة على التاريخ العراقي، كما أنها قبلت بتقاسم النفوذ مع إيران، حتى وصل الأمر إلى جماعات سياسية شيعية محسوبة على طهران هي من تقود التوجّه إلى إخراج القوات الأميركية.
البداية كانت على لسان مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي، في السابع من أبريل الماضي، عندما دعا إلى إجراء حوار استراتيجي بين البلدين؛ للبحث في مستقبل العلاقات بينهما، من خلال سلسلة اجتماعات بين كبار المسؤولين، لم يكن الأمر تفضّلاً أو خياراً أميركياً، ولكن نتيجة أعمال عديدة مثّلت ضغوطاً على واشنطن، وبالطبع على حكومة العراق للبدء في خطوة كهذه، بعد الإقدام على عملية نوعية استهدفت اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» بالحرس الثوري الإيراني، ومعه مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، والتي كانت نقطة البدء في عمليات استهداف للقواعد والمصالح الأميركية بأكثر من 30 صاروخاً، ناهيك عن محاصرة سفارتها في بغداد. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى طرح فكرة إنهاء الوجود الأميركي بأكمله على مجلس النواب العراقي، الذي أصدر في يناير الماضي قراراً -دون أن يصل الأمر إلى إقرار قانون في ظلّ تحفّظ المكوّن السُّنّي والكردي على الأمر- يستهدف إنهاء وجود تمركز 6000 جندي أميركي في 12 قاعدة منتشرة في مناطق ذات طابع استراتيجي في كل الأراضي العراقية.
الحوار -رغم جلسته الأولى التي انتهت- لن يكون سهلاً أو يسيراً، في ظلّ التركيبة العراقية داخلياً، والتباين الشديد بين مكوّنات العراق السياسية من جهة، ورؤية الطرفين للهدف منه ونتائجه المتوقعة من جهة أخرى. ويكفي للتدليل على ذلك إطلاق صاروخين قبل بدء الحوار مباشرة على المنطقة الخضراء حيث مقرّ السفارة الأميركية، في رسالة للطرفين المتحاورين، من جهات ليست خافية على أحد، وبعضها أبدى تحفّظاً علنياً على نوعية المشاركين في الحوار، رغم أنهم من كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية ومستشاري رئيس الوزراء، ولكن تحالف الفتح دعا -من خلال أحد قياديه- إلى مشاركة أعضاء من لجنة الأمن القومي، وممثّل عن الحشد الشعبي، بل الوصل الأمر من ممثلي «حزب الله» العراقي إلى اتهام المشاركين العراقيين بالتماهي مع المشروع الأميركي في البلد. الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل هناك تباين شديد في المصالح والرؤية بين الوفدين المفاوضين؛ حيث ترى واشنطن في تواجدها في العراق أنه ساحة متقدمة لمواجهة النفوذ الإيراني، وامتداداته داخل العراق وخارجه في الإقليم المحيط، يضاف إلى ذلك استمرار مواجهة «تنظيم الدولة»، في ظل مخاوف من استعادته عافيته وإمكانية عودته بشكل أكثر شراسة، مع عدم تغيّب المصالح الاقتصادية، وضمانات ضخّ النفط العراقي.
وترى الحكومة العراقية نفسها في مأزق حقيقي، وتعيش بين نارين؛ فهي ترى في الحوار فرصة للتوافق على الدور المنتظر من القوات الأميركية، في تعزير ودعم الجانب الأمني وتدريب وتأهيل للقوات العراقية، والاستمرار في التعاون في مواجهة «تنظيم الدولة»، وكذلك الدعم الاقتصادي. يضاف إلى ذلك استبعاد تحوّل العراق إلى ساحة مواجهة بين أميركا وإيران، خاصة أن واشنطن أحياناً كثيرة لا تعطي أي اعتبار للحكومة عند اتخاذ قراراتها، ومدى الحرج الشديد التي تجد نفسها فيه وتداعياته على الداخل العراقي، ومن ذلك قرار اغتيال قاسم سليماني، أو استباحة إسرائيل الأجواء العراقية، من خلال الهجمات الجوية المستمرة إلى تستهدف بعض القوى المحسوبة على إيران،
يُضاف إلى أسباب صعوبة الحوار العامل الإيراني، الذي يملك من القدرة والإمكانية على إعاقته أو تعطيله، إذا استشعر أن تقليص وجوده هو وليس القوات الأميركية هو هدف واشنطن، ولن يعدم الوسائل في تحقيق ذلك، بشكل مباشر أو من خلال أذرعه في العراق، ولهذا لا يمكن الحكم على مستقبل الحوار من خلال نتائج الجلسة الأولى، التي انتهت باتفاق على استئنافه، دون تحديد موعد محدّد بشكل مباشر في واشنطن.. ونحن في الانتظار.

(العرب القطرية)