كتاب عربي 21

أوكجا وكينغ كونغ: آلهة العجوة وطواطم اللحم

1300x600
عادت زينة الهيئة البريّة إلى وجه الإنسان التي لم تغادرها إلا قليلا، فنرى كل يوم بعضا من شعائرها ومناسكها في النقش والوشم، مثل أن نجد مشاهير يضعون في آذانهم المخرومة خروما واسعة مثل صحن كوب الشاي؛ أقراطا، وآخرين يضعون في أوتار أنوفهم قوسا تنتهي من طرفيها بكرتين مثل حبتي كرز صغيرتين تتدليان من المنخرين، والوَترة هي الحاجز بين المنخرين. وآخرين يحقنون كرات معدنية في شفاههم، أو في ألسنتهم، متقدمين على البدائيين الأوائل، ووشوما ونقوشا. وكان الغربيون المسيحيون، الذين غزوا قارة أفريقيا (وقد غزوا كل القارات وبدؤوا بغزو الكواكب) يقتلون الوثنيين لأسباب كثيرة، أهمها أنهم عراة ورقصاتهم فاحشة، ثم صاروا يقتدون بهم في أواخر القرن العشرين!

عادت أيضا عبادة الحيوانات الطواطم خلسة من حيث لا نحتسب. أباد الغازي الأبيض حيوانات الأرض، ولولا نجاة بضع عشرات من حيوان الثور الأمريكي البوفالو الذي قضى عليه الغازي الأبيض من أجل التسلية، لانقرض. ويندب العلماء وحماة البيئة يوميا الحيوانات التي تتقلص مساحة غاباتها ومواطن عيشها بسبب الغزو الجائر للغابات، حتى صار حيوان الباندا أيقونة مقدسة تنقل مئات الصحف العالمية ووكالات الأنباء أخباره أكثر من أنباء ترامب وبوتين، وهما من غير فصيلة الباندا، وقد انطلق الدخان الأبيض أخيرا من مداخن الصحف العالمية، وبشّرتنا بأن أنثى الباندا الأخيرة استطاعت أن تغوي الباندا الذكر من غير فياغرا، ثم أنجب العروسان ديسما أميرا، يعيش في حديقة حيوانات في اليابان، ويأكل ما لذّ وطاب من أنواع الآيس كريم المثلج في الصيف، من غير أن يكون له حق الفيتو.

أوكجا وكينغ كونغ:

ويحسب كاتب هذه السطور أنَّ أفلاما مثل "كينغ كونغ"، وفيلم "إي تي" (ET)، وفيلم "الآفاتار"، وأخيرا فيلم "أوكجا"، تظهر علامات الحنين إلى عصر الطواطم وعبادتها. وحكاية فيلم "أوكجا" تشبه حكاية فيلم "كينغ"، وهي حكاية الحسناء والوحش القديمة وقد كُسيتْ ثوبا جديدا، فلا جديد تحت الشمس. وحكاية فيلم "كينغ كونغ" معروفة، وقد مُثّلتْ عدة مرات سينمائيا، وتروي قصة بعثة علمية غازية باحثة عن الذهب الأسود في مجاهل الغابات البعيدة، فتأسر قردا عملاقا مثل عوج بن عنق في الأساطير العربية الذي كان يصيد الحيتان من البحر بيده ويشويها تحت الشمس. يقع القرد العملاق في حبِّ إحدى أعضاء البعثة التي تقيّده وتخدره وتحضره إلى أمريكا من أجل الفرجة والكسب التجاري، ثم تضطر إلى قتله بسبب عجمة الإنسان وطغواه، أو بسبب غيرته على نسائه، وهو قلما يغار عليها إلا من الغرباء. ويبرر القاتل القتل بقول صاحب البعثة وقائدها في نهاية الفيلم: حبّه هو الذي قتله، فمن الحب ما قتل.

وفي فيلم "أوكجا" حكاية مشابهة، الوحش هو حصيلة هندسة وراثية لصبغيات خنزير هجّنته شركة عملاقة متعددة الجنسيات مع فرس نهر، وله طباع الكلب الوفي، من أجل الطعام والتجارة الغذائية. ترسل الشركة خِنَّوصها، وهو واحد من ستة عشر خِنَّوصا مهجنا، واسمه "أوكجا"، إلى غابات كوريا الجميلة، وتنشأ قصة حب لطيفة بين الوحش الوديع والحسناء الكورية "ميجا"، ويكبر الخِنّوص وتكبر ميجا معه، ويأتي أوان استعادته بعد أن صار خنزيرا يافعا، لكن صاحبته ترفض وتمانع، فتقوم الشركة بخطفه إلى أمريكا، شأنه شأن كينغ كونغ الذي أوفد إليها مكرها. فالإنتاج كوري أمريكي والحبكة أمريكية، لكن النهاية في هذا الفيلم سعيدة هذه المرة، على نقيض فيلم القرد العملاق الملك الأسير كونغ، إذ تنجح الصبية الحسناء ميجا باستعادة خنزيرها الحبيب، بعد مقايضته بخنزير دمية من الذهب الخالص بحجم قبضة اليد.

آلهة اللحم:

كان أعراب من الجاهلية يصنعون آلهتهم من العجوة، فإذا جاعوا أكلوها، وشبيه ذلك آلهة اللحم الأمريكي الجاهلي المعاصر، وقد جمع إله اللحم الأمريكي، إله الهامبرغر والهوت دوغ بين القداسة والغريزة. ويذكّر خنزير الذهب بعجل بني إسرائيل، فالمعبود الأول عند الأمريكان هو الذهب.

أفلام أخرى تحنُّ إلى الطواطم:

في فيلم "إي تي" المخلوق الخارق، يجمع الكائن الفضائي بين صفات الحيوان والذكاء الإنساني الصناعي الخارق، وكذلك كائن فيلم "الآفاتار" الأزرق الذي يجمع بين صفات الإنسان وخصائص الهرة، وفيهما كليهما يحنُّ الأمريكي إلى عبادة الطبيعة ومخلوقاتها مثل الإنسان البدائي. وفي فيلم "الآفاتار" يعبد أهل الكوكب المعزول شجرة، وقد بلغت شجرة عيد الميلاد شأوا بعيدا وصارت إلها معبودا، ويذكر بذات أنواط التي عبدتها هوازن. بالأمس احتفلت الرياض بأول شجرة ذات أنواط، الوثنية تعود، والتوحيد فطرة بشرية، لكن السقوط في الوحل والوثنية أسهل من الصعود إلى الذرى والتوحيد. وكان الإنسان البدائي، الذي يفضِّل شتراوس إطلاق اسم البرّي عليه، تنزيها له، وإكبارا، يقدِّس الطواطم الحيوانية والنباتية، أما الإنسان الأوروبي المعاصر فيعبدها مواربة، لتقدمه زلفى إلى إله الربح وإله الذهب. وفي الهند يعبدونها عبادة خالصة.

بعض الخلاصات:

إنَّ بني إسرائيل القدماء قتلوا أنبياءهم، أما الوثنيون المعاصرون فيقتلون آلهتهم، وهذا شكل من أشكال التقدمية المعاصرة. وكان نيتشه أشهر من قال بأنَّ الغرب قتلَ الإله. فالغربي لا يعبد سوى هواه، وآلهة الوثنيين المعاصرين كثيرة، بعضها من البشر، وهم نجوم سياسة ونجوم سينما وظهور تلفزيوني، وبعضها من الحيوانات كما نرى، وبعضها من الأشياء والأيقونات، مثل الدمى والصور.

إن الهندوس يعبدون البقرة، وهذا لا يعني أن البقرة مدلّلة، فهي حيوان شديد التعاسة والبؤس في الهند، ويرى السائح في شوارع الهند الأبقار محبوسة بين السيارات، محرومة من الطعام والبريّة، وقد حاولت منظماتٌ هندية إعادة البقرة إلى البراري، وواجهت صعوبات كثيرة. لكننا نرى أن الكلب في أوروبا أعبد من البقرة في الهند، من غير أن يدّعي الأوروبيون عبادته، فهو يعيش أكرم من البقرة الهندية.

إنّ البقرة والكلب كليهما حيوان مقدّس، تعيس بعبادة البشر له، صراحة في الهند، وخفية في أوروبا؛ فالكلب في أوروبا محروم من غريزته في الحراسة، ومحروم من النباح و"حرية التعبير"، فالأوروبي لا يحبُّ الضجة، ويهوى الطاعة العمياء. كما أن الكلب حل مكان الشريك والعائلة في الحياة الزوجية، فالفرد الأوروبي يهوى الفردية المطلقة.

إن ابن خلدون هو أول من قال بتأثير الطعام في خُلُق الإنسان، وفي نفسيته، والأطعمة التي نأكلها غير الأطعمة الطبيعية التي أكلها الأجداد، فهي مهندسة وراثيا، ودليل تأثيرها هو الأمراض البدنية والنفسية التي يصاب بها الإنسان المعاصر، وإن الحيوان في الأفلام الأمريكية يزداد ذكاء وقداسة، والإنسان يزداد عبودية وغباء.

إن الأوروبي يقتل عادة حيوانات الغرباء غير الوطنية، ويحافظ على حيوانات بلاده الوطنية، فالأمريكي يدفع ثلاثة آلاف دولار لقاء الاستمتاع بقتل أسد كيني مثلا. قال أحد هواة القتل؛ إنَّ من المتعة منح الأسد المستهدف فرصة الدفاع عن نفسه، وهذه الهِبة تشبه هبات الأمم المتحدة للشعب السوري، فلم يكن هذا الهاوي يقتل الأسد بسلاحه مع فريق من المسلحين المتربصين به، إلا بعد نهوضه للدفاع عن عرينه، وتلك فرصة لا معنى لها أمام الأسلحة الأوتوماتيكية.

إن أيقونات السينما الغربية مسوخ تجمع بين هيئة الحيوان والإنسان، مثل الرجل الوطواط والرجل العنكبوت والرجل المطاط، والمرأة الهرة، والأيقونة للعبادة عادة، بينما في آداب العرب وسيرهم الشعبية وحكاياتهم، الإنسان هو أعلى المخلوقات الذي خلقه الله في أحسن تقويم.