قضايا وآراء

أولويات المخاطر ومخاطر الأولويات في فكر النظام المصري

1300x600
التحديات الخارجية شغل النظام الشاغل

في حديث متلفز خلال الندوة الثقافية الثانية والثلاثين للقوات المسلحة، أكد رأس النظام في مصر على ضرورة الحفاظ على الدولة في ظل التحديات التي تواجهها مصر، محذرا مما سماها المؤامرات التي تهدف إلى زعزعة استقرارها، مضيفا أن هناك حروبا جديدة تحول الرأي العام إلى أداة لتدمير الدولة، مؤكدا أن التحديات التي تواجهها البلاد هائلة لكن مصر لن تهزم بحرب خارجية!

السيسي ذكّر الحضور بتنبؤاته المبنية على وعي كامل وفهم عميق للأوضاع التي تعيشها مصر والمبنية على حالة عدم "الاستقرار" التي خلفتها ثورة يناير! مؤكدا أن هناك من يحاول زعزعة الاستقرار وصولا إلى انهيار الدولة، ملمحا إلى أن الإخوان المسلمين هم من يقفون وراء هذه المكائد، وأعلن أنه لن يقبل أن يتصالح مع من يهددون "الأمة" والدولة، مؤكدا أنه رفض كل دعوات التصالح مع من أسماهم بالجماعة المحظورة.

أسئلة مزدوجة حول دعوات التصالح

ومع أن حديث السيسي يحتاج إلى كثير من الوقفات من قبيل ثورة يناير التي يراها سبب عدم الاستقرار، إلا أن سؤالا مزدوجا يجب أن يطرح لكل من النظام ورأسه من جهة، وقادة الإخوان المسلمين من جهة أخرى: متى كانت هذه الدعوات للتصالح. وماذا حوت من بنود؟ وماذا تخللها من شروط؟ ومن الذي رعى هذه الدعوات؟ وأين قدمت هذه الدعوات؟

أسئلة مشروعة من حق ذوي الشهداء والمعتقلين وأهلهم والمخفيين قسرا وأحبابهم والمنفيين قسرا في الشتات أن يسألوه، وإن كان النظام لن يجيب، فعلى قادة الإخوان والمعارضة جميعا أن يجيبوا عن هذه التساؤلات بالإيجاب أو النفي، وإن نفوا فعليهم أن يصدروا بيانا مجتمعين أو فرادا لتكذيب حديث السيسي عن التصالح.

أولويات المخاطر في خطاب السيسي

القارئ لكلمة السيسي خلال الندوة الثقافية للقوات المسلحة يدرك من الوهلة الأولى أن حراك أيلول/ سبتمبر الماضي هز أركانه، وأن عرشه أهون من بيت العنكبوت، وقد كان تعاطي إعلامه - ذراعه الأهم بعد المخابرات - جليا في تصدير الأزمة التي يعيشها النظام، من تجاهل، إلى تهوين، إلى اتهامات بالعمالة والخيانة، إلى خطاب الاعتراف بالأخطاء ووجوب التحمل لتمر الأزمة، وتحول الأمر من خطاب إعلامي إلى قرارات وزارية وتخفيف للضغوط ونظرة إلى ميسرة، إلى حديث رأس النظام نفسه على طريقة الريس حنفي في فيلم ابن حميدو (هتنزل المرة دي) لتسقط هيبته برغم التهديد والوعيد، لذا فإن المخاطر وعدم الاستقرار في أدبيات النظام هي ذلك الحراك الشعبي الذي يهز عرشه ولو هز كرامته.

ولا يزال السيسي يرى أن يناير وثورتها خطر داهم ووحش سينقض عليه لينقذ البلاد من براثنه، لذا فشغله الشاغل دق الأسافين بين مكونات يناير، وإفشال أي حراك محتمل بضربات استباقية سواء باستخدام رجاله في الداخل أو الخارج.

أين تقع مصر في أولويات مخاطر السيسي؟

إن كان السيسي يرى أن المخاطر الحقيقية في أن يتهدد عرشه وكرسيه، فإن إجابة سؤال أين تقع مصر من تلك المخاطر، يجيب عليه السيسي بتوجهاته شرقا وغربا وشمالا دون النظر جنوبا. فغزة وخنق أهلها أولوية حتى لا تكون ظهيرا لمصر ولا مصر ظهيرا لها، وقد خُطط للرجل باقتدار يُشهد له، من قبل الانقلاب، حتى تحيّد غزة.

وعلى خطى غزة كانت ليبيا، بالدفع بالعناصر المخابراتية والتعاون مع شذاذ القبائل وفلول القذافي حتى تعزل ليبيا، تمهيدا للانقضاض عليها وتصفية ثورتها ونهب ثروتها.

شمالا في البحر المتوسط، يتنازل عن حدود مصر الاقتصادية وما فيها من خيرات، لينفذ خطة مكايدة تركيا، ولو تعاونوا لكان خيرا كثيرا، لكنه ارتضى أن يكون تابعا عن أن يكون صاحب ثقل في المنطقة يحسب له حساب.

الخطر الحقيقي الذي يهدد مصر هو ذلك الخطر الوجودي في حصتها في نهر النيل الذي استولت عليه إثيوبيا على مرأى ومسمع ممن يتوعد شعبه بهدم البيوت، ويتعهد بمحاربة الإرهاب، وأي إرهاب أكثر من قتل مئة مليون عطشا؟ فذلك موقع مصر من أولويات السيسي، الكرسي ثم الكرسي ولا شيء إلا الكرسي، فالرقاب دونه. 

استعراض القوة في زمن المفاوضات

في أدبيات السياسة فإن العمليات العسكرية تحسن شروط التفاوض، واستعراض القوة زمن المفاوضات يحسن من مركز المفاوض. وها هو آبي أحمد يمنح السيسي فرصة جديدة بعد إعلانه إعطاء فرصة لمزيد من التفاوض، والرجل بكل صراحة ماهر في تفويت الفرص وكسب الوقت، فتلك الفرصة التي منحها آبي أحمد إنما هي مراوغة جديدة بعد أن خبر خصمه.

فتح باب التفاوض جاء على خلفية تهديدات أمريكية بتخفيض المعونات لإثيوبيا، إذا لم تجلس على مائدة المفاوضات. وطبعا الأمر لم يأت حبا في السيسي، ولكن حفظا لهيبتها بعد أن دعت أطراف النزاع ومرقت إثيوبيا وعطلت المسار من أجل مزيد من الوقت.

والآن أين استعراض النظام بقوته، كي يحسن وضع مفاوضه، خلال لقائه بزعماء القبائل في تموز/ يوليو الماضي قال السيسي إن "مصر كانت دائما إلى جانب الحل السلمي في ليبيا.. لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تراقب الأنشطة التي تهدد الأمن القومي المصري"، مضيفا أن "مصر لديها أقوى جيش في المنطقة وأفريقيا". فهل لنا أن نرى أمارة لهذه الدعاية ونموذجا لهذه القوة؟

الخطر الآن ليس في إثيوبيا وحدها، بل الخطر محيط بمصر من كل دول حوض النيل التي سنت لها إثيوبيا سابقة ستسير عليها وتبني كل منها سدا، وأموال الإمارات حاضرة في خدمة هذه المشاريع، وليذهب شعب مصر إلى المجاعة ولتبقى ثلاجة السيسي مليئة بالمياه، فأولويات المخاطر هي تهديد عرش السيسي ومخاطر الأولويات في أن يحيا الشعب فيثور على النظام.