كتاب عربي 21

مصر بين يحيا الأمل ويحيا البصل

يسعى السيسي لمنع ظهور بطل- عربي21
المشهد عجيب، وهو من مصر أم العجائب، وفيه تلوح تباشير بطل مصري اسمه أحمد طنطاوي بعد عقد فرعوني عقيم، وفي المشهد أعجوبة أخرى مضحكة ومبكية، وكم ذا بمصر من المضحكات، والأعجوبة هي أن المرشح الرئاسي الأهم أحمد طنطاوي، ولم يصبح مرشحاً رسمياً بعد، لأن النظام المصري يمتنع عن قبول توكيلات موكليه خوفاً من سباق حقيقي سيخسر الرئيس "شيك هاند يو" فيه، ظهر وهو يقبّل رأس سيدة مصرية تحمل صورة السيسي! بل إن السيسي يبرز على صورة كبيرة كلما خطب الطنطاوي في أنصاره!

الصورة تذكّرنا بمقولة للفرزدق، وكان شيعيّ الهوى، حين لقي الحسين بن عليّ رضى الله عنهما عند مقدمه من العراق وخروج الحسين إليه وسأله ما وراءك؟ فقال: على الخبير سقطت؛ قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميّة، والنصر من السماء. لا يشبه السيسي بني أمية في شيء، فقد فتحوا الدنيا، ولم نرَ السيسي يفتح سوى علبة الماء من غير مساعدة أو اتصال بوزير.

يمنع الرئيس العربي ظهور الأبطال، فإن ظهر أبطال في الأدب أو الرياضة أو العلوم استحوذ "شيك هاند يو" على بطولاتهم، بدعوتهم لزيارته، فإذا زاروه صافحهم وجرى تفاعل يشبه التفاعل الذي يجري بين المعادن في الحموض، والسيسي بموقعه الرئاسي أعلى في سلسلة الإزاحة الكيماوية، وقد غدا المناخ البوليسي عالي الحموضة، فنزع الشوارد من معدن الشعب على أشده.

لم يكن متخيلاً قط أن تتصحر مصر وتخلو من الأبطال مدة عقد كامل، وأن يكون بطلها الوحيد، هو عبد الفتاح ترامادول، بل أن يصير بطلاً وطبيباً وفيلسوفاً وقائداً عسكرياً، ولم يخُضْ معركة قط في حياته سوى معركة رابعة التي جندل فيها مئات العزّل، بل بلغ ظلمه وجوره أن يبثّ صور المعركة على الهواء مباشرة، لجمهوره في الشرق والغرب، بغرض الاستشفاء والشماتة

الرئيس العربي يمنع ظهور الأبطال في جميع الميادين، وأخصّها السياسية، بل إن الأبطال يهربون من ديارهم، وكان آخرهم بطل الجودو المصري عبد الرحمن الصيفي.. الهروب هو البطولة.

الرئيس في أهم البلاد العربية هو الرياضي الأول، حتى لو شاخ وعجز، وهو العالم الأول حتى لو كان أجهل الجهّال، وهو القاضي الأول حتى لو كان أجرم المجرمين، كأنه يشعر بالغيرة من الأبطال أو أنه يخشى تأثيرهم على الشعب، فيختلس نورهم. كانت جدران الشوارع السورية مكتظة ولا تزال بشعارات تجعل الرئيس هو الأول في كل مضمار، الدولة الوحيدة المستثناة من هذا القدر السياسي المعاصر في الشرق الأوسط هي تركيا، حتى إن رؤساء أحزاب تركية معارضة أو موالية، هم بقوة الرئيس أو دون قوته وسطوته بقليل، مثل دولت بهتشلي، أو كليتشدار أوغلو، بل إن رئيس حزب صغير مثل حزب الظفر يصول ويجول، ويكاد أن يقلب تركيا عاليها سافلها بتصريحات عنصرية، والدولة عاجزة عن منعه.

لم يكن متخيلاً قط أن تتصحر مصر وتخلو من الأبطال مدة عقد كامل، وأن يكون بطلها الوحيد، هو عبد الفتاح ترامادول، بل أن يصير بطلاً وطبيباً وفيلسوفاً وقائداً عسكرياً، ولم يخُضْ معركة قط في حياته سوى معركة رابعة التي جندل فيها مئات العزّل، بل بلغ ظلمه وجوره أن يبثّ صور المعركة على الهواء مباشرة، لجمهوره في الشرق والغرب، بغرض الاستشفاء والشماتة، فتابعها العالم الحر والمجتمع الدولي سعيداً مسروراً وهو يرى الجثث المحترقة للمعتصمين فيها.. لم تكن معركة النخبة المصرية الحاكمة فحسب، وإنما معركة العالم "الحر" مع الثورة المصرية، فقد خشي ظهور أبطال يعيدون مصر إلى مجدها.. الأبطال هم في الغرب فقط.

لم يكن معقولاً أن تعقم مصر مدة عشر سنوات، ليس لأن المصريين أشجع من أشقائهم العرب، بل لأنَّ مصر أكبر بلد عربي، وهي بلد يمور بالأبطال، ولأنها لم تُصب بما أصيبت بها بلاد عربية من سلطة الحزب مثل حزب البعث في العراق، وحزب البعث في سوريا.

وقد علّمنا التاريخ الحديث أنّ القائد العربي الثوري يحرص على قتل رفاق الدرب وصحبة السلاح، والشهود على جريمة "الثورة".. كذلك فعل جمال عبد الناصر الذي قتل شريكه المشير عبد الحكيم عامر، وكذلك صدام حسين في مجزرة ارتكبها على الهواء ضد رفاق الحزب الذين اتُهموا بالخيانة، وهو يدخن سيجاراً كوبياً، وجرى الأمر نفسه مع حافظ الأسد الذي تخلص من رفاق اللجنة العسكرية، وكذلك فعل السيسي بالتخلص من كل الضباط الزملاء.

الرئيس العربي يخشى الأقران الذين يمكن أن يكونوا خلفاء أو بدلاء، أما أغرب غرائب بطل ثورة يوليو المصرية فهي ضعف خصائصه وشمائله الشخصية، فليس له من بلاغة اللسان شيء، ومن أعجب العجائب أن مثله حكم مصر وعقّمها كما لم يفعل فرعون من قبل، بل إنه جعلها رهن الصندوق الدولي وقلب نهارها ليلاً ونعمتها ويلاً، ومنع ظهور بطل خلال عشر سنوات كاملة

الرئيس العربي يخشى الأقران الذين يمكن أن يكونوا خلفاء أو بدلاء، أما أغرب غرائب بطل ثورة يوليو المصرية فهي ضعف خصائصه وشمائله الشخصية، فليس له من بلاغة اللسان شيء، ومن أعجب العجائب أن مثله حكم مصر وعقّمها كما لم يفعل فرعون من قبل، بل إنه جعلها رهن الصندوق الدولي وقلب نهارها ليلاً ونعمتها ويلاً، ومنع ظهور بطل خلال عشر سنوات كاملة.

فلا بد أن سرّ هذا الرجل باتع، حتى سائق التوكتوك الذي خطب خطبته الشهيرة، وهي خطبة عامة ليس فيها ذكر للرئيس، اضطر إلى الظهور في اليوم التالي ليعتذر عما قال.

انقضت مدتا الرئيس الرئاستين، وهو يطمع في مدة ثالثة غير شرعية، إذا جاز وصف المدتين السابقتين بالشرعيتين، وقد ظهر المرشح أحمد طنطاوي الذي يشق طريقه بصعوبة، وهو أفضل من السيسي في كل شيء، في العلم والجسم، غير أنه ليس له ظهير في الجيش، وليس له في سيرته جسور وقصور، فلعله يكون بطلنا القادم، وإن لم يفز فحسبه أن يقول لا.

لا نأمل من الرئيس أحمد طنطاوي أن يعيد الجزيرتين، أو أن يمنع الملء الخامس وراء سد النهضة، أو أن يجدول ديون مصر، لا نريد منه سوى أن يغير درجة تركيز الحمض السياسي في مصر، حتى لا تصير دولة بعثية مثل سوريا أو العراق، إن بلغ أول مرحلة من السباق الرئاسي، وسُمح له بالترشح وتسجيل التوكيلات، وهي معجزة إن وصل.

نأمل أن يقوم بمعجزة تحويل الاستفتاء إلى انتخاب، وتحرير البصلة من قصرها الذهبي الجديد، تلك الثمرة الشعبية الرخيصة سريعة الإنبات والإثمار، التي حولها السيد عبد الفتاح العليم إلى تفاح. قال مؤرخون: إن المصريين ما بنوا الأهرامات إلا وهم يأكلون البصل.

يحيا الأمل، وهو شعار طنطاوي الأول، إن استطاع أن يسابق الرئيس، وإن مقيداً، سيمنع من تحول مصير مصر إلى مصير سوريا والعراق سياسياً، حتى لو استعمله السيسي مثل كوبري، فسننتفع به أيضاً، فلن يكون مثل سابقيه حمدين صباحي وموسى مصطفى، والله أعلم.

الأمريكيون الذين يعشون الصراعات، يصفون معاركهم "بالشو"، وعسى أن يستطيع طنطاوي تحويل مشهد الاستفتاء الرئاسي إلى فرجة جديرة بالمشاهدة.

twitter.com/OmarImaromar