صحافة إسرائيلية

النووي..مشكلة أوباما خوف السعودية وأهداف إسرائيل

إيران أمريكا نووي - أ ف ب
قال المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل إن الصراع على الاتفاق مع ايران سمم علاقات اسرائيل بالولايات المتحدة وزاد من مخاوف الدول السنية ولا سيما السعودية.

ولفت الكاتب في مقال له نشرته "هآرتس" اليوم الى أن إمارات الخليج لا يقلقها فقط الانسحاب الامريكي من المنطقة بل ازدياد قوة ايران ،منوهاً الى انها بدأت بالتلميح الى سعيها لإمتلاك مكافيء للسلاح النووي الإيراني.

ويوضح بأن  ايران سجلت لنفسها انجازا استراتيجيا آخر بعد أن ساعدت مشاركتها في "الحرب الأهلية السورية "(ولا سيما استقرار الرأي على ارسال مقاتلي حزب الله من لبنان الى المعركة هناك) في انقاذ نظام الاسد الى الآن. معتبراً بأن هذا "توجه دولة ترى نفسها قوة اقليمية ولها مصالح تشمل الشرق الاوسط كله". وتابع:"أنتج الاتفاق الذري دعوة طهران الى المشاركة في صوغ مصير سوريا في مؤتمر آخر خُطط له في جنيف في جُهد لانهاء الحرب الأهلية". 

وبرأيه فقد انتقل التركيز الاستراتيجي الأمريكي نحو اقتصادات شرق آسيا الصاعدة. وتراجع الإهتمام بالنفط من الشرق الاوسط والنفور المتزايد من الفوضى في العالم العربي. ومحاولة واشنطن البحث عن نقطة توازن بين الكتل المتعادية في داخل العالم الاسلامي.

ويؤكد هرئيل بأن اوباما تبنى استراتيجية "القيادة من الخلف" (في سياق اسقاط نظام القذافي في ليبيا) ،وسمع السعوديون والمصريون والاسرائيليون مصطلح "القيادة من الخلف" وفسروا ذلك بأنه اعداد لانسحاب تدريجي من الشرق الاوسط وبأنه تعبير عن عدم استعداد الادارة الامريكية للاستمرار في استعمال القوة العسكرية في المنطقة. 

وتابع:"مشكلة اوباما الرئيسة بعد الاتفاق هي عدم ثقة دول صديقة بقدرته على تحقيق تصريحاته. و"يتذكرون في العواصم السنية التبرؤ السريع من نظام مبارك في مصر في كانون الثاني 2011، والتلكؤ في مسألة الاعتراف بالجنرالات الذين استولوا على الحكم في القاهرة في تموز من هذا العام، والانطواء عن العراق وافغانستان".

وفيما يلي كامل المقال:

ما زال توجد مجاهيل كثيرة بعد اسبوع تقريبا من التوقيع على الاتفاق المرحلي بين القوى العظمى الست وايران في جنيف. ولا تستمر فقط الجدالات في نوع الاتفاق بل ما زال يُختلف في مجرد تفصيلاته. في يوم الثلاثاء بيّنت وزارة الخارجية الامريكية ردا على توجهات صحفيين أنه بقيت "تفاصيل تقنية" لم تُغلق، بعد أن اتهمت ايران الولايات المتحدة بنشر معطيات مضللة تتعلق بصيغة الاتفاق الكاملة، أي أن التفاوض فيما قد اتُفق عليه في التفاوض يتوقع أن يستمر بعد.

يفترض أن ينفذ الاتفاق المرحلي مدة ستة اشهر يبحث الجانبان في أثنائها في صوغ تسوية دائمة، لكن العد التنازلي لم يبدأ بعد بحيث إن ايران لم تلتزم بعد بالتنازلات التي التزمت بها في الاتفاق المرحلي، ولم تبدأ ساعة التفاوض الجديد التكتكة بعد.

لم يُفاجيء الاعلان الامريكي اسرائيليين تابعوا جولات المحادثات السابقة منذ كانت محادثات الثلاثية الاوروبية قبل نحو من عشر سنوات. وفي هذه الحال يبدو الكليشيه الثقافي دقيقا جدا وهو الذي يقول إنها ايران التقليدية. إن الايرانيين ماهرين جدا في الحقيقة في اجراء تفاوض طويل مرهق. وهم يستخدمون الاتفاقات التي تُحرز أكثر من مرة لتكون نطقة انطلاق لمساومة جديدة.

لم تزحف طهران على ركبتيها الى جنيف كما أملت القيادة الاسرائيلية أن يحدث، ويبدو أنها لم تتخل ايضا عن المباديء الأساسية التي جاءت بها الى التفاوض. إن المشروع قد تمت تبطئته في الحقيقة لكن الايرانيين يستطيعون أن يروا التسوية اعترافا من العالم بالفعل بحقهم في تخصيب اليورانيوم. وقد سجلوا الى اليوم تقدما مهما في سلسلة طويلة من القضايا وإن لم يلائم ايقاع تطور الامور التنبؤات المتشائمة للجهات الاستخبارية في الغرب في العقدين الاخيرين.

إن مخزونات اليورانيوم الموجودة مع ايران تُمكنها من "انطلاق الى الأمام" وإتمام التخصيب بدرجة عالية عسكرية في اشهر معدودة. وما زالت الصواريخ التي في حوزتها تهدد دولا كثيرة ومنها اسرائيل. ويُقدر خبراء كثيرون اليوم أنه قصرت جدا المدة التي يحتاجها الايرانيون لانتاج رأس ذري لهذه الصواريخ. والآن، بازاء الخطر المباشر الذي عرّضت المعارضة العالمية لتقدم البرنامج الذري بقاء النظام له – وهو أهم الأهداف بالنسبة له دائما – استقر رأي القيادة على التصالح. وقد أملى الضرر الاقتصادي وخيبة أمل الجمهور الايراني خاصة التصالح في جنيف، لكنه يبدو مثل تصالح يستطيع آيات الله العيش معه.

 ما كان كل ذلك ليُحرز مع الرئيس السابق محمود احمدي نجاد. لكن النتيجة مختلفة تماما مع حسن روحاني المعتدل ومع وزير الخارجية محمد ظريف خريج الدراسة الاكاديمية في الولايات المتحدة وممثل طهران في الاتصالات. وقد عبر سلوك الوفد الايراني في جنيف حتى مع الصحافة الاجنبية عن عودة واثقة بنفسها الى حضن المجتمع الدولي. وخُيل إلينا للحظات أن الغرب كأنما اشتاق الى احتضان ايران، واستُقبل الامتعاض والشك الاسرائيليان في الاتفاق بعداوة.

يبدو أن القيادة الايرانية تتصرف الآن في حكمة وحذر نسبي؛ ويمكن أن نُخمن أن الاتفاق المرحلي لن يمنعها من الانطلاق قدما واعلان صنع قنبلة ذرية اذا أُتيحت في المستقبل فرصة مريحة حينما ينصرف انتباه الغرب الى مكان آخر. وهي ترى الآن أن ايران دولة على الحافة الذرية وقفت هناك لتقديراتها هي، وستضطر القوى العظمى الى الاعتراف بذلك.

  تستطيع ايران أن تسجل لنفسها انجازا استراتيجيا آخر بعد أن ساعدت مشاركتها في الحرب الأهلية السورية (ولا سيما استقرار الرأي على ارسال مقاتلي حزب الله من لبنان الى المعركة هناك) في انقاذ نظام الاسد الى الآن. وهذا توجه دولة ترى نفسها قوة اقليمية ولها مصالح تشمل الشرق الاوسط كله. وقد أنتج الاتفاق الذري دعوة طهران الى المشاركة في صوغ مصير سوريا في مؤتمر آخر خُطط له في جنيف في جُهد لانهاء الحرب الأهلية. ومن جهة اخرى قد يوجب شهر العسل الجديد مع الغرب على طهران أن تكف شيئا ما عن مشاركتها في النشاط الارهابي ولا سيما التعاون مع حزب الله على الهجوم على أهداف اسرائيلية في الخارج.

 الولايات المتحدة. يوجد فرق لا يستهان به بين صورة انعكاس الاتفاق المرحلي في واشنطن وبين الردود في الشرق الاوسط. وبرغم أنه وُجه انتقاد الى سلوك ادارة اوباما من صقور الحزب الجمهوري (بين من يجهدون هناك في الاهتمام بالشؤون الخارجية) ومن اصدقاء اسرائيل في مجلس النواب الامريكي، يرى البيت الابيض ووزارة الخارجية الاتفاق انجازا. ويضاف الى التسوية التي تم احرازها في آخر لحظة في نهاية آب مع روسيا ومنعت هجوما امريكيا على سوريا عوض القضاء على مخزون السلاح الكيميائي لنظام الاسد.

إن اتفاق جنيف والقضية السورية قبله – حينما هدد الرئيس براك اوباما بالهجوم على سوريا ردا على قتل 1500 مواطن على يد النظام السوري بهجوم بالسلاح الكيميائي – يقوي تفضيل الادارة للدبلوماسية والاتفاقات على استعمال كثيف للقوة العسكرية. وقد استعملت امريكا في العقد الماضي تقنية حديثة وقوة تدمير عظيمة في حربيها في افغانستان والعراق لكنها أنهتهما بنتيجة استراتيجية مُخيبة للآمال. وهي الآن تبحث عن طرق اخرى – من استعمال القوة اللينة الدبلوماسية والاقتصادية الى حرب السايبر واعمال تخريب خفي.

 وينضم هذا التوجه الى وجهين آخرين من وجوه سياسة الادارة. الاول وقد كُتب فيه كثيرا، يتعلق بنقل التأكيد الاستراتيجي نحو اقتصادات شرق آسيا الصاعدة. ويحث على ذلك حثا آخر التعلق الامريكي الذي أخذ يقل بالنفط من الشرق الاوسط والنفور المتزايد من الفوضى في العالم العربي. ويتصل الوجه الثاني بجهود واشنطن للبحث عن نقطة توازن بين الكتل المتعادية في داخل العالم الاسلامي.

 توقعوا في اسرائيل في السنوات الاخيرة أن تقوي امريكا الكتلة السنية التي هي أكثر اعتدالا وفيها مصر والسعودية والاردن ودول الخليج في صراعها للكتلة الشيعية بقيادة ايران. لكن نشك في أن الامريكيين ما زالوا يقسمون المنطقة الى أشرار وأخيار.

 حينما بيّن مستشارو اوباما قبل سنتين ونصف أن الرئيس تبنى استراتيجية "القيادة من الخلف" (في سياق اسقاط نظام القذافي في ليبيا) أبدعوا مصطلحا يطارده حتى اليوم. فقد سمع السعوديون والمصريون والاسرائيليون مصطلح "القيادة من الخلف" وفسروا ذلك بأنه اعداد لانسحاب تدريجي من الشرق الاوسط وبأنه تعبير عن عدم استعداد الادارة الامريكية للاستمرار في استعمال القوة العسكرية في المنطقة. إن مشكلة اوباما الرئيسة بعد الاتفاق كما أحسن أناس معهد واشنطن لبحوث الشرق الاوسط تشخيصها، هي عدم ثقة دول صديقة بقدرته على تحقيق تصريحاته. ويتذكرون في العواصم السنية للبيت الابيض التبرؤ السريع من نظام مبارك في مصر في كانون الثاني 2011، والاعوجاج في مسألة الاعتراف بالجنرالات الذين استولوا على الحكم في القاهرة في تموز من هذا العام، والانطواء عن العراق وافغانستان.
 
السعودية. إن الدول السنية ولا سيما السعودية وامارات الخليج لا يقلقها فقط الانسحاب الامريكي من المنطقة بل ازدياد قوة ايران ايضا. وليست الدعاوى على طهران طموحاتها الى القدرة الذرية فقط – ففي الخليج يلاحظون في قلق ايضا النشاط الارهابي المتشعب الذي يُديره طابور "القدس" التابع لحرس الثورة، وتدخل ايران المتزايد في صراعات دامية بين الشيعة والسنيين في المنطقة وفي مقدمتها الحرب في سوريا. إن اعلان المباركة السعودية لاتفاق جنيف بدا متشككا واضطراريا وبرز فيه قول إن الاتفاق يثير الأمل، "ما دامت النوايا طيبة". وبيّن مسؤولون سعوديون كبار وجهوا صحفيين وأناس معاهد بحث في الغرب أن بلدهم سيضطر الى أن يزن شراء سلاح ذري يكون مُعادلا للسلاح الذري الايراني اذا لم يقتنع بأن الصفقة ستوقف المشروع الذري الايراني حقا.
 
اسرائيل. إن اتفاق جنيف من وجهة نظر القدس يعبر عن تحول حاد آخر في الواقع الذي يتزلزل تزلزلا عميقا في السنوات الثلاث الاخيرة. وقد جاء بعد موجة زلازل سابقة من سقوط مبارك الى القضاء على السلاح الكيميائي في سوريا. لكن يبدو أن ما يصعب على القيادة الاسرائيلية أن تهضمه هو أن القدس لم تعد في المركز سواء أكان ذلك حسنا أم سيئا. وكما لم تكن اسرائيل قط هي الهدف الوحيد للبرنامج الذري الايراني، فانه خُصص لها دور ثانوي فقط في الجهد العالمي لاحباط البرنامج. ليس الاتفاق كاملا لكنه ليس نهاية العالم ايضا. هذا هو الواقع؛ أُحرزت هنا مهلة حيوية تُمكن في ظاهر الامر من علاج أعمق للمشكلة الذرية ولاحتمال احراز تسوية دائمة تضائل تهديد اسرائيل.
 
 عند نتنياهو بواعث جيدة للغضب على اوباما. فقد غضب حينما تبين له قبل أشهر التفاوض السري بين الولايات المتحدة وايران. إن التنسيق السياسي بين الولايات المتحدة واسرائيل في المسألة الايرانية متعثر منذ ترك توم دونيلون رئاسة مجلس الامن القومي في واشنطن. ومن الصحيح ايضا أن الامريكيين الذين أداروا اجراء العقوبات الدولية ادارة يُحتذى بها، فشلوا في المرحلة الحاسمة وعادوا من جنيف مع اتفاق مشحون بالعيوب. وخُيل الى مراقبين اسرائيليين أن الولايات المتحدة دهشت في اللحظة الاخيرة وخشيت الحرب بينما كان يجب أن يخاف الايرانيون في الحقيقة. ومع كل ذلك يبدو أن هذه هي اللحظة المناسبة للتنبه من أوهام العظمة الاسرائيلية. إن اسرائيل تعمل خلافا لمصلحتها حينما تُشاجر الولايات المتحدة زمنا طويلا على رؤوس الأشهاد. ويوجد فرق بين النقد الموضوعي وبين الجو المسموم الحالي.
 
 لم تنته بعد المعركة الايرانية. ويفترض أن تبدأ المرحلة الحاسمة وهي التفاوض في التسوية الدائمة، الآن. ويجب على اسرائيل الآن أن تُقدر من جديد الهدف الذي هي معنية به في الاتفاق النهائي وأن تبذل أقصى ما تستطيع للتوصل إليه بتنسيق مع الامريكيين والاوروبيين. وما زالت توجد قضايا حاسمة يمكن احراز نتيجة طيبة فيها كضمان رقابة أقوى على ما يجري في المنشآت الذرية، وتطوير قدرة على جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها تكون مُنسقة مع الدول الغربية، ومحاولة "الدفع الى الوراء" بقدر المستطاع بالنقطة التي ستبقى عندها القدرة الايرانية في التسوية النهائية. وتوجد أهمية ايضا لاعداد اجراء منسق مع ادارة اوباما لفرض عقوبات اخرى سريعا اذا تبين أن الايرانيين يخدعون واذا انهار الاتفاق.

يمكن أن يحدث كل ذلك فقط اذا كفت اسرائيل عن صدامات معلنة مع الولايات المتحدة. وإن تكرار نتنياهو الدائم لقوله إن الاتفاق سيء سيء سيء قد يجعله في وضع رجل الأمس. بقي رئيس الوزراء في وعي الاسرائيليين حتى حينما كان سفيرا في الامم المتحدة قبل ثلاثين سنة تقريبا، مُحذرا من التهديدات على الباب. وفي ذلك الزمان في ثمانينيات القرن الماضي البعيدة، كانت الموضوعات الحبيبة إليه هي خطر الارهاب الدولي وتنكيل سلطات الاتحاد السوفييتي بيهود روسيا. ومع مرور السنوات اقتنع كثيرون من الناخبين الاسرائيليين بأن نتنياهو هو الشخص المناسب حقا لحمايتهم من جملة التهديدات في الحي جد غير الصديق الذي نعيش فيه. لكن الأخطار تغيرت الآن. وفي هذه الجولة وبازاء عدو محنك مصمم كايران لن يكفي التأليف الغالب بين الخطب الفصيحة والتذكير بالمحرقة والتلويح بقدرات سلاح الجو الهجومية البعيدة المدى.